لسنوات طويلة ظل القطاع المصرفي في #سوريا مقتصراً على #البنوك العامة المملوكة للحكومة، لكن هذا الحال تغير بعد صدور #القانون رقم 28 عام 2001، والذي سمح بتأسيس البنوك الخاصة في سوريا.
وبقيت البنوك الخاصة تمارس نشاطها داخل سوريا، رغم #الحرب الدائرة منذ عام 2011، لكن بالحد الأدنى من التعاملات #المالية، غير أن التطورات الأخيرة لاسيما إدراج “مصرف سوريا المركزي” على قائمة العقوبات #الأمريكية بموجب قانون “#قيصر”.
وأدت تلك التطورات، بحسب محللين، إلى تنامي الخوف لدى المصارف من أن تشملها العقوبات مستقبلاً، بخاصة أن هناك تعاملات مالية مع المصرف المركزي.
14 مصرفاً خاصاً وأرباح لا تتجاوز 5 مليون دولار!
ويعمل في سوريا 14 مصرفاً خاصاً، بينها 3 بنوك إسلامية، وبلغت إجمالي موجودات هذه البنوك مع نهاية عام 2019 نحو 2500 مليار #ليرة سورية.
وبحسب موقع “B2B” الاقتصادي، فإن «هذه الأموال لاتوجد داخل البنوك، بل جزء منها احتياطيات وأرصدة مودعة في البنك المركزي السوري بمبلغ 775 مليار ليرة سورية، وبعضها الآخر موجود خارج سوريا، ويُوظّف في مصارف وأسواق خارجية بمبلغ وصل 750 مليار ليرة تقريباً».
وفيما يخص الودائع المالية في البنوك الخاصة، بلغت بنهاية عام 2019 نحو 1464 مليار ليرة، وتشمل قسمين الأول ودائع الزبائن، وودائع المصارف لدى بعضها البعض.
ووفقاً لتقرير “هيئة الأوراق المالية” التابعة للحكومة السورية، فإن الودائع في المصارف الخاصة منخفضة بشكل كبير إذا ما تم مقارنتها بالبنوك العامة، فالمصرف #التجاري السوري يبلغ حجم ودائعه نحو 1620 مليار ليرة سورية، أي ما يفوق الودائع الموجودة في 14 مصرفاً خاصاً.
أما فيما يخص أرباح البنوك الخاصة، فقد تجاوز 630 مليار ليرة سورية، وتتضمن أرباح غير محققة وغير قابلة توزيع، ناتجة عن ارتفاع سعر صرف القطع الأجنبي.
وعن هذه الأرباح أشار موقع (الاقتصادي) المحلي إلى أن «الربح الصافي للمصارف الـ14 لا يتجاوز 16 مليار ليرة سورية، خلال النصف الأول من العام 2020، وباقي الأرباح البالغة 614 مليار ليرة ناتجة عن ارتفاع سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات #الأجنبية».
وإذا حسبنا هذه الأرباح، بسعر صرف الدولار في سوريا فإنها الـ16 مليار ليرة لاتتجاوز قيمتها 5.5 مليون دولار (الليرة السورية تساوي 2890 مقابل الدولار الواحد).
العقوبات “كبحت جماح” البنوك الخاصة
في تقرير نشره مركز “كارتر” للأبحاث، تحت عنوان “العواقب غير المنتظرة للتدابير أحادية الجانب المفروضة على الاقتصاد السوري وشركاته الصغيرة والمتوسطة”، أكد التقرير أن «تطبيق العقوبات الأميركية والأوروبية منذ 2011 وصولاً إلى قانون قيصر، أدى إلى آثار متعددة على الاقتصاد السوري، إذ تعطلت آليات عمل القطاعات الحيوية وأبرزها المصارف، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والزراعة».
وأضاف التقرير الذي أعده رئيس منتدى الاقتصاديين العرب “سمير العيطة” أن «العقوبات أدت إلى كبح نمو المصارف الخاصة، حتى قبل تصنيف هذه المصارف في قائمة العقوبات، فجميعها مرتبطة بمصارف لبنانية وأردنية خسرت علاقتها مع المصارف الغربية بسبب الامتثال وتجنب المخاطر».
واعتبر العيطة في تقريره أنّ «المصارف الخليجية الإسلامية والتقليدية سيطرت على القطاع المصرفي في سوريا».
وأعلن بنك “عودة- لبنان” الشهر الماضي، وفور صدور حزمة عقوبات جديدة على “مصرف سوريا المركزي” بموجب قانون “قيصر”،عن بيع حصته في بنك “عودة- سوريا”، والخروج من #السوق عبر التفاوض مع بنك “بيمو السعودي الفرنسي” لشراء حصته، حيث تم تغيير اسم البنك ليصبح “بنك الائتمان الآهلي”.
إلا أن خبراء في الاقتصاد ربطوا بين عملية الانسحاب للبنك اللبناني من سوريا، والأزمة المالية في لبنان، لا سيما أن غالبية المصارف اللبنانية انسحبت من السوق العراقية قبل فترة.
في السياق، أشار تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” في 10 كانون الأول – ديسمبر الماضي، إلى أن هناك “مشروع قانون” تدرسه واشنطن يشدد العقوبات على السلطات السورية وداعميها، من بينها مجموعة من المؤسسات والمصارف المالية المرتبطة بالسلطات السورية، وعائلة الأسد في سوريا ولبنان.
