بدأت دول كثيرة وبالتحديد في امريكا اللاتينية تسير نحو تشريع البيتكوين كعملة وطنية لها الى جانب عملاتها الفزيائية المتداولة ” كالدولار” ، ليقز الى امرء تسائل :
لماذا حكومات تشرع البيتكوين وحكومات أخرى تمنعه ، وما الغاية ؟
بشكل مختصر ، يعتمد الأمر على شكل النظام الأقتصادي بالدولة ، من جهة ، ونظرتها للمستقبل ، من جهة أخرى .
فامريكا اللاتينية كانت مسرح لانطلاق الراسمالية الجديدة ( ملتون ) حيث الشركات الأمريكية الكبيرة هي التي تدير اقتصادها ، و مختبرها الاقتصادي للتطبيق سياساتها الاقتصادية المستقبلية تمهيدًا لنشرها بالعالم ، وهي تعتمد في نمو حجمها على ثراء الدول اللاتينية بالمواد الاولية والقدرات الكامنة التي تحاول استغلالها بكل الطرق .
يبدو ان الدين الامريكي العالمي و التصادم الصيني-الامريكي إضافة الى التملم الاوربي والعالمي من الكيفية التي تدير بها أمريكا اقتصاد العالمي ، بدات امريكا بالتحول الى اقتصاد الرقمي الكامل لتجاوز الثغرات باقتصاد النيو الراسمالية وتجاوز تلك الاشكالات ، فبدأت بدعم التعامل بالبيتكوين، وهذا الامر بدا من خلال السماح بالبداية لبنوكها بالتداول البيتكوين ثم تداوله بالبورصة لعلها تستطيع امتصاص التيسير الكمي الذي زاد وتيرته بسبب جائحة الكورونا وتخفيض العجز بالمدونيتها التي تؤثر على اقتصاديات العالم ، وتمهيداً لبزوخ النظام الاقتصادي الجديد بدل نيو راسمالية الذي تعمل عليه منذ ازمة الفقاعة العقارية 2008 ، وفي سبيل دعم انتشار التعامل بها كعملة وانتقال به من مرحلة المضاربة واللهاث خلف احلام الثراء التي بدات تختفي مع انقشاع ركام الحجر الصحي من وباء كورونا واتجاه الصغار المستثمرين لبيع اصولهم من العملات الرقمية وتحويلها الى عملات فزيائية لدعم الاستثمارات ، سارعت الشركات الكبيرة رغم كل التباين بالمواقف من العملات الرقمية على مبدأ ترويض الفيلة بافريقيا ، الى دفع مختبراتها اللاتينية الى اعلان البيتكوين باتت عملة متداولة ووطنية لها !، ما يمثل نقلة نوعية للعملات الرقمية بتحولها من من اصل ادخاري الى عملة متداولة !، ولمنع اي مقاومة لهذه الخطوة سوقت فكرة خطاب المقاوم لهيمنتها الاقتصادية بأتخذ من البيتكوين اداة لها ضد الدولار ، والذي يقوم بتحويل الدولار الى البيتكوين سواء مباشرة او من خلال الحصول على مستلزمات التعدين ، ولما يترك الامر يخرج عن سيطرتها بل انها سمحت بانشاء اكبر منصة لتداول البيتكوين لتمكن من مراقبة هذه العملة وتوجيها ، فقد أعلنت كثير من الدول اللاتينية التعامل بالبيتكوين مثل البرازيل و السلفادور …الخ ، ورغم عدالة مطالب الدول اللاتينية من استخدام البيتكوين لايجاد حلول سريعة لمعدل التضخم الذي ارتفع وتيرته مع الاغلاقات العالمية بسبب كورونا و الصدام الامريكي الصيني. والتوسع النقدي الامريكي، والعجز بموازناتها ، لكن هذ القرار ليس الحل لاسباب تقنية كثيرة وبنيوية، فمثلا السلفادور ٦ من اصل سبعة هم خارج اي تعامل بنكي و٣٤% معدل الفقر ١٣% فقر مدقع ، اي ان عملة البيتكوين التي اتخذ القرار بجعلها للتداول ستبقى اصل اسمي كفئة ١٠٠ الف دولار التي اوقف انتاجها وكانت رمزية لم يتم تعامل بها لانها لم تناسب شروط التداول والتسعير.
اعلان البيتكوين عملة متداولة ووطنية يمثل نقلة نوعية للعملات الرقمية بتحولها من من اصل ادخاري الى عملة متداولة !
وربما يتسائل البعض هل البيتكوين يملك القدرة على حل مشكلة التضخم ؟
الجواب ، لا احد يعلم على وجه الدقة ، والسبب يرجع الى عوامل منها :
١_ تكوين البيتكوين اصل ادخاري وليس عملة قابل للتداول شأنه شأن الذهب ( الندرة ).
