اقتصادي – خاص:
ألغت السلطات التركية، يوم الخميس، الحماية المؤقتة الخاصة عن مئات اللاجئين السوريين في البلاد، وأبلغتهم ذلك عبر رسائل، على هواتفهم المحمولة، مبررة قرارها بعدم تواجدهم في مكان سكنهم المسجل لدى دائرة الهجرة التركية، إلا أن تلك ليست الخطوة الأولى التي تستهدف بها تركيا اللاجئين السوريين، ما يدل على رغبة أنقرة تحريك ورقتها في الملف السوري للضغط من أجل ضمان مصالحها في المنطقة.
وسبق لتركيا أن منعت في 23 فبراير الماضي، الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت الحماية المؤقتة، من تقييد نفوسهم في 16 ولاية تركية، و800 حي في 52 ولاية.
ويتم توفير الحماية المؤقتة من قبل الحكومة التركية للمواطنين السوريين، فضلا عن الأشخاص عديمي الجنسية واللاجئين من سوريا، الذين جاءوا إلى تركيا بسبب الأحداث في سوريا بعد 28 أبريل 2011.
وتأتي الممارسات التركية في إطار خطة سياسية ترغب عبرها أنقرة القول للاتحاد الأوروبي أنها ستمنع تدفق موجات لجوء جديدة من أراضيها، بعد ظهور ملف اللجوء الأوكراني، ومحاولة في الوقت نفسه تحريك قضية انضمامها للاتحاد الأوروبي والتي لازالت معلقة حتى الآن.
وتركيا مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 1987. ويحاول الرئيس التركي منذ عدة أشهر إحياء العلاقات مع الشركاء الأوروبيين، بعد سنوات من القطيعة والعديد من الخلافات خصوصاً حول شرق البحر المتوسط، ومواقفه التي تعتبر عدائية تجاه اليونان وقبرص.
ويصل عدد اللاجئين السوريين الموجودين تحت الحماية المؤقتة في تركيا، 3 مليون و700 ألف شخص، بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 17 فبراير 2022.
وهذا الرقم الكبير من اللاجئين يمّكن تركيا من الضغط باتجاهين، فعودة تلك الملايين من البشر إلى سوريا وبدون تنظيم، يخلق مخاطر عودة الحراك الشعبي ضد النظام من جديد، ودون انتهاك لاتفاقية استانا، لذلك تتجه تركيا للاستفادة من تواجد ملايين اللاجئين على أراضيها لتثبيت تواجدها في أي حل إقليمي أو دولي للملف السوري أو حتى أي محاولة تواصل مع النظام للخروج بحل للأزمة السورية كما حدث منذ فترة عبر الإمارات دون تنسيق مع الحكومة التركية.
تزامن تحريك ورقة اللاجئين في تركيا، مع الحديث عن استثناء مناطق “الإدارة الذاتية” فقط دوناً عن مناطق ادلب ودرع الفرات، من عقوبات قانون قيصر، وهذا ما لا تريده أنقرة، التي تعاني كذلك من تضخم اقتصادي كبير، فتخفيض نسبة العمالة السورية وإفساح المجال أمام العمالة التركية أو حتى العمالة الأوكرانية كمحاباة للتوجه الأوربي الداعم لأوكرانيا، ما يدعم مطلب الرئيس التركي بإعادة النظر بانضمام تركيا للاتحاد الأوربي، وهي رسالة تهديد بذات الوقت أنه يمكن تحريك ملف اللاجئين السوريين إلى أوروبا.
وفي ذات السياق، يمكن لأنقرة تحصيل بعض المكاسب في حال تحريك ملف اللاجئين لدفع المنظمات الدولية باتجاه تفعيل دورها وأعمالها ومنح المعونات بعد الجمود الذي حصل نتيجة تغير خطط المانحين وأولوياتهم، الأمر الذي يساعد في ضخ مزيد من العملة الصعبة في أسواق تركيا، ويفتح أعمال للشركات التركية للحضور اقتصاديا بشمال سوريا كسوق واعدة للاستثمار.
وبالمجمل، يمكن القول إن هذا القرار لا يعدو كونه ورقة انتخابية يستخدمها “حزب العدالة والتنمية”، والتهديد بإعادة اللاجئين وإخراج أعداد كبيرة من نظام الحماية المؤقتة سيدفع بهم لتقديم الرشاوي لجهات مختلفة من أجل إعادتهم إليه، الأمر الذي يفاقم أعباء اللاجئين السوريين ويجعلهم عرضة اكثر للانتقاد والابتزاز من مختلف الجهات ، أو قد يوجه أنظارهم مجدداً باتجاه طريق اللجوء إلى أوروبا خاصة وأن معظم السوريين في تركيا من أصحاب المهن الذين هم من أكثر الفئات هشاشة في المجتمع وليس لديهم مايخسروه، ولن يقتصر الأمر على من وصلته رسالة الإلغاء بل سوف يشمل هذا التحرك الجميع، فجميع اللاجئين السوريين يشعرون بعدم الأمان وهي حجة تضاف إلى التضييق المجتمعي للأتراك على السوريين.
قد يشعر الأتراك ببعض الانفراجات الاقتصادية المؤقتة إثر هذا التحرك واذا استمرت هذه الضغوطات، وقد يشمل ذلك انخفاض الأجارات وتخفيض الطلب على السلع الأساسية ما يؤدي لانخفاض الأسعار، إضافة إلى انخفاض مؤقت في سعر صرف الدولار، نتيجة انخفاض الطلب على السلع.
لكن هذا الانخفاض مؤقت ووهمي، فانخفاض الطلب سرعان ما سينعكس على تقلص الأعمال، فضلاً عن عدم توفر البديل الذي يسد فجوة غياب العمالة السورية التي ستنسحب، حتى الطلب سرعان ما يتوازن مع العرض ليعود السعر ويرتفع نتيجة ارتفاع التكاليف..
ان مسألة بقاء السوريين تحت وطأة التجاذبات الانتخابية وتطلعات تركيا المؤقتة، سيفضي إلى خسارة أنقرة ولاء السوريين، ولن يكونوا حاضنة لها عند انطلاق أي حل سياسي وبالتالي ستفشل استثماراتها المستقبلية.