تتصاعد المعركة بين تياري أسماء الأسد، ورامي مخلوف، ملقية بظلال شديدة القتامة على الاقتصاد السوري “الهش”، تتمثل بالمزيد من انهيار سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، والتي سجلت هذا الأسبوع أرقاماً غير مسبوقة، متجاوزة بذلك العديد من الأزمات التي شهدها الاقتصاد السوري، من قبيل: آثار قانون قيصر، وفقدان السيطرة على حقول النفط والغاز لصالح الأميركان، وجائحة كورونا.
وهو ما يدلل عليه أرقام ومؤشرات الاقتصاد الكلي، التي تشير إلى زيادة الانهيار في سعر الصرف منذ بدء الصراع، الذي تجسدت آخر فصوله بتعيين حارس قضائي على شركة سيريتل، بقرار قضائي صادر عن الحكومة السورية مليء بالثغرات القانونية.
إذ أصدر مجلس الدولة في الجمهورية العربية السورية (محكمة القضاء الإداري)، يوم الخميس الماضي، قراراً بتعيين الشركة السورية للاتصالات التابعة لوزارة الاتصالات، ممثلة برئيس مجلس إدارتها، محمد مازن المحايري، حارساَ قضائياً، بعد دعوى من قبل وزير الاتصالات والتقانة إضافة لمنصبه، ضد سيريتل، “ضماناً لحقوق الخزينة العامة وحقوق المساهمين في شركة” بحسب ما ذكر البيان.
والحراسة القضائية، نوع من أنواع الرهن الحيازي، جاءت تميزاً عن الحجز الاحتياطي الذي هو رهن دون حيازة، وبالتالي فإن الحراسة القضائية: تقييد حرية الوصول إلى شيء موضع النزاع، والتصرف به، وهي عقد يعهد الطرفان بمقتضاه إلى شخص آخر، بمنقول أو عقار أو مبلغ من المال يقوم بشأنه النزاع أو يكون فيه الحق غير ثابت، فيتكفل هذا الشخص (الحارس القضائي) بحفظه، ورده مع غلته المقبوضة إلى أن يثبت الحق.
وتتمثل الثغرات القانونية في قرار تعيين الحارس القضائي في أن صدور القرار من “مجلس القضاء الإداري”، وهو قضاء غير مختص بمثل هذه الحالات، وذلك بحسب قانون مجلس الدولة رقم 55 لعام 1959 والذي ما يزال سارياً حتى اليوم.
إذ اعتمدت المحكمة على البند الذي يصف اختصاص القضاء الإداري بالمنازعات الخاصة بالعقود الإدارية، إضافة لاعتمادها على المادة رقم 10 من المرسوم التشريعي 55 لعام 1955، والتي تنص “يفصل بهيئة قضاء إداري دون غيره في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد أو بأي عقد إداري آخر”، وهو أيضاً ما لا ينطبق على سيرتيل، حيث أن العقود الإدارية، تتمثل بالعقود التي يبرمها شخص معنوي عام (وزارة) بقصد تسيير مرفق عام، فيما أن شركة سيريتل قامت ببناء مرفق لم يكن موجوداً في سوريا، كما أنها أخذت الموافقة فقط من مؤسسة الاتصالات، والتي هي شركة مساهمة مغفلة، وليست شخص معنوي .
ويوضح القانون نفسه أنه لابد وأن تظهر فيه نيته في الأخذ بأحكام القانون العام، أي القوانين الشفهية الغير كتابية والعرفية بقطاع العمل، في حين أن الناظم مع شركة سيريتل هو أحكام العقد وفق (B.O.T) -وهو نظام تشغيل/بناء، بين القطاع الخاص والحكومي، يقوم من خلاله مستثمر من القطاع الخاص بعد حصوله على الترخيص لحكومية بتشييد أو إدارة المشروع إلى مدة معينة، وبعد انتهاء المشروع والمدة المتفق عليها، ينقل المشروع بكل عناصره إلى الجهة الحكومية والدولة- إضافة إلى أحكام المادة 15 من قانون الشركات رقم 29 لعام 2011 كون طرفي العقد هما شركات مساهمة مغفلة، والتي تنص على أن “محكمة البدايات المدنية، هي المخولة بالنظر في جميع المنازعات والقضايا التجارية المتعلقة بالشركات أو فروعها”، بالتالي إن وضع شركة سيريتل أمام المحكمة الإدارية، لا يعني فقط المخالفة القانونية، بل وسيلة ستلجأ لها الحكومة لمضايقة الاستثمارات الخاصة الأخرى، وهو ما يقود إلى عرقلة خطط الاستثمار في البلاد.
