اقتصادي – خاص:
يترقب العالم بحذر تطورات الملف الأوكراني، عقب تصعيد التصريحات الأمريكية تجاه روسيا، التي تتبوأ مركزاً اقتصادياً هاماً على مستوى العالم، وما قد يؤول إليه حال سوق الطاقة والغذاء في حال استمرار التوتر أو اندلاع حرب فعلية بين القطبين الروسي والأمريكي، حيث أن التجاذبات السياسية أو حتى العسكرية سيكون لها انعكاسات ملحوظة على الملف الاقتصادي، على المستوى العالمي أولاً، والسوري ثانياً.
وللوقوف على تأثر الاقتصاد السوري بقضية أوكرانيا، قال الخبير الاقتصادي يونس الكريم، إن “سوريا والمنطقة عموماً التي تعتمد على المنظمات الإنسانية في تأمين حاجتها من السلع، ستشهد السيناريو الأسوأ من حيث خروج عملاتها من التداول وحدوث المجاعات والاضطرابات الأمنية فيها”.
وفنّد الخبير الاقتصادي التأثيرات المباشرة التي ستطال دمشق تحديداً بقوله إن “رفع روسيا لأسعار القمح إثر أزمة أوكرانيا، سيؤثر سلبياً على التوريدات إلى سوريا التي غالباً ما تجد صعوبة في تأمين القطع الأجنبي اللازم لتلك المناقصات، حتى قبل رفع الأسعار”.
وأعرب الكريم عن تخوفه من حدوث “مقايضات سياسية بين ملف كييف وملف دمشق، بحيث يطلق يد الروس في سوريا، مقابل تقليص الدور الأوروبي والأمريكي، ما يعني تأثر المنح المالية الواردة من الجانب الأخير”.
وانتقل الكريم إلى التأثير الأوسع لأزمة أوكرانيا، وقال، إن “روسيا تصدّر كميات كبيرة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، وغيابها، كثاني أكبر منتج للنفط في العالم، عن السوق، سوف يشعل التنافس للحصول على الطاقة، وسيظهر ذلك جلياً في أسعار كافة المشتقات النفطية التي ستحلق لمستويات عالية جداً”، منوهاً إلى أن “ذلك سيطال حكماً فاتورة الطاقة التي تستوردها سوريا”.
وتوفر روسيا 35% من واردات الغاز الطبيعي في أوروبا، وتصل غالبية تلك الواردات إلى القارة العجوز عبر خطوط أنابيب تعبر بيلاروس وبولندا ومنها إلى ألمانيا، إضافة إلى خط “نورد ستريم 1″، والذي يصل مباشرة إلى ألمانيا، وغيرها من الدول الأوروبية عبر أوكرانيا.
وهددت الولايات المتحدة بوقف افتتاح خط أنابيب رئيسي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية إذا قامت روسيا بغزو اوكرانيا.
واستدرك الكريم إن “هذه الارتفاعات لن تقتصر على الطاقة، بل ستتعداها إلى سلع غذائية أساسية أبرزها القمح والذرة وعلف الحيوانات”.
وتعدّ روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم، بينما أوكرانيا رابع أكبر مصدّر للقمح ويتوقع أن تصبح ثالث أكبر مصدّر للذرة في العالم بموسم 2021 – 2022 حسب احصاءات دولية، ويطلق على أوكرانيا “سلة غذاء أوروبا”.
وتوقع الكريم أن يدفع الصراع بموسكو إلى تخزين القمح، خاصة وأن إنتاجها هذا العام كان أقل من العام السابق بنسبة ٩%، لافتاً إلى أن ارتفاع أسعار القمح المصدر ستطال كل من يستخدم طريق البحر الأسود مثل كازاخستان ورومانيا إضافة لروسيا وأوكرانيا، فضلاً عن تأثر المنتجين الآخرين كفرنسا وأميركا.
وتعتبر كل من تركيا ومصر ولبنان والعراق ومعهم سوريا، من أبرز المستهلكين للقمح والذرة المنتجة من روسيا وأوكرانيا، حيث يخشى خبراء من تداعيات إنسانية على صعيد الشعوب الأسيوية والإفريقية التي تعتمد في مستورداتها على روسيا وأوكرانيا.
أما عن تأثر العملات، بيّن الكريم، إن “ارتفاع أسعار السلع سوف يقود إلى انهيار القدرات الشرائية للعملة، الأمر الذي قد يحرك المستثمرين للمحافظة على قيمة ثرواتهم، عبر الاعتماد على الأدوات المالية الأكثر أمانا، مثل الذهب والسندات، والتي سيرتفع سعرها كذلك، لينتج عنه إفلاس شركات عديدة نتيجة تغير سلوك السوق”.
وتأتي المخاوف من اندلاع حرب حقيقية، بعد أن حشدت موسكو عشرات الآلاف من الجنود على الحدود الأوكرانية في تمهيد لغزو متوقع في فبراير القادم، الأمر الذي أثار حفيظة واشنطن ودفعها لترسل تحذيرات جدية بمشاركتها مع حلفائها بالرد بحزم على أي تحرك روسي تجاه أوكرانيا.