الجزء الاول
مع اقتراب مرحلة الحل السياسي التي تعلن نهاية الحرب في سورية، تظهر كثير من القضايا الهامة حول اليوم التالي من نهاية الحرب، حول الشكل السياسي المراد تطبيقه، النظام الإقتصادي، العقد الاجتماعي، ألية إعادة الاعمار وطرق التمويل والكثير من القضايا التي تعتبر كل منها حجر زاوية في بناء مستقبل الدولة السورية.
ولأجل الجلوس على طاولة الحل النهائي والمشاركة السياسية في اليوم التالي تترد تعابير من إعادة الإعمار و الإعمار و التنمية كثيراً بخطابات الاطراف المتصارعة وحلفائهم على اعتبار أنها الأدوات التي سوف يتحرك بها السياسيين لتنفيذ رؤاهم السياسية ، لذا لابد من إيضاح الفرق بين مفهوم كل من إعادة الإعمار، الإعمار، والتنمية.
إعادة الإعمار تعني عودة الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء والعناية الصحية ضمن الحد الأدنى والمقبول إنسانيًا، بينما الإعمار فيتجاوزها الى إعمار ما تهدم من ألة الحرب إما تطوير المنطقة بالشكل المأمول فهذه هي التنمية.
تستغرق مرحلة إعادة الإعمار المرحلة الانتقالية التي تدار من قبل حكومة تكنوقراط إذا أردنا نجاحها، لتتشكل بعدها حكومة وطنية، تكون من مهامها وضع دستور جديد أهم مفرزاته قانون حاكم للعلاقات بين الناس لتبدأ مرحلة الاعمار بعد تحديد شكل النظام الاقتصادي للبلاد الذي على أثره سوف تتحد كيفة التي ستتم بها الإعمار.
ولان إعادة إعمار سورية هي البداية، بالتالي من يحددها سيحدد ما تليها من قضايا ومسائل مهمة صغرت وكبرت إلى درجة تحديد النظام وشكله الذي سوف يسير بمرحلة الإعمار إلى مرحلة التنمية، لذا الصراع حول هذه البداية هي أحد أسباب استمرار الماساة السورية فالآن تدور في الأورقة السياسية للنظام اتجاهين للتمويل اعادة الاعمار :
- الحرس القديم ” جزء من النظام ” يدعوا للاعتماد على دول بريكس والمناهضة للغرب والمنح العربية والقوى الاقتصادية الداخلية لإعادة الإعمار، إلا أنه يؤخذ عليها انها وخلال أربعة عقود أغرقت البلاد بالفساد والمحسوبيات، وهذا الجناح حاول الطعن بالتقارير التي تصدر من المؤسسات الليبرالية مشككين بارقامها مثل بأرقام الاسكوا ونواياها ؟!!! ، فعلى سبيل المثال رسلان خضور عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق يرى أن ثمة مبالغة في أرقام تقرير الاسكوا التي تشير إلى تضرر حوالى 50% من المساكن جراء الحرب؟!!، وسقوط حوالى 90% من السكّان دون خط الفقر، مبدياً توجسه من “خريطة الطريق للاسكوا ذات البعد “السياسي _ الأمني” ذلك التصريح كان عام 2014 اي ان ما يحدث الآن تم التخطيط له من قبل التيار الليبرالي المعولم .
- الأتجاه الاخر نحو اقتصاد الراسمالية المعولمة (الليبرالية المعولمة) بكل ما تعنيه من كلمة حيث يحاول الاعتماد على الشركات الكبيرة للتمويل والقروض الدولية ولو كان على حساب التنازل عن مؤسسات الدولة ودورها لصالح المواطنين، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال رفع الدعم وخصخة مؤسسات الدولة ، ونستذكر قول لعبد الله الدردري المحسوب على هذا التيار ”لم يعد بالإمكان تمويل العجز بالمدخرات الداخلية، ولا بد من المنح أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو الديون الخارجية من أجل الاستمرار بتمويل عجز الموازنة” فالدردري يدافع عن هذا الجناح من خلال التقارير التي تنشرها “الإسكوا” منها “ النزاع في الجمهورية العربية السورية: تداعيات على الاقتصاد الكلي وعقبات في طريق الأهداف الإنمائية للألفية” ، وخطورة هذا الاتجاه يحاول ان يحجز لنفسه دور من خلال شرعنة أمواله التي حصل عليها بشكل غير شرعي، بجعل نفسه محطة الربط بين مؤسسات الدولة وتلك الجهات من خلال اصدار القوانين و التشريعات لصالحه.
وبين التيارين هناك الحقيقة ، ان إعادة الاعمار والاعمار لا يمكن تمويله من مصدر واحد بل من خلال رافعة مالية تجمع بين التمويل الداخلي والخارجي اي جمع بين التيارين ، وخاصة أن الاستداتة من الدول اسهل من المؤسسات والمنظمات من حيث شروط المنح وخدمة الدين لكنها لاتمول كل مناحي التي تحتاج إليها إعادة الإعمار و الإعمار، وان دفع الإقتصاد نحو اي من التيارين دون الأخر هو افشال أي خطط لاعادة الاعمار سينشر الفوضى.
