وصلت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها الخميس الماضي مسجلة 9.62 مقابل الدولار الأميركي
في “ضربة جديدة” جاءت عقب إعلان البنك المركزي خفض سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس من 18 % إلى 16 %
والتي يراها الرئيس التركي أنها أساس لمكافحة التضخم وترجع رؤيته إلى طبيعة الثقافة التركية الاكتنازية.
كما أن التوسع بالأعمال سوف يضخ المزيد من الدولارات لتركيا ويخفض الخارج منها بسبب إعادة تدويرها بالاقتصاد لأجل الربح.
لكن هذه الرؤية لا تتفق مع نائبي المحافظ البنك المركزي إضافة إلى أعضاء من لجنة السياسة النقدية الذين يرون أن رفع أسعار الفائدة سوف يحسن القوة الشرائية لليرة التركية.
وهو ما قاد الرئيس التركي لإقالتهم أي نائبي المحافظ “تومين وأوجور” “ناميك كوجوك” إلى جانب عضو آخر في لجنة السياسة النقدية “عبد الله يافاش”
وللحقيقة إن نظرة نائبي المحافظ هي أكاديمية مخبرية ،وهي نظرة مكتبية لا تريد أن تدخل بإطار الاقتصاد الكلي والاقتصاد السياسي خوفاً على الحيادية وأن يتم اتهامهم بالاصطفاف إلى جانب أحد طرفي المعركة الانتخابية المقبلة.
لكن لماذا الليرة التركية هي أحد أحاديث الشارع السوري بشمال غرب الفرات و للمقيمين في تركيا؟
يعود الاهتمام إلى الليرة التركية كونها العملة الشبه رسمية للسوريين بمنطقة شمال غرب الفرات بالتداول
على الرغم من القيام بشراء البضائع من الجانب التركي بالدولار بما فيها المحروقات
وهذا الانخفاض يشكل فرصة لتحسين القدرة الشرائية للسوريين لكن الذي حدث هو العكس.
حيث شركة (وتد) وهي أحد الشركات الرئيسية بنقل الوقود إلى إدلب قد رفعت أسعار المحروقات معللة الأمر إلى ارتفاع أسعار الوقود عالمياً تارة و تارة أخرى إلى انخفاض الليرة التركية!.
فيما لا يتم تداول الليرة التركية بين التجار إنما هي وسيلة تداول للمواطنين المستهلكين فقط.
كما أن السوريين بتركيا يهتمون بالليرة التركية لسببين:
1- رواتب الكثير من السوريين تُدفع بالليرة التركية التي وصل التضخم فيها الى١٩.٥% أي أن قيمة رواتبهم أقل ب ٢٠%من القيمة الرسمية وهذا يزيد الوضع المعيشي سوءاً.
2- خوف السوريين من استمرارية انخفاض العملة مما يعني خسارة لأموالهم بتركيا.
إضافة إلى أن استمرار الانخفاض يعني صعوبة بالتسييل مع ازدياد هجمة العداء و العنصرية تجاه السوريين .
وعلى الرغم من كل هذا إلّا إن خوف السوريين من حركة الليرة التركية على المدى القصير غير مبرر له
وغالبا يقف خلفها تجار الحوالات و تجار السلع و المحروقات ،الذين يحاولون تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح بضوء التغيرات الاقتصادية التي تعصف بالملف السوري،
كما يحاولون تأمين أموال الحركات العسكرية التي يدعموها لتكون المسيطرة بعملة الاندماج حيث الحركة العسكرية الأقوى مالياً أقوى بفرض الهيمنة.
أسباب تراجع الليرة ومؤثراتها على الساحة في الشمال السوري :
على السوريين الذين يتعاملون بالليرة التركية عدم الهلع وترك الأمور لأهل الاختصاص على الأقل بالأمد القصير.