وكما يوضح القانون 55 لعام 1955 لعمل القضاء الإداري، أن يتجلى القانون العام بعقد سيريتل والذي هو اتفاق عرفي شفوي تضمين شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص بينهما (شركة سيريتل ومؤسسة الاتصالات، التي أنابت الإشراف على سيريتل إلى الهيئة الناظمة للاتصالات لتنظيم العمل فقط)، كأن يتغير القانون الناظم بينهم، وهو ما لا توضحه حيثيات المراسلة بين الهيئة الناظمة للاتصالات وسيريتل، إذ إن قانون الشركات هو من يحكم العلاقة، دون أن نغفل أن نطاق عمل القضاء الإداري خلال سنوات الأسد الابن، ينحصر في: رفع إشارة استملاك، إعادة تقدير العقار، الجنسية السورية، وتجاوزات البناء، وهو ما يعني أن موضوع العقد مع سيريتل خارج نطاق القانون الإداري.
إضافة إلى ذلك، تستمر المخالفة من خلال اختصاص محكمة القضاء الإداري، في النظر بالقضايا التي يسمح فيها للمتعاقد بالاشتراك المباشر في تسير المرفق العام، وهو ما يفتح الباب للتساؤل عن إذا ما كان القضاء الإداري الحكومي، يهدف إلى صنع ثغرة قانونية من أجل أن تدير الدولة ومن خلال الحراسة القضائية قطاع الاتصالات وشركات الخليوي، ما يعني بأن القرار أشبه ما يكون إلى أنه نوع من أنواع “التأميم”، على اعتبار أن مهام المحكمة حسب المادة 55 لعام 1955، استهداف الدعوى ببطلان العقد، أو فسخه برمته.
أما الثغرة القانونية الثانية، فإنها تتمثل في أن الجهة المدعية، هي وزير الاتصالات والتقانة، إضافة لمنصبه، بحسب ما ورد في قرار مجلس الدولة، وهو ما يقصد به قانونياً وزارة الاتصالات السورية، في محاولة من الحكومة السورية لسحب القضية لتصبح من مهام محكمة القضاء الإداري قانوناً، وتالياً تعيين الوزارة نفسها الحارس القضائي عبر إحدى مؤسساتها، وهو ما يعني مخالفة لمفهوم الحراسة القضائية، في كونها عقد بين طرفي الخصام (الهيئة العامة للاتصالات والبريد، ورامي مخلوف) من جهة، وبين الحارس القضائي من جهة أخرى، والذي يشترط في أن يكون الحارس القضائي شخص وليس هيئة، حسب المادة 695 من القانون المدني.
أما الثغرة الثالثة، إن الجهة المدعية هي جهة دائنة، وليست شريكة في سيريتل، ما يعني أن حقوقها تنحصر بوضع إشارة الحجز الاحتياطي، ومن ثم حجزاً تنفيذياً لضمان حقوقها، وهو ما يجعل تعيين الحارس القضائي وفق قرار الحجز الاحتياطي رقم (1236/و) الصادر عن وزير المالية مخالفة واضحة للمادة 695.
أيضاً، تعتبر من موجبات وضع الحراسة القضائية، وجود أسباب تهدد ضياع الحق، خاصة وأن الحراسة تعني أن الأمر استعجالي وقائي، أيضاً يكمن هنا مخالفة قانونية رابعة في أن القضاء الذي ينظر بالقضايا المستعجلة، وفق المرسوم رقم 1 لعام 2016، والناظم لأصول المحاكمات المستعجلة، هو رئيس مجلس محكمة البداية.