٢_ عدده محدود بالعالم ” ٢١ مليون وحدة من البيتكوين” ، مما سيقود هو نفسه الى التضخم ، وتذكروا قاعدة الذهب ، عندما لم تعد يغطي انتاجه الاحتياج العالمي توقف عن كونه اداة لتقيم العملة ، وهذا الامر يمكن اسقاطه على البيتكوين الذي ايضاً يسميه الخبراء بالذهب الرقمي! ، وبالتالي البيتكوين هو نقلة على رقعة شطرنج التحول النظام الاقتصادي رقمي ليس اكثر.
٣_ تعتبر العملات الرقمية و البيتكوين على وجه الخصوص بانها عملة هشة ، اي متذبذبة بشكل حاد، وهذا لا يناسب نظام تسعير السلع ، ولهذا السبب اي التذبذب سوف يبقى البيتكوين مقيمة بالعملة الفزيائية ، ولا يضاح أكثر ، ان البيتكوين لم يملك بعد نظام تسعير خاص به تناسب عملية التقايض ( العمل _ الكلفة ) حتى الربح فيه يقيم بعملة فزيائية ، اي لم يُعتمد بالعملات المشفرة عموما والبيتكوين خصوصا الية التي تحدد كيفية اعتبارها وحدة حساب بعيد عن العملات الفزيائية او اسس كوسيلة مقايضة .
٤_ يملك 2-4% من حملة البيتكوين ما يقارب 95% من الح الاجمالي للبيتكوين، اي ان استخدام اي دولة للبيتكوين ، فانها تعني بيع اصول الدول التي تستخدمها كعملة وطنية الى للملاك ال 2-4% للبيتكوبن، ويقود استخدام البيتكوين كعملة الى اندماج شركات العملاقة مع بعضها البعض لستحواذ على تلك الاصول مما يمهد لولادة عصر الشركات الاكبر من الدول …
ان استخدام اي دولة للبيتكوين ، فانها تعني بيع اصول الدول التي تستخدمها كعملة وطنية الى للملاك ال 2-4% للبيتكوبن
اذا ابتعدنا عن حل مشكلة التضخم ، ماذا يحدث لاقتصاد الدولة التي تستخدم البيتكوين ؟
انطلاقا من السلفادور فانها اقرت مبدئيا رغبتها بتشريع البيتكوين الى جانب الدولار ، وهنا قاعدة نقدية تقول العملة القوية تطرد العملة الضعيفة ، والبيتكوين لا مركزي يتميز بالقوة عن الدولار سواء بالقيمة الشرائية او الجاذبية النفسية بسبب الحملة العالمية لتسويق العملات الرقمية وعلى رأسها البيتكوين والقضايا السياسية ، وبالتالي الناس سوف تحاول اقتناء البيتكوين ، مما يعني رفع قيمتها وتذبذب الاسعار ، اضافة الى ارتفاع استهلاك الكهرباءعلى حساب اقتصادها الحقيقي ، إن الطاقة المستهلكة أثناء تعدين بيتكوين ارتفعت 66 مرة عند المقارنة بالوضع دون تعدين ، والمؤكدة أن استهلاك البيتكوين للطاقة سيزداد كلما ارتفعت قيمتها وقل عدد الباقي للتعدين وهو ما سوف يشكل ضغط على الحياة الاقتصادية فترتفع اسعار حوامل الطاقة وترتفع تكاليف الحياة بدل ان يكون هناك نشاط حيث يصبر الاستيراد هو شريان الحياة اضافة ان التعدين يرفع التلوث البيئي والذي يقدر كل مليار دولار من البيتكوين عند السعر الحالي يعادل تلوث ١.٢ مليون سيارة وماله تاثير على الصحة حتى التعليم سيقود الى تغير باهتمام الافراد و خطط الدولة المستقبلية .
أن الحصول على البيتكوين بالتعدين او عند التسعير أو شرائه من منصات التداول به التي ستغدو هي البنوك المركزية للبيتكوين والعملات الرقمية ، امر تعجز عنه الشركات الصغيرة لتلتهمها الشركات الكبيرة مالكة البيتكوين وتذوب بها كقطعة بسكويت بكوب شاي ساخن.
منصات التداول ستغدو هي البنوك المركزية للبيتكوين والعملات الرقمية
ان نجيب بوكيلة رئيس السلفادور الذي يطمح لدعم مواطنينه كما ذكر بخطابه ، كان اولى به اعادة تقيم عقود الاستثمار ثروات بلده مع الشركات المتعددة الجنسية و تحسين شروط العقود ، ومن ثم التفكير بكيفية استغلال ما تبقى من ثروات البلد باعادة انتاج نواة اقتصادية لتحريره من الهيمنة الامريكية.