باتت تجارة المخدرات إحدى أكثر القطاعات ربحاً ورواجاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، خاصةً مع التسهيلات الكبيرة المقدمة من قبل الأفرع الأمنية وقادة الميليشيات للمسؤولين عن هذه التجارة وللعاملين في تصنيع موادها.
ولم يعد نشر الحشيش والحبوب المخدرة مقتصراً على مناطق سيطرة النظام، أو المناطق الخارجة عن سيطرته في إدلب وريف حلب وشرق الفرات، بل تجاوزها إلى دول الجوار بداية ومن ثم إلى دول الخليج، وحتى وصلت إلى القارة الأوروبية ومختلف أنحاء العالم.
ويبدو أن التصريحات التي أطلقها وزير خارجية النظام السابق وليد المعلم، في 22 حزيران/ يونيو 2011، وقال فيها: إن نظامه سيمسح أوروبا عن الخارطة، وسيتجه شرقاً وغرباً، وأن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليه هي بمثابة الحرب، كانت تحمل معاني ومقاصد بدأت تتكشف وتظهر مع امتداد سنوات الثورة والحرب.
وتنفيذاً لتهديدات المعلم ووعيده، سعى النظام السوري إلى إغراق أوروبا بالمخدرات، حيث ضبطت الشرطة الرومانية في 30 آب/ أغسطس 2020 أكبر شحنة مخدرات في تاريخ البلاد قادمة من ميناء اللاذقية؟، وتضم 1.5 طن من مادة الحشيش، و751 كيلو غرام من مادة الكبتاغون، وتبلغ قيمتها نحو 60 مليون يورو.
إيطاليا هي الأخرى ضبطت في تموز/ يوليو 2020 عشرات الأطنان من حبوب الكبتاغون القادمة على متن سفينة شحن انطلقت من ميناء اللاذقية، وتبلغ قيمتها نحو مليار يورو.
يضاف إلى ذلك، إحباط الجيش الوطني السوري بريف حلب واليونان والسعودية والإمارات ومصر والأردن عدة محاولات تهريب مخدرات قادمة من مناطق سيطرة النظام، إلا أن المملكة الهاشمية كان لها النصيب الأكبر من تلك المحاولات، حيث لا يكاد يمر شهر دون إفشال وضبط محاولات تسلل وتهريب مخدرات إلى أراضيها.
“القاطرجي” يدخل قطاع المخدرات من أوسع أبوابه
خلال السنوات الماضية، وبعد تقطع أوصال المناطق السورية بسبب المعارك والعمليات العسكرية، وخروج مساحات واسعة عن سيطرة النظام، وتقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ عدة، ظهرت مجموعة “القاطرجي” التجارية التي كانت تعمل على نقل النفط والقمح من مناطق سيطرة “داعش” و”قسد” شمال شرقي سورية، إلى مناطق سيطرة النظام.
ومع نمو المكاسب التي حققتها مجموعة “القاطرجي” واِزدهار تجارتها حتى أصبحت إحدى أعمدة اقتصاد النظام وحجر الزاوية فيه، شرعت بتطوير أعمالها ومشاريعها ودخلت في مختلف القطاعات الحيوية في سورية، وافتتحت عشرات الشركات أهمها: “شركة قاطرجي للصناعات الهندسية الميكانيكية المغفلة الخاصة”، و”شركة أرفادا البترولية”، وشركة “حلب المساهمة المغفلة الخاصة القابضة”، وشركة “جذور للزراعة وتربية الحيوان”، وشركة “أليب للاستشارات والحلول التقنية”، وشركة “قاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري”، وشركة “بي إس للخدمات النفطية” وهي شركة مسجلة في لبنان ومجال عملها في قطاع الخدمات النفطية.
