شهدت مناطق النظام خلال الفترة الماضية أزمة خبز جديدة، إلا أنها كانت أكثر تفاقماً مقارنةً بالمرات السابقة، وبدا ذلك واضحاً من خلال الطوابير الطويلة التي اصطفت للحصول على لقمة العيش، وكان لفيروس كورونا المستجد الذي انتشر حول دول العالم بما فيها سوريا، دوراً أساسياً في اشتعال أزمة الخبز.
وسبق أن تداول ناشطون مقطعاً لأطول طابور خبز في حلب، يمتد من جسر الأكرمية لفرن الذرة في حي الأعظمية بمدينة حلب، إضافةً إلى العديد من الصور والفيديوهات التي تُظهر تجمع السكان أمام الأفران وحول سيارات الخبز في عددٍ من المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.
أسباب أزمة الخبز
لكن لماذا تفاقمت أزمة الخبز عقب تفشي وباء كورونا؟، في هذا الإطار قال الباحث الاقتصادي يونس الكريم إن “السبب الرئيسي الذي ساهم في تفاقم أزمة الخبز، هو عدم امتلاك السلطة السورية المخزون الكافي من القمح، حيث أن احتياطاته من القمح التمويني قاربت على النضوب، كما أن احتياطات البنك المركزي من القطع الأجنبي شارفت على الانتهاء، وبالتالي لم تعد السلطة السورية قادراً على استيراد القمح، خاصةً أنه يشتريه بالدولار ثم يبيعه بالليرة السورية بوقتٍ توقف فيه الطلب على العملة المحلية، إضافةً الى العقوبات الاقتصادية المفروضة على السلطة السورية، واستيلاء ميليشيات الأسد على كميات كبيرة من الخبز على حساب المواطنين”.
واشترت السلطة السورية في الموسم الماضي 600 ألف طن فقط من القمح التمويني الذي يستخدم بإنتاج الطحين، بينما يحتاج مليون ونصف من القمح، وبالتالي خلقت تلك الكمية الضئيلة ضغطاً على السلطة السورية وأعاقت قدرته على تلبية احتياجات السكان.
وأضاف “الكريم” لموقع أنا انسان أن “فيروس كورونا كان له دور أساسي أيضاً في اشتعال أزمة الخبز، حيث عمدت الإدارة الذاتية التي تمتلك مساحات زراعية واسعة من القمح إلى إغلاق حدودها مع مناطق النظام، إضافةً إلى إغلاق الدول المجاورة (لبنان-الأردن-العراق) حدودها مع سوريا ضمن التدابير الوقائية من كورونا، وهذا حرم السلطة السورية من كميات واسعة من القمح التي كان يعتمد عليها”.
وتابع “الكريم” قائلاً: “من أسباب أزمة الخبز كذلك عدم توفر الوقود الكافي لنقل الطحين أو تشغيل الأفران، وندرة اليد العاملة بسبب الخوف من كورونا، كما أن حظر التجوال المسائي قلّص عدد ساعات عمل الأفران، وهذا ساهم في قلة كميات الخبز المتوفرة”.
وفي السياق ذاته قال المحلل الاقتصادي فراس شعبو: “بسبب فيروس كورونا جلس الأهالي في المنزل بعد فرض حظر التجوال في مناطق النظام، كما أن ندرة الغاز وارتفاع سعره في السوق السوداء، زاد استهلاك الناس للخبز، حيث باتوا يُفضلون تناول الأغذية المتوفرة في المنزل (الحواضر) والتي تعتمد بشكلٍ أساسي على الخبز، وقلّصوا وجبات الطبخ لتوفير الغاز”.
وأوضح شعبو لموقع أنا انسان أن “خوف الناس من تفشي كورونا يدفعهم إلى السعي لشراء كميات أكبر من الخبز لتخزينها في الثلاجة، حيث كانت العائلة تشتري في السابق حاجتها فقط، أما الآن باتوا يشترون كميات زائدة لتخزينها خوفاً من انقطاع تلك المادة الأساسية، وهذا ساهم في تفاقم أزمة الخبز، نتيجة زيادة الطلب وقلة المعروض، في ظل تضاؤل كميات القمح المتوفرة لدى السلطة السورية”.
وأشار شعبو إلى أن “مخزون القمح في سوريا بدأ بالنفاذ، ما يدل أن النظام فشل في تأمينه من الأسواق الروسية، حيث أن التجار يشترون القمح من روسيا بالدولار، بينما يود سلطة الأسد شرائه منهم بالليرة السورية، وهو ما يرفضه التجار في ظل تذبذب سعر الصرف، إضافةً إلى الفرق الكبير بين سعر المركزي والسوق السوداء، وهذا مؤشر أن النظام لم يعد لديه قدرة على تمويل المستوردات وتلبية احتياجات السكان الأساسية”.
إجراءات “زادت الطين بلة”!
وفرضت حكومة السلطة السورية خلال الشهر الماضي حظراً للتجوال، من الثانية عشرة ظهراً حتى السادسة صباحاً في يومي الجمعة والسبت، ومن السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً في باقي أيام الأسبوع، وذلك للوقاية من فيروس كورونا على حد زعمها.
وقال أبو عبدو من أهالي حي الجميلية بحلب: “حظر التجوال زاد الطين بلة، حيث أصبحنا ننتظر حلول الساعة السادسة صباحاً لنسارع الى التجمع في الطوابير، وفي حال التأخر عن الطابور لن تستطيع الظفر بربطة الخبز التي يبلغ سعرها 50 ليرة سورية، لذلك ستضطر لشراء الخبز من السوق السوداء والأفران الخاصة، وبسعر لا يقل عن 150 ليرة للربطة الواحدة”.
