منذ اعلان السعودية تنفيذ حكم الإعدام بمن وصفتهم بالإرهابيين ومنهم الشيخ نمر النمر، حتى بدا الشارع السوري المعارض بالانقسام اكثر واكثر بين مؤيد ومعارض لهذا الإعدام رغم وجود من بين من اعدمتهم السعودية احد شرعيي القاعدة فارس آل الشويل، في الوقت الذي لم يصدر فيه اي بيان من القاعدة او مناصريهم في سورية “جبهة النصرة “، ثم جاءت احداث قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران لتذكي روح الانقسام و التشرذم اكثر ، فقد أصدر26 فصيل مسلح للمعارضة السورية بيان يؤيد هذه الخطوة ، علماً ان هذه الفصائل حضرت اجتماع المعارضة في الرياض والذي تم فيه تشكيل الهيئة العليا للتفاوض والتي تعتبر احدى مهامها أخذ مواقف واضحة تجاه القضايا التي لها علاقة بالشأن السوري كون السعودية وايران أحد أبرز اللاعبين بالقضية .
وها قد نفذت السعودية الحكم المؤجل من ثلاثة سنوات بحق الشيخ نمر النمر ، رغم استبعاد كثير من الصحفيين المقربين من الاسرة الحاكمة السعودية تنفيذه ؟!!، ولتظهر روسيا وتأخذ دور الوسيط في حل القضية بين ايران والسعودية وتكون هذه المصالحة برعايتها لمنع أي تدخل اممي لنزع فتيل الازمة الكلامية بين الطرفين بمشهد شبيه لما لحادثة الاعتداء على السفارة الامريكية في دمشق عندما أرسل النظام السوري البعثيين ورجال الامن ليقودوا احتجاج ضد الحرب على العراق وقام بعض عناصر الامن بالدخول الى السفارة وانزال العلم والعبث ببعض محتوياتها، وكان الكل يعلم ان هناك تنسيق امني بين السفارة الامريكية و الامن السوري من خلال عدم السماح للمواطنين المشاركة باقتحام السفارة ، كذلك كان الواقع مع البستيج الإيراني عند الاعتداء على السفارة السعودية ( ونقصد التعاون استخباراتي قد يكون دون علم السفير والموظفين بذلك ).
هل السعودية وايران وروسيا متفقين فيم بينهم على اقتحام السفارة ؟!!
للوهلة الأولى يبدو الكلام ضرب من الجنون ، فالأطراف ( السعودي , الإيراني، الروسي) بينهم حرب ضروس على الأرض السورية واليمنية سواء بشكل مباشر او غير مباشر، من اجل تحديد من له الكلمة على طرق الطاقة و صناعتها وهو جوهر هذه الحرب ، وهذا سبب الاهتمام في سورية واليمن في حين لبنان الدولة المجاورة لسورية نجد الحرب فيها بين الطرفين الإيراني و السعودي عبر الانتخابات و الحكم دون ان يكون هناك احتكاك فعلي بين الطرفين لدرجة إن قام احدهم باحتلال الوسط التجاري للعاصمة اللبنانية يلتزم الطرف الاخر بالتهدئة دون أي محاولات للاحتكاك المسلح فالطرفان تقاسما لبنان ثروة وشعباً وارضاً لصالح السعودية وايران.
فماذا حدث اذاً في طهران ومشهد الايرانية؟!!
القصة بسيطة أسعار النفط تنهار ومعه لم يعد السيطرة على طرق نقل النفط والغاز مجدي ، فاللعبة بدأت من بعض أعضاء أوبك ومنها السعودية)و بأوامر من أمريكا للضغط على ايران للرضوخ من اجل الحل للملف النووي إذ لم يتم الاتفاق على تخفيض الإنتاج لرفع الاسعار، ومع التوقيع المبدئي لم تعد الأسعار للارتفاع مجدداً لعدة أسباب :
- رغبة ايران بضخ المزيد من النفط في الأسواق لتصل الى 2.2 مليون برميل اذا تنتج حاليا 1.3 مليون برميل يوميا أي ضعف ما تنتجه الان وذلك لترميم اقتصادها المتهالك.
- خروج الكثير من دول الشرق الأوسط وافريقيا من دائرة المستهلكين للنفط بسبب توقف العجلة الاقتصادية فيها نتيجة الاضطرابات الأمنية .
- خروج الصين من دائرة النمو نتيجة فقدانها التميز بما يخص موضوع رخص الايدي العاملة و الضرائب ، وبالتالي انخفض الطلب على النفط دون ان ننسى ان معامل اوربا الموجودة في الصين هي الأخرى بدأت تعاني من ارتفاع تكاليف التشغيل وانخفاض قيمة أسهمها في الأسواق المالية ،مما جعلها تخفض من نشاطها الذي اثر على مردودها لدولها الام .
- بدء تصدير الولايات المتحدة للنفط الاستراتيجي لديها بعد اكتشافات الغاز الصخري ومصادر أخرى للطاقة النظيفة .
- الركود الذي تعاني منه اليابان وألمانيا كما اظهرته بيانتاها المالية .
- ارتفاع الاحتياطي العراقي 150%، وعودة بعض الخطوط النفطية الليبية للعمل.
- بيع النفط العراقي والسوري و الليبي من قبل داعش بأسعار تعتبر رخيصة جدا مقارنة بأسعار سوق الطاقة ( النفط الرخيص )، حتى أصبحت هناك تجارة اسمها غسيل النفط .
- أزمة مديونية منطقة اليورو والتي أدت الى سياسات انكماشية مما خفض الطلب على النفط ومشتقاته.
- استمرار التوتر في دول الربيع العربي وما له من أهمية على امن هذه الدول(ايران و السعودية ) ونظام حكمها ، مما جعلها تتخذ الكثير من الخطوات لمنع انتقال تأثيرها اليها ،وهذا كلفها الكثير من ميزانياتها التي باتت تميل الى العجز بعد الوفرة عدا الحصار الاقتصادي المفروض على ايران بسبب برنامجها النووي وكذلك روسيا بسبب القضية الأوكرانية.
اقتصاديات أطراف التوتر ؟
الاقتصاد السعودي عام 2014-2015 :
وفقا للموازنة التي أعلنتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني لعام 2015 ، تبلغ النفقات العامة 860 مليار ريـال ما يعادل 229.3 مليار دولار ، اما الإيرادات فبلغت 715 مليار ريـال، 89% منها إيرادات بترول ،وهو ما يجعل المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم، رغم ذلك سجلت عجزا في الموازنة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2009 بقيمة 145 مليار ريـال ما يعادل 38.61 مليار دولار )الدولار= 3.755 ريـال سعودي) مقارنة بفائض عام 2013 بمقدار 135 مليار دولار حتى ان صندوق النقد الدولي يتوقع ان تفلس السعودية اذا استمر انخفاض سعر النفط بهذا المستوى بعد خمس سنوات وقد بدأت السعودية تسحب من احتياطاتها في البنوك الخارجية بعد ان وصلت الى 724 مليار دولار عام 2014 ، لتتراجع الى 659 مليار منخفضة بمقدار 65 مليار دولار أي بمقدار 9%.
كل هذا يشير الى الوضع الحرج للاقتصاد السعودة وقد قدروا الخبراء ان السعر المناسب لبرميل النفط لتصحيح الوضع الاقتصادي مايعادل 90 دولار كونه سعر موازنات عام 2013-2014.
اقتصاد ايران عام 2014-2015
ايران الدولة الغنية بالنفط والغاز و الحرف اليدوية والكثير من الزراعات ذات المردود المادي الكبير تعاني الان من ركود اقتصادي وصل الى درجة الازمة فـ 80% من بلدياتها مفلسة غير قادرة على القيام بالخدمات العامة و 40 % من الشعب تحت خط الفقر، والبطالة 30% رغم محاولة النظام الحاكم تجنيد هؤلاء ضمن البستيج ليقاتلوا في العراق واليمن وسورية الا ان البطالة لازالت مرتفعة.. حتى ان ايران انسحبت من صندوق الثروة السيادية والتي تقدر حصتها فيه بما يعادل 62 مليار لتخفيض اثر انخفاض أسعار النفط حيث قدرت سعر البرميل بميزانيتها بـ 72 وذلك عندما كانت الأسعار تلامس 110 دولار للبرميل حيث كانت تصدر انتاجها للهند والصين بمحاولة للالتفاف على العقوبات الدولية ، اما الان فان هذه الميزة قد اختفت من حسابات ايران لأنه ليس بمقدورها تخفيض اكثر من سعر السوق كون تكلفة البرميل الواحد تقدر بـ 15 دولار حسب صندوق النقد الدولي ، وهذا انعكس على ميزانياتها لدرجة ان الحكومة الإيرانية لم تصدرها رسمياً انما تسريبات ارقام فقط لبعض بنودها .
