262
باتت سوريا خلال سنوات الحرب الطويلة أشبه بمملكة الظل التي تشكل تجارة الكبتاغون أحد شياطينها، تصنيع وتجارة الكبتاغون بات المورد الرئيس لمعظم فرقاء الحرب السورية، ورغم أن الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري والتي يديرها العميد ماهر الأسد شقيق رأس النظام هي اللاعب الأبرز والمتحكم في سوق الكبتاغون في سوريا، إلا أن هناك لاعبين اخرين أصغر حجماً ويعملون بذات السوق ويملكون حصة فيه وينسقون فيما بينهم، والتي بدأت تتكشف أوراقهم ومن هؤلاء من هو في شمال غرب سوريا ، التي بدأ يتسلط الضوء عليها مع اكتشاف الشرطة العسكرية لمعمل لصناعة الحبوب المخدرة في ريف عفرين بتاريخ 3 تشرين الأول الماضي، إلا أن الأمر سرعان ما أصبح طي النسيان، حيث لم تفصح الشرطة العسكرية بشكل رسمي عن هوية الجهة التي تعمل في تصنيع الحبوب المخدرة، ولا عن ملكية المزرعة التي تم تحويلها إلى معمل للمخدرات، وحتى هوية الفصيل العسكري المشرف على المنطقة التي تحوي المعمل بقيت غير محددة في ظل تراشق غير رسمي للاتهامات بين عدة فصائل من الجيش الوطني المدعوم تركياً ، وهو ما دفعنا للبحث عم الحقيقة ، وكان الطريق الوحيد له بضوء هذه الظروف هو النظام عبر وثائق وشهادات خاصة حصلت عليها منصة اقتصادي والتي تشكل اول معلومات موثقة لتجارة المخدرات وتحديدا الكبتاغون.
الشمال السوري بوابة طريق المخدرات نحو تركيا
العودة بالزمن إلى نهاية عام 2020 ومطلع العام الحالي وتحديداً عندما ضبط الفيلق الثالث بالجيش الوطني عدة شحنات من المخدرات قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري ( حلب وحماة) إلى مناطق سيطرة المعارضة عبر معبر الحمران بريف جرابلس ( تشير المصادر الى معابر اخرى ايضاً)والذي يربط مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المتواجدة في منبج مع مناطق المعارضة في شمال وشرقي حلب، وقد ضبط الفيلق الثالث آنذاك شحنة مخدرات مكونة من مئتي ألف حبة كبتاغون نهاية 2020، وثم في 19 كانون الثاني من العام الحالي قام الفيلق الثالث بضبط ٩٠٠ ألف حبة كبتاغون مخبئة داخل حمولة مكونة من المدافئ المنزلية، قادمة من ريف دمشق بحسب تصريحات الفيلق الثالث حينها، لتقوم بعدها مديرية أمن اعزاز بضبط مستودع للخمور في السادس والعشرين من ذات الشهر.
مسيرة شحنات المخدرات المضبوطة تكشف عن نقل المخدرات من مناطق سيطرة الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري إلى جهات شريكة في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سوريا والتي تعتبر بوابة نحو تركيا يمكن تمرير شحنات المخدرات عبرها.
أيضاً قامت فصائل الجيش الوطني في 25 من آب الماضي بضبط وإتلاف قرابة مليوني حبة كبتاغون في ريف حلب في عملية وصفتها بالأمنية ولكن بقية المعلومات التي تمت بها العملية وكيفية حصولهم على المعلومة طي الكتمان.
“أبو عمشة” عراب تجارة المخدرات شمال سوريا
من ابرز الاسماء التي تداولتها الوثائق هو محمد الجاسم ابو عمشة قائد فصيل السلطان #سليمان_شاه ( العمشاوات)
أحد اكثر الفصائل الشمال انضباطاً و تدريبا وشاركت بالقتال كمرتزقة الى جانب تركيا خارج الحدود السورية إضافة ان سجلها حافل بانتهاكات ، مما دفع بحلفاء فصيل السلطان سليمان شاه(العمشاوات) الذين هم ايضا منافسوه على السيطرة الجغرافيا والعلاقات مع تركيا إلى تصيد أخطاء محمد الجاسم أبو عمشة والفصيل الذي يتزعمه ، وهو ما يدفعنا الى نبدأ من صراع الجبهة الشامية اكبر فصيل ضمن الفيلق الثالث مع محمد الجاسم أبو عمشة متجاوزين الخلاف القديم )انشقاقه عنهم بعد ان استولى عل السلاح) ، ، فقد ضبطت الجبهة الشامية شحنات مخدرات تدور الشبهات فيها الى محمد الجاسم ابو عمشة دون الاشارة إليه صراحة وان كانت تسريبات منهم تمسه هو مقربين منه .