يضاف إلى ذلك شركة “القاطرجي آغا للاستيراد والتصدير”، وشركة “فولاذ للصناعات المعدنية المساهمة المغفلة الخاصة”، وشركة “البوابة الذهبية”، وشركة “شهباء الشام للتجارة والتعهدات والاستيراد والتصدير”، وشركة “أطياف للأعمال التجارية والشحن”، وشركة “زمن الخير للاستثمار”، وشركة “المهام للحماية والحراسات الأمنية”.
وبعد الدخول القوي لمجموعة “القاطرجي” والاستحواذ الواسع في قطاع التجارة والصناعة في مدينة حلب خاصة، وبدعم روسي كبير، وبعد فشل العراقيل من مكتب أمن “الفرقة الرابعة” وفرع المخابرات الجوية، بدأت المجموعة التجارية الصناعية التوسع في القطاع الأكثر ربحاً في سورية وهو قطاع المخدرات، خاصة مع وجود التشكيل الأمني المسلح التابع لها.
مصدر مقرب من حسام القاطرجي أفاد فريق التحقيق في “نداء بوست” أن القاطرجي يدير مجموعة نشاطات غير قانونية في ريف حماة منها مراكز ومصانع للحبوب المخدرة “الكبتاغون”، ونقل بالفعل مطلع العام الحالي، 11 خط إنتاج و26 مكبساً متوسط الحجم خاصة بتدوير وتغليف الحبوب المخدرة ومادة الحشيش من مزارع تملكها مجموعة “القاطرجي” في ريف حماة، إلى المنشآت الصناعية في منطقتي الشقيف والشيخ نجار في حلب، وخلال النصف الأول من عام 2022 سيكتمل نقل كامل معدات عملية التصنيع والتغليف إلى حلب.
خطة لغزو مناطق المعارضة وتركيا والخليج
أكدت مصادر خاصة لموقع “نداء بوست” أن مجموعة “القاطرجي” تخطط لتوزيع المخدرات من حلب إلى مناطق المعارضة السورية ومنها إلى تركيا، وإلى مناطق سيطرة “قسد” ومنها إلى العراق ثم الخليج العربي، مشيرة إلى أنه سيتولى إدارة هذا القطاع القيادي في المجموعة محمود رسلان وهو من أبناء مدينة حلب.
وبحسب مصادر “نداء بوست” فإنَّ مجموعة “القاطرجي” تعمل على خطة لإنشاء بنية تحتية تتناسب مع التوسع الكبير في إنتاج المخدرات، حيث يتواصل مدير المجموعة حسام القاطرجي مع تجار في لبنان لاستيراد مكابس وآلات تغليف صينية.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم لـ”نداء بوست”: إن “مجموعة القاطرجي لديها وسائل كثيرة لتسهيل تجارة المخدرات وهي على علاقة مع “قسد” و”هيئة تحرير الشام” و”فرقة سليمان شاه” في ريف حلب، إضافة إلى علاقاتها مع النظام وروسيا، وتمتلك أكبر عدد من الشاحنات ووسائل النقل البري في سورية، وبالتالي تحركات هذه المجموعة سهلة في مختلف مناطق البلاد”.
وأضاف: “إن افتتاح معمل جديد لتصنيع المخدرات يعود إلى وجود سوق واعدة وكبيرة للاستهلاك في منطقة الشمال السوري وغرب الفرات، ويستهدفها بشكل أساسي، وهذا يحتم على الجانب التركي القيام بواجباته وتضييق الخناق على “فرقة سليمان شاه” في ريف حلب و”هيئة تحرير الشام” في إدلب، اللتين تمتلكان علاقة مع القاطرجي”.
روسيا وأنشطة “القاطرجي”
قالت مصادر خاصة لـ “نداء بوست”: إن مكتب التنسيق الروسي في حلب واللجنة العسكرية الأمنية في المحافظة على علم بإدارة القاطرجي لهذه النشاطات، وهي تغض الطرف عنه رغم مزاعم موسكو بأنها تسعى لضبط فوضى المخدرات التي تخلقها إيران وميليشياتها في سورية وتهدد بها الخليج العربي.
كما علم فريق التحقيق في “نداء بوست”، أن مكتب التنسيق الروسي سيمارس ضغوطاً كبيرة على المجموعات التابعة لإيران والتي تقوم بإنتاج المخدرات تمهيداً لإخراجها من حلب، لتحل مجموعة القاطرجي الموالية لروسية والشريكة لقاعدة حميميم مكانها.
الباحث يونس الكريم أشار خلال حديثه لـ”نداء بوست” إلى أن القوات الروسية في سورية تسهل عملية تجارة المخدرات مقابل منافع شخصية للضباط، ولفت إلى أن استيراد المواد اللازمة لتصنيع المخدرات أو تصديرها يتم عبر مرفأ اللاذقية، ومعظم قوافل “القاطرجي” في بادية حمص وحماة تسير بترفيق من مرتزقة “فاغنر” الروسية.
مخدرات الأسد على طاولة الكونغرس
قدم النائبان فرينش هيل جمهوري من ولاية أركانسس، وبرندان بويل الديمقراطي من ولاية بنسلفانيا، مشروعاً إلى مجلس النواب بالكونغرس، في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يطلب من الإدارة الأمريكية تطوير استراتيجية مشتركة بين الوكالات الفيدرالية، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات في سورية والاتجار بها، والشبكات التابعة المرتبطة بالنظام هناك، وذلك بعدما صوّتت الغالبية في مجلس النواب على قانون بهذا الشأن.
وشدد النائبان هيل وبويل، على أن على حكومة الولايات المتحدة أن تفعل كل ما يلزم لتعطيل المستوى الصناعي لإنتاج المخدرات في سورية، مشيرين إلى أنه منذ عام 2018، حوّل إنتاج المخدرات والاتجار بها في سورية، إلى دولة مخدرات لتمويل جرائم ضد الإنسانية.
وشددا على ضرورة وقف هذا الاتجار، ومصدر التمويل غير المشروع، مشيرين إلى أن واشنطن لو فشلت في ذلك ستترك النظام في سورية مستمراً في دفع الصراع، وتوفير شريان الحياة للجماعات المتطرفة، والسماح للأعداء الأمريكيين بتعزيز مشاركتهم هناك.
كما أكدا على أن من الضروري أن تلعب الولايات المتحدة دوراً رائداً في إحباط إنتاج المخدرات في سورية، وذلك من أجل الوصول إلى تسوية سياسية هناك.
وبهذا الخصوص يرى الباحث يونس الكريم، أن الولايات المتحدة غير مهتمة بمكافحة تجارة المخدرات أو القضاء عليها، وعلى العكس فإن أحد بوابات تجارة المخدرات بالنسبة للنظام معبر نصيب مع الأردن تم افتتاحه بشكل رسمي رغم قانون “قيصر”، وزادت عمليات تهريب ونقل تلك المواد عما كانت عليه عندما كان المعبر مغلقاً، كما أنه لا توجد رقابة على الحدود البحرية والمياه الدولية التي تعتبر طريقاً رئيسياً لنقل المخدرات.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة لم تثر قضية تجارة النظام بالمخدرات في مجلس الأمن، ولم تضغط على روسيا والصين حلفاء الأسد في الأمم المتحدة بشأن هذا الملف، وعلى النقيض من ذلك أرسلت تطمينات إلى لبنان بأن التعاون مع النظام لن يعرضها للعقوبات.
ويعتقد الكريم أن ذلك يؤكد عدم وجود رغبة حقيقية لدى واشنطن أو أوروبا لمكافحة المخدرات والحفاظ على الأمن العالمي، خاصة مع وجود وثائق تؤكد دخول مواد كيميائية من إسبانيا واليونان إلى مناطق النظام.
المقالة منشورة على موقع نداء بوست