ان سعر تصحيح الميزانية الإيرانية قدره صندوق النقد الدولي بـ 125 دولار للبرميل .
اقتصاد روسيا عم 2014-2015:
اقتصاد الروسي اقتصاد ريعي يعتمد على تصدير الطاقة الذي يشكل 54.2% من الصادرات الكلية (الإيرادات) وترتفع النسبة إلى 65.3% عند إضافة الغاز الطبيعي ، وبالتالي العملة الروسية الروبل مرتبطة بشكل وثيق بأسعار النفط التي تهاوت مما أدى الى هبوط الروبل اكتر من 40% ، وارتفاع التضخم الى 12.3 % ، و بات 22 مليون روسي تحت خط الفقر، وتفاقم الدين الروسي السيادي الى 170 مليار دولار، وهروب رؤوس الأموال من روسيا التي قدرت بـ 125 مليار يورو و 151 مليار دولار ،حتى ان موازنة 2016 سوف تقدر على سعر برميل 50$ في حين سعره المتوقع في السوق 37$ مما يدل ان الازمة الاقتصادية الروسية نتيجة انهيار أسعار الطاقة ليس لها حل ، اما النصف الثاني من إيرادات الميزانية تأتي من صناعة الفضاء والسلاح ، لكن روسيا منيت بسوريا بالكثير من الفشل على أسلحتها مما يتوقع معه ان الأعوام القادمة ستكون كارثية عليها وخاصة ان الأسواق التي ممكن ان تشتري من الروس هم الان من أصدقاء الشعب السوري ( المعارضة ) ، لذا فان تصحيح ميزانية روسيا يقع على عاتق الطاقة والسعر المناسب لهذا التصحيح 100 دولار لبرميل النفط وذلك حسب خطط الانفاق الحكومي بداية عام 2015، علما ان تكلفة انتاج البرميل يتراوح بين 15-40 دولار .
وهنا لابد من الإشارة إلى ان روسيا و من ثم السعودية و بعدها أمريكا ومن ثم ايران بالترتيب اكثر الدول انتاجا للنفط في العالم أما التصدير فالسعودية و من ثم روسيا ثم ايران اكثر دول العالم تصدير للنفط بالترتيب في حين يقدر الطلب على النفط خلال هذا العام بـ 92.5 مليون برميل يومياً، وبالتالي هم بحاجة الى توتر مباشر بينهم يقنع العالم ان أسواق الطاقة لن تكون مستقرة ، مما يساعد على رفع الطلب تحوطاً خوفاُ من توسع هذا التوتر و بالمقابل يمكن إطفاء هذا التوتر متى أرادوا ذلك ، فلم يكن امامهم الا اتباع وصفة مجربة بدول العالم كلها وهي الهجوم على السفارات فيمكن رفع الضجيج الإعلامي الى درجة الصخب وممكن تخفيضه الى درجة الصامت متى ارادو ذلك .
ولكي يقتنع سوق الاستهلاك بذلك كان لابد من تضخيم الامر فبدأت السعودية بالضغط على دول لها نفوذ عليها لقطع علاقتها بإيران رغم ان لا تأثير لها في سوق النفط ، كل هذا على امل ان يزداد الطلب على النفط تحوطا من قبل الصين واليابان وألمانيا ، علما انه لا يمكن تخفيض الحصص لرفع الأسعار كون كل دولة من هذه الدول تشارك بحرب عسكرية تحتاج الى أموال عدا ان هذا الأعوام أعوام رسم خرائط للطاقة وتحتاج الى ترسيخ وجود لها ، إضافة الى تجربة قديمة للسعودية بالثمانيات عندما خفضت كمية انتاج النفط ولم تنخفض الأسعار وخسرت السعودية حصصها في الإنتاج .