القدس العربي
لم يسهم رفع سعر الخبز المدعوم من قبل حكومة النظام السوري إلى الضعف تقريباً، في التقليل من الازدحام والحد من الطوابير أمام الأفران التي بدأت منذ نحو ثلاثة أشهر، وإنما بالعكس زادت حدة الأزمة، وامتدت الطوابير.
وبعد رفع سعر الخبز أواخر الشهر الماضي، وفي إطار الحلول غير المجدية لمواجهة الازدحام الشديد على الأفران، أجرت حكومة النظام تعديلاً على توزيع المادة، حيث سمحت للعائلة الصغيرة بالحصول على ربطتي خبز كل يومين، بسعر «البطاقة 100 ليرة سورية للربطة الواحدة على «البطاقة الذكية».
ومن الواضح لعدد من المراقبين أنه ليس بمقدور النظام حل أزمة الخبز، نظراً لتضافر العديد من الأسباب، منها نقص كميات الطحين، والمحروقات، في الوقت الذي يزداد عجز النظام عن تأمين هذه المواد، بسبب شح العملات الأجنبية في خزينته.
وحسب الباحث بالشأن الاقتصادي السوري، يونس الكريم، فإن النظام السوري عاجز تماماً عن تلبية احتياجات المواطنين من الخبز والمواد الأساسية الأخرى. وقال الباحث لـ»القدس العربي»: لا يستطيع النظام الذي يعاني من فقدان قيمة عملته أن يؤمن احتياجات الأفران من الطحين المدعوم، وذلك لأنه لم يستطع شراء كميات كافية من محصول القمح الذي يتركز إنتاجه في المناطق الخارجة عن سيطرته (قوات سوريا الديمقراطية، المعارضة السورية) وبذلك ستستمر الأزمة المأساوية إلى ما لا نهاية. وحسب الكريم، فإن امتناع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن بيع النظام القمح، أسهم مؤخراً في زيادة الأزمة التي تضرب مناطق النظام.
في الوقت ذاته، أشار الكريم إلى أن المصرف المركزي يعاني من حالة إفلاس، لا تمكنه من تغطية صفقات شراء القمح من الأسواق الخارجية، لافتاً إلى فشل أكثر من مناقصة لشراء القمح، كان النظام قد أعلن عنها خلال الفترة الأخيرة. من جانبه، رجح المفتش المالي المنشق عن النظام، منذر محمد أن يعمد النظام في سبيل البحث عن حلول لمواجهة الأزمة، إلى فتح الباب للشركات الخاصة للهيمنة على قطاع إنتاج الخبز.
وفي حديثه لـ»القدس العربي» قال: «لا يستطيع النظام تجاهل الأزمة إلى ما لا نهاية، فالأهالي في مناطق سيطرته سئموا من الوقوف على الطوابير، طوابير الخبز والغاز والبنزين والمواد التموينية، وصبرهم لن يمتد إلى ما لانهاية». ولفت محمد، إلى المشاكل التي تنجم عن الطوابير، ومنها الشجارات، والمخاطرة بزيادة تفشي فيروس كوفيد-19. وحسب المفتش المالي محمد، فإن الأزمة والمعاناة قد تمهد الطريق لدخول شركات خاصة على قطاع الخبز، وغالباً ستكون الشركات لشخصيات نافذة على علاقة وثيقة برأس النظام، بشار الأسد.
لكن الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، أكد أن النظام بدأ بخصخصة قطاع الخبز جزئياً، من خلال التعامل مع مطاحن خاصة مملوكة لأثرياء الحرب، مثل شركة «آل القاطرجي» مستدركاً بقوله: «لكن خصخصة الخبز بشكل كامل مستبعدة في الوقت الحالي، لأنها تتعارض مع نص الدستور الحالي، إلى جانب المخاطرة الشديدة التي قد تنجم عن ذلك، بسبب ارتفاع سعر الخبز إلى أرقام مرتفعة في حال تخلت الدولة عن دعم هذه المادة الأساسية» ويعني كل ذلك، من وجهة نظر الباحث أن الأزمة مستمرة إلى حين حصول تقدم في المسار السياسي. وحسب تقديرات اقتصادية، فإن النظام يحاول الاستثمار بمشاهد الطوابير، لإظهار مدى الضرر الذي تلحقه العقوبات الأمريكية والغربية بالفقراء، وذلك على أمل تخفيف وطأتها عنه.
وحسب تقديرات اقتصادية أممية، فإن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في العام الجاري بمعدل 150 في المئة، وقالت جيسيكا لوسون من «برنامج الغذاء العالمي» إن سعر السلة الغذائية التي يعتمدها بالبرنامج مرجعاً له ارتفع بنسب كبيرة في كافة أنحاء سوريا خلال عام، مشيرة إلى أن ذلك يعني أن الأسعار ارتفعت لأكثر من 14 مرة من معدل ما قبل الحرب، وهذا أعلى ما يتم تسجيله على الإطلاق، ويعني كل ذلك، أن نسبة الفقر إلى ازدياد، ما ينذر بمأساة غير مسبوقة، إلى جانب ازدياد حالات الجريمة والسطو المسلح، بهدف السرقة والنهب.