وعدم التعامل مع الليرة التركية وكأنهم بنوك أو حَملة أسهم ،لأنه لا مصلحة لأي طرف من انهيار الليرة ولو كانت دولية،
وذلك لأسباب كثيرة ومنها :
- 1- الضرر من القروض الخارجية على تركيا ،حيث يبلغ الدين الخارجي ٤٥٠ مليار دولار والتي تشكل ٥٨% من الناتج المحلي الإجمالي.
وعند تعسر اقتصاد تركيا وعدم القدرة على الدفع سيضطر الدائنين ( معظمهم مؤسسات مالية ) إلى عمل تسوية و خصم جزء من المبلغ أو الذهاب للمؤسسة التركية المقترضة للإفلاس
،وهنا من المفيد الإشارة إلى أن ٦٥% من الدين هو للقطاع الخاص ،وهذا الأمر خطير على موقعهم المالي ( للجهات المقرضة).
- 2- ارتباط الاضطراب المالي وتأثيره على الاستقرار السياسي لتركيا من خارج منظومة الانتخابات
إذ أن تركيا الآن تعتبر حاجز أمام الدول الاوربية من هجمات لجوء عنيفة ( أفغانستان ،إيران ،تركمانستان ،سوريا ،لبنان ، العراق….الخ)
- 3- التذبذب بالعملة على المدى القصير لا يؤثر إلا بمقدار ما ينفقه المرء وأي تغير بقيمة الثروة يظهر على المدى المتوسط او عند تسييل الأصل للحصول على ثمنه
في حين تذبذب العملة المتداول إعلاميا كأثر اقتصادي خطير، فهو يشير إلى أسعار الأسهم والسندات أي( البورصة) والتي تتم بمبالغ كبيرة حيث يتم تحويلها بين الدولار _ الليرة التركية.
- 4- الصرافين وخسائرهم الافتراضية حيث الاستعجال بقلب العملة مرده الى محاولة تحقيق ربح ، لكن عند الخسارة يمكن التريث ، ولن يتأثروا بشكل كبير والأسباب كثيرة منها، انها مشكلة الحكومة التركيا انقاذ عملتها وهي تملك أدوات أكثر من الصرافين والتي تضع كل ثقلها لحلها وأن خسارة الثروة للأفراد ليس من مصلحة الحكومة ،لذا عندما يطرأ تغير بالعملة لا يعرف مداه يكون التصرف بناء على عوامل الاقتصاد السياسي و الكلي .
- 5- الحوالات السوريين بالدولار وتسعير بالدولار وهو ما يمكنهم من العودة إلى نظام الدفع والتعامل بالدولار داخل سورية ، أما التعامل بالنسبة للرواتب بالتركيا فأغلبهم بالداخل التركي والحكومة التركية بوزارة المالية و الاقتصاد إضافة الى البنك المركزي وحتى الرئاسة يعملون على دعم القدرة الشرائية للجميع.
- 6- تركيا من الاقتصادات القوية عالمياً و تملك أدوات إنقاذ ليرتها وضخ عملة أجنبية فيها من القروض ومنها املاكها المسالة بأوروبا كاستثمارات تجارية و ديونها وحلفائها، ومساعدات الأمم المتحدة والدولية لمواجهة حملات اللجوء.
وبالتالي مشكلة التذبذب بالسعر الصرف هو محاولة ضغط على تركيا لاختيار الجانب الذي سوف تقف عليه ،وحتى على مدى المتوسط فان خسارة الليرة التركية ليست حقيقة لأنها ترجمت بأزمة كورونا معدلات نمو مرتفعة مقارنة مع الاقتصاد العالمي.
وغيرها من الأسباب الكثيرة التي تجعل قلق السوريين لا محل له من تذبذب العملة التركية ،حيث أنه للسوري ما يقلق عليه أكثر بدءاً من تجار المليشيات امر الواقع اللذين يتلاعبون بمصير القوى الشرائية له وليس انتهاءً إلى من يشير أن قتلى الأسد هم ضحايا و عجز أمام النظام للقول قتلى المعارضة من الأطفال والأساتذة ليسوا إرهابيين ، وأن إصلاح الدستور هو تعويم الأسد للإبحار من جديد بدمائنا