استمرار النزاع بين كل من الجبهة الشامية التي باتت العمود الفقري لغرفة عمليات عزم المشكلة مؤخراً مع فرقة السلطان سليمان شاه التي تنقلت عدة مرات بين كل من غرفة عمليات عزم والجبهة السورية للتحرير، فضلاً عن خلافات محمد الجاسم أبو عمشة مع أقاربه بات يكشف عمق الخلاف حول ملف الاتجار بالمخدرات، حيث انتشر شريط مصور على منصات التواصل الاجتماعي كشف خلاله شخص عرّف عن نفسه على أنه (نسيب/صهر أبو عمشة) وهومحمد العمار ابن أبو رشا (عمار محمد العمر قائد احد المجموعات لديه )،عن سلسلة من الفضائح تتعلق بعمليات ابتزاز وخطف وبيع للسلاح واتجار بالمخدرات قام بها محمد الجاسم أبو عمشة وفصيله، حيث لم يقتصر الأمر بحسب الشاب على الأراضي السورية، بل امتد إلى الى خارج الحدود السورية حيث يتواجد قوات له ، لكن مصادر لمنصة اقتصادي من المعارضة ذكرت ان صاحب المعمل الذي تم ضبطه بأطراف الجنديرس يديره فادي العمر أخو ابو رشا( فادي ومحمد هم أصهره صهر /زوج ابنة محمد الجاسم ابو عمشة ) حيث يقوم المعمل بتصنيع الكبتاغون وكبس الحشيش وعند محاولة محمد الجاسم القبض على فادي لإغلاق الشبهات حوله، لكن استطاع فادي العمر الهروب هذه القصة حدثت بعد مصادرة الشحنة الكبتاغون بميناء لواء اسكندرون .. عدا التقارب المشبوه بين جبهة تحرير الشام فصيل سليمان شاه التي تتناولها الوثائق من النظام لعلاقتها ايضا بالمخدرات ، وهو يتماشى مع ما حذر منه حساب مزمجر الشام على تويتر وهو قيادي سابق منشق عن هيئة تحرير الشام ومتابع للوضع في شمال غرب سوريا ويملك من المعلومات حول الوضع بشمال غرب سورية ، حيث حذر مراراً من تنامي نفوذ هيئة تحرير الشام في مناطق سيطرة الجيش الوطني، وتحدث عن علاقة هيئة تحرير الشام بفرقة سليمان شاه أيضاً مما اعطى لمحمد الجاسم قوة بوجه منافسيه وسيطرة على الارض، ليغرد مؤخراً على تويتر حول حصوله على معلومات من داخل غرفة عمليات عزم التي تضم فصائل بارزة في شمال حلب، عن نية عزم إنهاء ملف “فرقة سليمان شاه” بعد إتهامات كثيرة للفرقة بارتكاب تجاوزات في المنطقة تتعلق بالفساد و تجارة الحبوب المخدرة ، وتشير مصادر منصة اقتصادي ان محمد الجاسم ابو عمشة وهيئة تحرير الشام تجعهم تجارة المخدرات عبر النظام إضافة الى الشأن العسكري .
