توقّع باحث اقتصادي سوريّ أن يقوم نظام الأسد بإلغاء المرسوم التشريعي القاضي بتشديد عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة السورية.
وقال الباحث “يونس كريم” في حديث مع “اقتصاد”، إن هذا الأمر متوقع لأسباب تقنية لا علاقة لها بتسيير أمور الناس، ومن هذه الأمور، صعوبة طباعة فئات جديدة أعلى من العملة السورية (٥٠٠٠ ليرة)، لأسباب مالية، إضافة إلى توقف سوق العقارات والتجارة، وتجميد الأموال لدى البنوك، والعديد من الأسباب الأخرى، كما أن الحكومة تحتاج إلى تشجيع الحوالات الفردية وعمل المنظمات غير الرسمية.
وكان نظام الأسد قد أصدر مطلع هذا العام 2020 المرسوم التشريعي رقم 3 القاضي بتشديد عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية وسواء كان ذلك بالقطع الأجنبي أم بالمعادن الثمينة.
وعبّر الكريم عن اعتقاده بأن النظام السوري مضطر للتراجع عن المرسوم المشار إليه أعلاه، إلى جانب مرسوم آخر (رقم 4 للعام 2020)، والذي منع بموجبه تحويل الأموال السورية بين المحافظات بما يتجاوز الـ 5 مليون ليرة سورية.
ونوّه الكريم إلى أن الأمر يعود إلى عدة أسباب أولها نفاذ القطع الأجنبي لدى البنك المركزي وهذا –حسب قوله- قاد إلى إشكاليات كبيرة إذ لم يعد لدى النظام احتياط نقدي يكفيه لاستيراد السلع والخدمات التي تغطي على الأقل دورة نقدية واحدة تقدر بـ 45 يوماً.
وتابع الباحث المتخصص بالشأن الاقتصادي، أن النظام عندما يستورد سلعاً الآن يضطر السوق للانتظار حتى يحصل البنك المركزي على الأموال التي ضخها في السوق لذلك نلاحظ حالة فقدان دائم للسلع في السوق.
والنقطة الثانية –بحسب الكريم- أن البنك المركزي لم يعد يملك حتى النقد السوري لكي يدفع ما يترتب عليه فالموازنة القادمة 8500 مليار ليرة سورية وهي تقارب المتوفر من العملة النقدية المطبوعة وبالتالي يمكن الاعتماد على هذه الأموال في تمويل عمليات الحكومة الاستثمارية والإنفاقية، لكن 70% من هذه الأموال هي خارج تحكم الحكومة والمنظومة المصرفية، لذلك تلجأ الحكومة إلى الاستدانة الداخلية من خلال أذونات الخزينة أو إيداعات البنوك التقليدية، لكن ذلك غير كافي لتوفير السيولة النقدية التي تحتاجها الحكومة الأمر الذي يجعلها مضطرة لطباعة أوراق نقدية جديدة، وهنا تظهر أمامها مشكلة أخرى، إذ أن طباعة ورقة نقدية واحدة، من فئة 1000 ليرة مثلاً، أو من فئة جديدة أعلى (5000 ليرة مثلاً)، تُكلّف ما بين 35 إلى 50 سنت أمريكي، وهي تكلفة عالية نظراً لأن المطابع الدولية ترفض طباعة العملة السورية، نتيجة العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على نظام الأسد.
واستدرك الكريم أن التضخم يلتهم القيمة، وبالتالي فالنظام مضطر لطباعة فئات كبيرة من العملة السورية (المطروح طبع فئة جديدة بقيمة 5000 ليرة)، وهذا الأمر يحتاج إلى كليشيهات جديدة وهي تكلفة زائدة علاوة على أن العملات تحتاج إلى مستوى أمان مقبول.
ولفت المصدر إلى أن القرار بمنع التعامل بالدولار كان قراراً خاطئاً اتُخذ في فترة من الفترات لمحاربة “رامي مخلوف” وإغلاق شركات الصرافة التابعة له، ولكن الاستمرار في فرض هذا القرار جعل الاقتصاد يأكل نفسه، وفي ذات الوقت يتم تهريب الأموال خارج البلاد وإتباع أساليب غير مباشرة في إدخال العملات، أضف إلى ذلك أن الحوالات المالية توقفت بسبب هذا المرسوم إلى جانب العقوبات الأمريكية.
وبدوره، قال “خالد التركاوي” الباحث المشارك في عدد من المراكز والمؤسسات البحثية، في حديث لـ “اقتصاد”، إن قرار تجريم التعامل بالدولار ليس بجديد ولكن تم التأكيد عليه وتشديد العقوبات من خلال المرسوم رقم 3 مطلع العام الحالي، وحرم النظام في قراره هذا المواطنين من قدرتهم على التعامل بالدولار، كما حرم السوق السورية من تدفق عملات أجنبية، خاصة من جهة المغتربين الذين يحولون بالدولار لأقربائهم في الداخل.
وأردف محدثنا أن هذا القرار المجحف جعل التعاملات تأخذ منحى آخر، فمثلاً إذا أراد شخص من الخارج أن يرسل مبلغاً لشخص آخر في الداخل، يسلّم المرسل المبلغ بالدولار أو اليورو، لكن المُستلم في سوريا يستلمه بالليرة السورية، بمعنى أن الحوالات لم تعد تذهب إلى الداخل السوري، بالدولار أو اليورو، مما حرم البلاد من كميات من القطع الأجنبي تعرف عادة في الاقتصاد بتحويلات العاملين في الخارج، وتدخل في حسابات الدخل القومي.
وعبّر التركاوي عن اعتقاده بأنه لن يصدر أي قرار يلغي المرسوم القديم ولكن سيتم إصدار تعليمات شفهية من قبل المركزي والأفرع الأمنية بتخفيف الرقابة، مما سيسمح للمكاتب باستقبال الحوالات.