أيا كانت أداة التمويل لابد أن نركز في مرحلة إعادة الاعمار والإعمار على البنية التحتية والقطاعات الأكثر أهمية المولدة للدفعات المالية، والا دخلنا في متاحة المديونية والعجز والفسادالفوضى.
تأتي اهمية طريقة اعادة لاعمار، من كون الطريقة التي ستعتمد بالتمويل ستحدد انتصار او لنقل نجاح رؤية هذا التيار بالنظام وبالتالي يحجز لنفسه مقعد فاعل بادراة عملية اعادة الاعمار ما يعنيه اقتصاديًا وسياسياً بحيث يصبح بتلك المرحلة ممثلاً عن الدولة السورية امام القوى الراغبة بالاستثمار بسورية لعقود.
ان الصدام بين التيارين ليس فقط على من سيتولى ادارة سورية و جني الثمار لنفسه ، إنما الصدام بين التياريين هو كبير جد ولا يمكن اللقاء بينهم وهو ما يقود إلى حرب بحيث أحدهم سوف يسيطر ويستولي على مقدرات الاخر ويلغيه قبل أطلاق عملية الحل النهائي مما سيولد المزيد من الضغوط الاقتصادية على المواطنين بمناطق النظام على وجه التحديد وتردي الوضع المعيشي وضعف بمؤسسات الدولة ، ففي حين التيار الليبرالية المعولم يقوم على دور الدولة بحماية الملكية الخاصة وتجنيد نفسها كحارس لهذا الملكية التي تنحصر بكبار المستثمرين بحيث تغدق عليهم الامتيازات على حساب الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة مما يعني بنهاية المطاف بيع أصول الدولة لهذه الشركات وعدم قدرة الدولة على حماية مواطنينها اقتصادياً ضد تغول الشركات، اما التيار الاخر سوف يستفيد من السياسات الاقتصادية الاشتراكية القديمة التي شيطنة الراسمالية (مستفيدين من انه حتى الراسمالية التي تعتبر وجهة النظر الوسط بين الدولة الراعية وبين المستثمرين وطموحاتهم) مما يسهل شيطنة التيار الليبرالي المعولم وتحميله عبئ الدمار من جهة، ومن جهة أخرى لا تتوفر البنى الاقتصادية والاجتماعية لإقامة النظام الليبرالي المعولم مما سيجعلها أداة صراع طبقي في المجتمع وسوف يحاول التيار الحرس القديم إظهار إن جنوح نحو الليبرالي هو خسارة لدور الدولة وخسارة للمواطنين والقوى الاقتصادية التقليدية وتحميل عبئ ما يحدث لذاك التيار محاولين شرعنة وجودهم واموالهم على اعتبارهم باتو يمثلون حراس الدولة .
إن النظام الأسد بمحاولته تحديد نظرته حول إعادة الإعمار قادته إلى تفتيت نواته الصلبة حيث أقتسمت إلى تياران السابق ذكرهم ، حيث تيار الحرس القديم الذي تولى إدارته عائلة مخلوف ومن خلفهم موظفين دولة رفيعين والطبقة البرجواية التلقليدية التي باتت جزء من النظام إضافة إلى كوادر حزب البعث والاحزاب الموالية للبعث، وبين تيار جديد بقيادة بشار وزوجته أسماء الأسد حيث تقوم على إستغلال الظرف المتاح دائما و هو مكون من امراء حرب تم دعمهم من قبلهم وخلقهم و مكاتب اعلامية و بعض الموظفين رفيع المستوى ومكاتب علاقات دولية وان دور هؤلاء اقرب ما يكون هو للسماسرة …
أما المواطنين يريدون من الدولة ان تقوم بتوفير فرص العمل والرعاية الصحية والحقوق المدنية عن طريق منع المنافسة الشرسة والانفراد بالتصنيع واستغلال العاملين منع خصخصة مؤسسات الدولة الأساسية مع السماح للقطاع الخاص بالمساهمة الجدية بهذه النشاطات دون الدخول بمرحلة التنافس وخاصة أن البلاد أنهكت من السياسات السابقة والحرب، وبضوء الموارد المتاحة فانه قد يفرض عليهم تطبيق نوع من السياسات الليبرالية القاسية وأن غلفت باسم الليبرالية الاجتماعية (هي تجاوز بالتصورات والتي هي خليط متناقض بين الاشتراكية المثالية وبين الليبرالية المعولمة التي يطلق عليها خطأ باقتصاد السوق الاجتماعي الحر!!!) ، وهذه الأرادة تمثل نقطة تلاقي مع المواطنين بالمعارضة لاجل حل النهائي بحيث يكون داعم للحكومة الانتقالية وانطلاق اعادة الاعمار حقيقة.