علاقات تربط أبو عمشة مع نظام الأسد
الوثائق الخاصة التي حصلت عليها ” منصة إقتصادي” كشفت عن تواصل وتنسيق بين محمد الجاسم أبو عمشة متزعم فصيل السلطان سليمان شاه ( العمشاوات) في الجيش الوطني ومحمد براء قاطرجي (وهنا تم ذكراسماء لتجار بحلب) وهو أحد أمراء الحرب في سوريا وزعيم مليشيا القاطرجي، كما أنه يخضع لعقوبات أمريكية وأوروبية لضلوعه بقضايا غسيل أموال للنظام السوري، ومحاولة الالتفاف على العقوبات المفروضة على النظام السوري عبر شركاته، فضلاً عن إشرافه على ملفات التجارة لنظام الأسد مع كل من تنظيم الدولة سابقاً، وقوات سوريا الديمقراطية حالياً، قاطرجي ليس الوحيد فبحسب الوثائق الخاصة التي حصل عليها موقع “إقتصادي” فإن تواصل منتظم يتم بين أبو عمشة والعميد في جيش النظام سهيل الحسن المعروف باسم النمر والذي يعتبر من أبرز ضباط جيش النظام ومقرب جداً من روسيا ويشرف على العمليات العسكرية لجيش النظام في شمال سوريا حيث تتواجد فرقته المسماة “الفرقة 25 مهام خاصة”، ويتم التواصل بين أبو عمشة وكل من العميد النمر وقاطرجي عبر وحدة الدعم في جيش النظام السوري (قوات رديفة تابعة للفرع ٢١٧ امن عسكري) وعن طريق كل من “شادي بدوي” و “راضي جدوع” و “فؤاد جدوع” وهم موجودين بالشمال ، وغيرهم حسب ما ذكرت الوثيقة.
وقد حاولت المنصة اقتصادي ان تعرف أكثر عن هذه الأسماء فوجدت إن شادي بدوي هو صراف وله علاقات كثيرة ، وجدوع تجارة سيارات تعمل بين شمال سورية و تركيا إضافة انهم يعملون بكل انواع التجارة.
وعائلة البدوي و جدوع يملكون نفوذ كبير بإدلب ، ونحن كمنصة اقتصادي نذكر الاسماء الموجودة بمصادرنا لا أكثر .
طريق المخدرات من شمال غرب سوريا إلى الخليج عبر تركيا
بحسب مصادر موقع اقتصادي فإن فرقة السلطان سليمان شاه قامت بزراعة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في ريف عفرين بنبتة الحشيش “القنب” وخاصة في مناطق سيطرتها في ناحيتي شيخ الحديد و راجو الواقعتان على الشريط الحدودي مع تركيا، كما أن مصادر موقع إقتصادي فإن الفرقة أنشأت معامل لتصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة في كل من قرى قطمة وكفرجنة و معرسكة والبيرين بريف عفرين، وذلك بالتنسيق عبر تجار من ولايتي كلس وهاتاي التركيتين ، حيث يتم تهريب الحبوب المخدرة إلى موانئ اسكندرون ومرسين في تركيا ومنها إلى دول الخليج العربي التي تعتبر السوق الأكبر للمخدرات المهربة من سوريا عبر مختلف الطرق، ومن بين تلك الشحنات المهربة الشحنة التي تمت مصادرتها في ميناء مرسين التركي والتي قدرتها الوثيقة التي حصل عليها موقع اقتصادي ب 260 مليون حبة كبتاغون، بينما قالت وسائل الإعلام التركية حينها بأنها تقدر ب 6 مليون حبة فقط( بعض المصادر قالت ١ طن مخبأة ب ١٧ حاوية وهو ما يعادل مليون قرص ، هذا التضارب بالارقام يدل ايضاً ان الرقم غير دقيق ) وهذه الشحنة تخفي الكثير من الاسرار حول علاقات محمد الجاسم ابو عمشة حسب مصادر منصة اقتصادي، سوف نتناولها بأوقات لاحقة ، إضافة ان التهريب ايضا يتم باتجاه الساحل السوري و لبنان عبر شركات القاطرجي (يملك القاطرجي ١٢٠٠ شاحنة طويلة قاطرة ومقطورة و ٣٠٠٠ صهريج) بحسب وثائق موقع اقتصادي.
