يونس الكريم
فشلت الحكومة السورية بتأمين القمح الذي انعكس على الدقيق التمويني وعلى الصناعات الغذائية التي تعتمد على القمح، وهذا يعود الى أسباب كثيرة، يأتي أهمها الحرب التي أنهت على الاستقرار الذي تحتاجه زراعة القمح.
كذلك هناك العسكرة التي أفرزت العقود الاقتصادية التي تمت مع الجانب الإيراني و ساهمت بالسيطرة على مساحات هامة مخصصة لزراعة الحبوب، أو الروس الذين سيطروا على المطاحن( أول خطوات التصنيع من القمح) والفوسفات الضروري للأسمدة الزراعية.
وتبرز أيضاً أزمة المحروقات والمياه، فمع موجة الجفاف التي تضرب سوريا فضلا عن طبيعة طقسها الجاف، فقد زاد الاعتماد على الآبار بالسقاية ما يتطلب كهرباء أي وقود وهو أمر مكلف في حال توفره حيث تشكل الأراضي المروية 0.73 مليون هكتار من أصل 1.68 مليون هكتار مزروع أي ما نسبته 43 بالمئة وباقي النسبة 0.96 مليون هكتار بعلية أي 57 بالمئة وقد انخفضت نسب الأمطار هذا الموسم بمقدار 43 بالمئة، ويشكل ما نسبته 70 بالمئة من إنتاج القمح من الأراضي المروية، كما أن مشكلة عدم استقرار منسوب مياه الفرات واستخدامه كورقة ضغط عسكرية بين الأطراف المتصارعة بالملف السوري يزيد وضع الزراعة سوءاً.
ولا يقل شأناً في تأثيره، فسعر صرف الليرة السورية، الذي انعكس بعدة أوجه سواء في المحرقات، البذار، العمال، صيانة الحصادات ( تم صيانة فقط 25 بالمئة منها بسبب عدم توفر الدولار)، النقل. في حين فإن تسعير الشراء منه كانت تتم بالسوري وبسعر لا يغطي التكاليف ومخاطر المحصول، مما يدفع بالمزارع إلى زراعة الأرض بالخضروات بعد الحصاد حتى يقترب موعد موسم زراعة الحبوب، وهذا الأمر يعني المزيد والمزيد من الأسمدة والكيماويات التي تحرق التربة وتجعل انتاجها ضعيف، عدا عن سياسات الانكماشية حول تمويل القروض الزراعية للمزارعين التي انتهجها البنك المركزي لضبط سعر الصرف، والتي كان لها دورا سلبيا على زراعة القمح من حيث القدرة على تمويل مستلزمات زراعة القمح .
كذلك فإن للحرائق كان تأثيراً واضحاً على إنتاج القمح، فبعد كل حريق تتهتك التربة و تحتاج إلى أكثر من عامين راحة وإصلاح، مما يجعل الزراعة مع طريقة تصريف المحصول غير مجدية. دون أن ننسى أيضا أن التصرف بالمخزون الاحتياطي من قبل النظام للحصول على القطع الأجنبي (أول استيراد كان بـ 2012 بسبب بيع المخزن الاحتياطي إلى مصر والأردن) وسرقة ايكاردا التي تحتوي على السلالات القمحية القوية واستيراد البذور الضعيفة من روسيا.
كل هذا يقود إلى السؤال، هل يستطيع النظام تنفيذ العقد مع روسيا لاستيراد مليون طن من القمح؟
بدأ النظام الاعتماد على الاستيراد القمح الروسي بشكل رئيسي منذ عام 2016 حيث استورد مليون طن، لكن مع مرور الوقت انخفضت قدرته على على الاستيراد مع انخفاض بالانتاج حيث وصل عام 2017 إلى 1.850 مليون طن حسب نشرة المكتب المركزي للإحصاء 2018، وفي العام ذاته تم استيراد 600 ألف طن من القمح من روسيا باهمال شراء من مناطق شمال سورية ( مناطق قسد) حيث لم يتجاوز الإنتاج 1.2 مليون طن حسب “الفاو” (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة)، في حين قد ارتفع إنتاج القمح في عام 2019 إلى 2.2 مليون طن نتيجة التوسع بزراعة القمح.
رغم ذلك استورد النظام 1.2 مليون طن أي ما مقداره 50 بالمئة عن العام السابق رغم ارتفاع مساحة الأراضي المزروعة ب 33 بالمئة، وهو ما يدل على فقدان سيطرة النظام للوصول إلى المواسم المحلية بخاصة وأن تلك المناطق تقع بمناطق الإدارة الذاتية و المعارضة.
استمر تحسن إنتاج القمح عام 2020 ليصل إلى 2.6 مليون طن، إلا أن التنافس بين الإدارة الذاتية و النظام لشراء القمح كورقة ضغط سياسية؛ دفعت النظام إلى إدخال مخصصات الخبز بالبطاقة الذكية لتقنينها ورفع سعره الخبز 100 بالمئة، بعد أن استطاعت فقط شراء 700 ألف طن من القمح واستيراد 675 ألف طن واعتذرت شركات روسية عن توريد 450 ألف طن من القمح، وهي كمية أقل مما استوردته العام السابق مما انعكس بشكل طوابير على الأفران.
كما أن القمح المستورد دخل كأحد محددات سعر صرف الدولار حيث اضطر النظام إلى الاعتماد على القطاع الخاص للاستيراد القمح نتيجة عدم توفر الدولار لديه، رغم ذلك فشل القطاع الخاص أيضا.
وهو ما دفع الحكومة السورية لإطلاق سباق لشراء محصول القمح من الفلاحين خلال الموسم الحالي 2021، برفع سعر الشراء القمح مع محاولات شديدة لضبط سعر الصرف و تثبيته مما يجعل البيع للنظام مغرياً، بخاصة أن تجار الادارة الذاتية يتعاملون مع المحصول من مبدأ الربح والخسارة بعيدا عن الورقة السياسية التي ترغب بتحصيلها الإدارة الذاتية.
أعلن النظام توقيع عقود مع روسيا، رغم أنها فرضت ضرائب على بيع القمح بمقدار 60.68 دولار للطن، وهو ما يشير إلى أن النظام لن يعتمد كثيرا على شراء القمح من مناطق الإدارة الذاتية، التي فشل بالسابق بالحصول على إنتاجها.
كل المؤشرات تدل على أن هذه السنة سوف تزداد أعباء النظام بالقدرة على توفير الخبز لمواطنيه، و أن تحرير سعره ستكون أحد الحلول المتوفرة إلى جانب انتظار منح مؤتمر بروكسل والحوالات الخارجية لمواطنيه، وهذا الأمر إنما يشير إلى أحد ثلاث سيناريوهات:
1-إجراء يسمح بإعادة عسكرة المواطنين واعادة انتشار ميليشياتهم وهو ما تشير إليه كثير من الوثائق المسربة من النظام.
2-إجراء صفقة سياسية مع الإدارة الذاتية لصالح الحصول على القمح والمحروقات وهو أمر سوف يصعد العداء مع الجارة التركية و يقود البلاد الى عودة العمل المسلح والاضطرابات الأمنية.
3-تحرير الأسعار واستجداء المنظمات الأممية والحلفاء العرب للمساعدة، والمزيد من الصراع بين أجنحة النظام للاستيلاء على أموال هذا الفريق او ذاك لتمويل الشراء القمح وشراء الولاء.