كما ورد في القرار الصادر عن مجلس الدولة، “أنه بناء على تشكيل اللجنة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1700/2019، وجود خلل واضح بالدراسات، وفي تقدير قيمة البيانات، وغش وتدليس”، إلا أن مثل هذه الأخطاء لو صحت فإنها تقع على عاتق الحكومة السورية، كونها المسؤولة عن صيانة حقوقها، كما أنها جهة السيادة في التوقيع، وهو ما يشير أيضاً إلى أن المشكلة بدأت في العام 2019، أي قبل ظهور رامي مخلوف في التسجيلات المصورة في نيسان/أبريل الماضي.
ولعل من أبرز النقاط التي يجدر الإشارة إليها، أن قرار توقيع الاستثمار ليس قراراً رجعياً، ما يعني أن قرار محكمة القضاء الإداري الحالي، يؤسس إلى ما يعرف بـ”المرجعية القضائية”، والتي تمكن الحكومة السورية من العودة إليها في جميع العقود التي تم توقيعها وفق (B.O.T)، إضافة إلى أي عقد تعتبر الحكومة أحد أطرافه، وهو ما يهدد بيئة الاستثمار والملكية الخاصة المحمية بالدستور.
ويمكن أيضاً قياس ذلك على الاستثمارات الروسية والإيرانية، وقيام مؤسسات الحكومة في المطالبة بفسخ العقود والتعويض عنها حتى، استناداً إلى المرجعية القضائية الحالية، كما يهدد ذلك إعادة الإعمار ومستقبل السياسات المالية السورية من خلال رفع حالة الشك وعدم اليقين لدى القطاع الخاص.
كما أن حصر نطاق الحراسة القضائية لابد أن يتم بقضية مستقلة لا شأن لمحكمة القضاء الإداري أو أي محكمة أخرى بتحديده، إذ لابد أن يتم ذلك بطلب من الخصوم، في حين أن محكمة القضاء الإدارية اتخذت حصر نطاق الحراسة على شركة سيريتل فقط، علماً أن قرارات الحجز الاحتياطي طالت كل من: رامي مخلوف، وأولاده وزوجته بكامل أموالهم، وليس شركة سيريتل، إضافة إلى أسهم المساهمين الباقيين في الشركة.
أيضاً، فإن قرار الاستئناف هو أيضاً للمحكمة الإدارية، ما يعني أنها أصبحت القاضي والخصم في القضية، نظراً لكونها صاحبة قرار تعيين الحارس القضائي، وجملة الثغرات القانونية، وهو ما يعني مخالفة قانونية أخرى.
ولعل الخوف الأكبر بالنسبة لرامي مخلوف، في قضية تعيين الحارس القضائي، هو في مهام الحارس المتمثلة بمسك دفاتر وحسابات وتنظيم الدورة المستندية (الهيكلية الإدارية المالية) في سيريتل، إضافة إلى كون الحارس القضائي، وكيل الخصم (وزارة الاتصالات)، وبمعنى آخر أن الحارس القضائي أصبح شريكاً في الشركة، وأن مجلس الإدارة فيها لم يعد بإمكانه أخذ أي قرار دون العودة للحارس القضائي.
عدا عن أن الحارس القضائي قد يفضح تعاقدات سيريتل وامتدادها، مما يعني تدخل وزارة المالية السورية من جديد بأموال رامي مخلوف الباقية، وتالياً امتداد قضية الحارس القضائي إلى كل أمواله داخل وخارج سوريا.
ولو حصل ذلك، فإنه سيخيف المستثمرين وأمراء الحرب وكل من يعمل مع رامي مخلوف، الذي يهيمن على 60% من الاقتصاد السوري، ما سيقود إلى مزيد من حالات الهروب خارج سوريا، والمزيد من انخفاض الليرة السورية.