أبو عمشة عبء ثقيل على تركيا
فصيل سليمان شاه(العمشاوات) قد تعهد بمقاتلة حزب العمال الكردستاني و تجنيد مقاتلين و رصدت لهم رواتب ٢٥٠٠ دولار لكل مقاتل ، لكن ابو عمشة لم يرسل العدد المطلوب ( حسب مصادر منصة اقتصادي)، عدى عن أن الرواتب لم تصل للمقاتلين وهو ما اعتبرته تركيا بمثابة الخيانة لها، إضافة إلى انتهاكات الفصيل المتكررة مع أهالي عفرين والنازحين بدأت تسبب ضغط دولي على تركيا إعلامياً ومن المجتمع المدني.
والشيء اللافت هو ارتباط اسمهم باختراقات pkk للمنطقة و القيام بتفجيرات، كل هذا دفع تركيا إلى محاسبة هذا الفصيل لكن دون شن حملة عسكرية عليهم ، قد تضعف موقع تركيا و تعطي شرعية لمنافسيها إيران وروسيا لاختراق المحرر وتبرير القصف وحتى شن عملية عسكرية خاطفة ، وهو ما يعني الاعتماد على فصائل محلية أخرى للقيام بالمهمة، وهذا ما تقوم به غرفة العمليات الموحدة #عزم ، لكن الهدف ليس تصفية الفصيل سليمان شاه وانما هيكلته بتحيد محمد الجاسم من المشهد واعادة دمج فصيل سليمان شاه مع الجيش الوطني ، خاصة ان الشمال غرب الفرات يحتاج الى اي قوة عسكرة منظمة ممكن ان تدافع عن شمال سورية بدعم تركي ضد اي اندفاع روسي ومليشات النظام او دفع من امريكي لقوات قسد للقيام بها ، وحتى لضبط سلوك جبهة تحرير الشام ، وهذا يفسر تدخل كل من فصيل المعتصم وفهيم عيسى قائد فصيل السلطان مراد لحل الخلاف، عبر تسليم ٣٠ عنصر من قيادي فصيل سليمان شاه (العمشاوات) بينهم سراج الجاسم اخو محمد الجاسم ويده اليمنى بتهمة (تجارة المخدرات وحيازتها وتعاطيها، إضافة لإشرافهم على أوكار للدعارة في شمال حلب) أي الاطاحة بمحمد الجاسم أبو عمشة .
غرفة العمليات الموحدة “عزم” لكي تبقى عزم مناطق المحررة
لكي لا تظهر غرفة العمليات الموحدة “عزم ” أنها تنفذ اجندة بضوء تصفية حسابات خارجية او حتى تصفية حسابات تجارة مخدرات عد، عليهم الامساك بمحمد جاسم أبو عمشة وتقديمه للمحكمة ومصادرة الأموال والأراضي لإعادتها إلى أصحابها والسيولة إلى الفقراء والكشف عن علاقة محمد جاسم بتجارة المخدرات عبر النظام السوري وتجار اتراك ، وإلا لن تكون أكثر من عملية تغير تاجر ليس إلا.
ولكي لا تبقى العملية بين رجالات العسكر فيقال عنها حرب مليشيات ، عليهم اشارك المعارضة السياسية فيها والذي يمثلهم الائتلاف حالياً بمؤسساته ، الذين هم الاخرين لا يمكنهم البقاء بأماكنهم ينتظرون ما تسفر عنه الأحداث ، وإلا سوف تعتبر خسارة الائتلاف لمزيد من الأوراق السورية ، وهي مناسبة لإثبات أن الائتلاف قادر كمؤسسة أن يكون له دور بمحاسبة الفساد أو على الأقل المساعدة بمحاسبة الفاسدين .
وهو ما يقود الى سؤال هام ؟
هل ستتخذ المعارضة وتحديداً الائتلاف الخطوة الاولى نحو العدالة الانتقالية خارج خطط المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون ، وإجباره على التزام بقرار 2544، والتي تبدأ بتقديم مجرمي الحرب للمحاكم وإن كان من طرف المعارضة ؟ وهل سيحاكم محمد جاسم كمجرم حرب ، أم كمجرم انتهك قانون العقوبات ؟ وأي قانون عقوبات سيكون هل السوري أم التركي ؟ أم أن المحاكم ستكون مشكلة من الفصائل إن وجدت وهي جريمة بحد ذاتها ؟