وتشمل العقوبات في مشروع القانون كلاً من: بنك “البركة”، بنك “عودة”، البنك “الدولي للتجارة والتمويل”، بنك “سوريا والمهجر”، وبنك “بيبلوس”، و”المصرف العقاري”، وبنك “بيمو السعودي- الفرنسي”، والبنك “العربي”، وبنك “قطر الوطني”، و“فرنسبنك”.
البنوك الخاصة تحت سلطة “أمراء الحرب”
أكد الباحث الاقتصادي “يونس الكريم” أنه منذ العام 2003 بدأت البنوك الخاصة الدولية بالدخول إلى السوق السورية، لكن بعد العام 2001 ورغم أن هذه البنوك لم تُعلّق عملها أو أنشطتها داخل سوريا، إلا أنها تخوفت من مسألة العقوبات، فقامت ببيع جزء كبير من أسهمها إلى رجال أعمال سوريين (أثرياء الحرب)، كما هو الحال في بنك البركة، حيث تمتلك الشركة الأم بنك (دلة البركة السعودية) نسبة أقل من نصف الأسهم، والباقي يملكه رجال أعمال سوريين مرتبطين بالنظام.
وأضاف الكريم في حديث لموقع (الحل نت) أن هناك قاعدة اقتصادية تقول «في البلاد التي تراق فيها الدماء استثمر»، ولذلك بقيت البنوك الخاصة تعمل داخل سوريا رغم الحرب، وقامت بإنشاء شركات محلية تحمل نفس اسم البنك، مثل بنك “بيمو”، حيث تم إنشاء شركة مساهمة مغفلة وهي تدير البنك.
وأوضح الباحث الاقتصادي أن «البنوك تحاول البقاء داخل سوريا والانتظار لفتح أبواب الاستثمار وإعادة الإعمار، فالنظام المالي العالمي يعتمد في إرسال وتحويل الأموال إلى البنوك، ومرحلة إعادة الإعمار تحتاج إلى بنية مصرفية في سوريا، لذلك لا يمكن البدء بمرحلة إعادة الإعمار دون مصارف قادرة على إدارة السيولة، فالبنوك الخاصة لديها خبرة ومعلومات عن البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل سوريا».
وكشف الكريم عن السبب وراء عدم إفلاس البنوك أو إغلاقها وقال: «يعود هذا الأمر إلى البنية التشريعية في سوريا، حيث يوجد قسم كبير من الاحتياطات المالية لهذه البنوك الخاصة بحوزة البنك المركزي، وفي حال تعثر أي بنك، يقوم المصرف المركزي بسداد الالتزامات من خلال الأموال المودعة لديه».
وأشار الكريم إلى أن «السبب الآخر في عدم إغلاق البنوك الخاصة أو إفلاسها يعود إلى سيطرة رجال الأعمال الجدد على أسهم هذه البنوك، حيث نلاحظ أن مجمل أرباح هذه البنوك يأتي من القطاع البنيوي، حيث يسمح للمصارف بالإبقاء على قسم كبير من أموالها بالعملات الأجنبية، وبالتالي أي انخفاض في سعر صرف الليرة السورية سينعكس بشكل إيجابي على تلك البنوك».
البنوك العامة: فائض سيولة وعقوبات قديمة
إلى جانب البنوك الخاصة يعمل في سوريا، 6 مصارف حكومية وهي “المصرف التجاري السوري”، و”المصرف الزراعي التعاوني”، و”المصرف الصناعي”، و”المصرف العقاري”، و”مصرف التوفير”، و”مصرف التسليف الشعبي”.
وتعاني البنوك العامة في سوريا من فائض في السيولة (المبلغ القابل للإقراض)، حيث تجاوز 1,700 مليار ليرة (1.7 تريليون ليرة)، وفقاً لما صرح به نائب حاكم المصرف المركزي “محمد حمرة” في 18 أيلول 2019.
وتوقفت المصارف العامة في سوريا عن منح القروض، بعد عام 2011، بسبب ارتفاع مخاطر السداد، وعاودت البنوك لمنح القروض مرة أخرى عام 2019، لكنها مقتصرة على العسكريين وموظفي القطاع العام كما هو الحال في “المصرف العقاري السوري”، و”المصرف التجاري السوري”، حيث يمنحان قروضاً للإكساء، وشراء للعقارات بسقف 10 مليون ليرة سورية، وبشروط تعجيزية.
لم تكن المصارف العامة في سوريا بعيدة عن مرمى العقوبات الغربية، فمع انطلاق الاحتجاجات في سوريا، أصدر الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” في نيسان 2011 أمراً تنفيذاً بفرض عقوبات جديدة على السلطات السورية، شملت “المصرف التجاري السوري”، كما جمدت الأصول المملوكة لـ “المصرف العقاري السوري” في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتهم “المصرف التجاري السوري” بتمويل عمليات شراء أسلحة “غير تقليدية”، والتعامل مع مصرف في كوريا الشمالية، متورط في عمليات تصدير أسلحة باليستية.
كما اتهمت الخزانة الأمريكية “المصرف التجاري السوري” الذي يملك حوالى خمسين فرعاً بتمويل مركزأبحاث في دمشق “يراقب منشآت إنتاج صواريخ سورية، ويشرف على المنشآت المخصصة لتطوير الأسلحة غير التقليدية السورية”.