وعمدت السلطة السورية إلى توزيع الخبز عبر معتمدين وفي صالات السورية للتجارة، بالإضافة إلى إغلاق الأفران الرئيسية وتحديد ساعات عمل بعض الأفران، وذلك لمنع التجمعات عند الأفران تجنباً لانتشار اصابات الكورونا وفق زعم النظام.
وأضاف أبو عبدو أن “توزيع الخبز عبر المعتمدين لم يحل المشكلة بل فاقمها، حيث زادت التجمعات عند مراكز وصالات توزيع الخبز وحول سيارات المعتمدين، وهذا كلّه يزيد احتمالات انتشار الكورونا، كما أن أغلب المعتمدين لم يتقيدوا بالتسعيرة المحددة لهم، حيث يُفترض أن يتم بيع ربطة الخبز بـ 60 ليرة، إلا أنهم يبيعونها بـ 150-200 ليرة”.
وانتشر تسجيل مصوّر قبل أيام يُظهر قيام أحد معتمدي توزيع الخبز، بضرب بعض النساء خلال محاولتهن الحصول على الخبز في مدينة صحنايا بريف دمشق، فيما أظهر تسجيل آخر تراكض عشرات المواطنين مسرعين وراء سيارة توزيع الخبز في أحد أحياء مدينة حلب.
بينما انتشر فيديو ثالث يُظهر قيام أحد المعتمدين، بقذف الخبز على الناس وسط تجمع حشودٍ كبيرة حول السيارة التي توزّع الخبز على أهالي حي الزهور بدمشق، في مشهدٍ يُظهر تعمد حكومة الأسد إذلال الأهالي.
ومع زيادة حالات الغش والاستغلال من قبل معتمدي الخبز، أعلن محافظ ريف دمشق “علاء إبراهيم” لوسائل إعلام السلطة السورية، أنه سيتم توزيع الخبز على المواطنين في المحافظة، بحسب عدد أفراد العائلة، وذلك عبر نظام “البطاقة الذكية”.
وزعم المحافظ أن كل عائلة مكونة من من فردين إلى 3 أفراد ستحصل على ربطة واحدة، وكل عائلة مكونة من 4 إلى 7 أفراد ستحصل على ربطتين، والعائلة من8 أفراد فما فوق حصتها 3 ربطات، وحدد النظام سعر الربطة الأولى وفق نظام “البطاقة الذكية”، بـ 50 ليرة، والثانية بـ 100 ليرة.
وقال أحد أهالي جرمانا اشترط عدم ذكر اسمه: “ما زال العمل بنظام البطاقة الذكية محدوداً، وأغلب الناس ما زالوا يعانون من جشع معتمدي الخبز الذين يتقاضون أسعار مرتفعة على الربطة، إضافةً إلى أن نوعيتها رديئة للغاية، كما أن نظام البطاقة الذكية قد يُطبق في ريف دمشق فقط، بينما باقي المحافظات ما زالت تركض خلف سيارات الخبز وتتجمع أمام مراكز التوزيع، في مشاهد تدمي القلوب، إضافةً الى أن البعض يضطر لشراء ربطة الخبز من السوق السوداء بأسعار تتراوح ما بين 200-300 ليرة”.
مؤشرات تنذر بحدوث مجاعة
وتشهد مناطق النظام ارتفاعاً كبيراً في الأسعار مع تراجع سعر صرف الليرة السورية، والذي وصل الى 1300 ليرة أمام الدولار، في وقتٍ لا يتجاوز متوسط راتب الموظف 40 ألف ليرة، ما يساهم بتدهور الواقع المعيشي الذي يزداد سوءً يوماً بعد يوم.
وقال يونس الكريم: إن “الوضع في مناطق النظام يتجه الى أن يصل الى مجاعة بكل معنى الكلمة، حيث أقرت الولايات المتحدة الأميركية مطلع العام الحالي قانون سيزر، والذي يمنع أي دولة من التعامل مع الأسد، ويقطع على الأخير أي طرق غير رسمية كان يتبعها مسبقاً للتحايل على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، ما يعني أن النظام سيدخل خلال الفترة المقبلة في أزمات خانقة، وسيعجز عن تأمين الخدمات والسلع الأساسية لمواطنيه وعلى رأسها الخبز”.
وأضاف الكريم أن “حظر التجوال وتداعيات الكورونا، منعت المزارعين من زراعة أراضيهم، وهذا سيُخفض كميات القمح العام القادم، ما سيُفاقم أزمة الخبز بشكلٍ كبير يصل الى حد المجاعة كونه المادة الأساسية للشعب”.
وفي السياق ذاته، قامت الأمم المتحدة والمنظمات الانسانية، بتعليق برامج الاغاثة والمساعدات، وتسخيرها لمواجهة الكورونا، كما أن حلفاء الأسد مشغولين بمحاربة كورونا، وبالتالي فقد النظام كل المنابع التي يحصل من خلالها على دعم مادي، ما يُنذر أنه سيتدهور اقتصادياً أكثر مستقبلاً، وفق ما ذكر الكريم.
وتصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، حيث أفاد تقرير للأمم المتحدة نهاية 2019، أن 83% من السكان يعيشون في فقر مدقع، وأن 33% من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن 11.7 مليون سوري بحاجة لشكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم..