اقتصادي
يمارس الكثير من الأشخاص مهناً شائعة وتشكل مصدر دخل أساسي لهم، دون أن يحصلوا على ترخيص لمهنتهم، ودون أن يكون الهدف الرئيس لهم أن يعملوا بالخفاء، إلا أن عدم التصريح الرسمي عن تلك الأعمال قد يكون السبب في إدراجهم ضمن بند ما يعرف بـ” اقتصاد الظل”.
ويعني اقتصاد الظل ممارسة أي نشاط لا يخضع للرقابة الحكومية أو التشريعات الصادرة، وهو لا يشمل الأنشطة غير المشروعة فقط، بل يشمل أيضا أشكال الدخل غير المصرح بها والمتحققة من إنتاج السلع والخدمات المشروعة.
وعلى هذا، فإن اقتصاد الظل هو أي ممارسة من جانب فرد أو كيان مؤسسي لنشاط غير مشمول ضمن إحصاءات الحكومة، ولا يدخل ضمن حسابات الناتج المحلي الإجمالي، ويتميز بالسرية التي تعني هنا عدم معرفة الجهات الرسمية بتحركه.
وكمثال على ذلك الموظف الذي يتخذ من سيارة أجرة سبيلاً للحصول على دخل إضافي بعد دوامه، وكذلك من يعطي دروساً خصوصية لا يدفع مقابلها ضرائب، ومن تجهز الحلويات والمعجنات في بيتها وتبيعها لزبائن تتواصل معهم عن طريق الجوال.
ورغم أن ممارسة هذه الأعمال أمراً مشروعاً إلا أن وجودها خارج الإطار الرسمي لإحصاءات الدولة وتحصيل الضرائب، يربك حساباتها وخططها المستقبلية، ويجعل بياناتها عن معدل البطالة، ومتحصلات الضرائب، والمداخيل مهترئة، وباقي البيانات الاقتصادية غير معبرة عن الواقع الفعلي.
وعلى الجانب الآخر، يشمل اقتصاد الظل كذلك نوعا يعد أشد خطراً يتمثل في ممارسة أعمال غير مشروعة، وبطريقة تتنافى مع القانون وتندرج تحت مظلة الاقتصاد الأسود مثل تجارة الأسلحة، الدعارة، تجارة البشر، الابتزاز، التربح من الوظيفة الحكومية، إجبار عمال تحت إمرتك في العمل على إنهاء أمورك ومتطلباتك الخاصة، التزوير في المستندات الرسمية مقابل الحصول على أموال، الرشاوي.
وتلعب مجموعة من المعطيات دوراً في ظهور وانتشار اقتصاد الظل، أبرزها تراجع دور الدولة والقوانين المختصة، انخفاض دخل الفرد وارتفاع معدل الإعالة، عدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل للقادمين إلى سوق العمل، ندرة السلع وانتشار السوق السوداء، عدم مرونة التشريعات الاقتصادية، وغيرها.
أما عن طريقة تقدير حجم اقتصاد الظل في دولة ما، فذلك ممكن عبر الاستعانة بطرق غير مباشرة، أهمها ما يعرف بـمدخل الفروق بين الدخل والإنفاق، أو عن طريق مدخل المراجعات الضريبية، كذلك يمكن تقدير حجمه عبر مدخل سوق العمل والمدخل النقدي.
ومما لا شك فيه أن لانتشار ظاهرة اقتصاد الظل آثاراً سلبية على الاقتصاد الوطني، فهو يؤدي إلى فقدان حصيلة الضرائب، وتشويه المعلومات وكذلك يؤثر في معدلات البطالة وسياسات الاستقرار الاقتصادي ومعدلات النمو والتضخم والسياسة النقدية، فضلاً عن تأثير على توزيع الموارد بشكل عام.
وعلى عكس التوقعات، يلعب اقتصاد الظل دوراً إيجايياً من حيث قدرة هذا الاقتصاد على تجنب آثار الإجراءات التنظيمية مثل قوانين الحد الأدنى للأجور والضرائب تجعل هذا الاقتصاد أكثر ديناميكية، ومن ثم أكثر قدرة على الاستجابة بسرعة للتغيرات التي تحدث في ظروف السوق بالمقارنة بالاقتصاد الرسمي.
ويساعد اقتصاد الظل في تقديم السلعة أو الخدمة بأسعار أقل، وبالتالي يحقق آثاراً توزيعية موجبة من خلال مساعدة محدودي الدخل، فضلاً عن تخفيض الفروق في توزيع الدخل، إضافة إلى أن هناك إمكانية أن يساعد نمو اقتصاد الظل على إيضاح التغيرات المطلوبة لكي يصبح الاقتصاد ككل في وضع تنافسي، فقد يكون اقتصاد الظل أكثر استجابة للظروف والتغيرات على مستوى الاقتصاد بالشكل الذي قد يساعد صانع السياسة الاقتصادية على تبنى عملية التعديل الهيكلي المطلوبة لكى يظل الاقتصاد في وضع أفضل.