اقتصادي – خاص:
رفضت مجموعة السبع دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل، في حين هددت موسكو بقطع الإمدادات، وبحسب مجموعة «لوكو إنفست» للاستثمار، تشكّل الدول التي تم تصنيفها «غير صديقة» أكثر من 70% من الجهات المستوردة للطاقة الروسية من حيث الإيرادات، حيث تنتج روسيا 10.331 مليون برميل نفط يوميًا إضافة الى إنتاج من مكثفات الغاز يبلغ 46.53 مليون طن.
هل ينجح بوتين بكسر العقوبات عبر فرض الروبل على أوروبا؟
إن طلب بوتين الدفع بالروبل غير قابل للتحقيق، لأن المصرف المركزي الروسي غير قادر على طباعة كمية كافية من العملة الورقية، كما أن هذا الطلب قد يؤدي إلى فقدان السيولة من الأسواق الروسية وهو لن يساهم في تخفيض معدلات التضخم بالأسواق.
إن ارتفاع قيمة الروبل أمام الدولار ليس إلا حركة مضاربة ينفذها الأولغارشيين الروس بالأسواق الروسية للإشارة أن قرارات بوتين تنتصر بالاقتصاد لكن دون أرضية تستند إليها!، فلا زالت العقوبات مستمرة ولازالت المقاطعة مستمرة.
قد يفترض البعض أن الأموال من الروبل التي سيتم تسديدها ثمناً للطاقة والسلع الأخرى سيعاد تدويرها، أي تباع للأوروبيين وعند السداد تعاد من جديد لروسيا ليعاد بيعها لـ” لغير الاصدقاء “، أو أنها عبارة عن قيود محاسبية بين البنوك لا أكثر، وبالتالي فإن عملية البيع لن تقود إلى تضخم أو زيادة في المعروض النقدي بالسوق لأنها عمليات تسوية لا أكثر، إلا أن ذلك الطرح غير صحيح اقتصادياً وغير قابل للتطبيق، فإذا ما عدنا لكمية الأموال المطلوبة بناء على الصادرات الروسية من النفط والغاز، نجد أنه من الصعب توفر هذه الأموال فزيائياً بشكلها الورقي وعند الطلب، وفي حال وجدت سينتهي الأمر بالاقتصاد الروسي غارقاً بتضخم جامح مشابه لما حدث في المجر عام 1945، فالتضخم هو أحد أهم أسلحة الحرب التي يستخدمها الدولار ضد خصومه.
أما الاعتقاد بأن الطرح لا يتعدى عن قيود محاسبية بين البنوك، فذلك يتجاهل العقوبات المفروضة على البنوك الروسية، ويفترض تهاون بنوك دول الناتو في كسر العقوبات على البنوك الروسية، فضلاً عن إعادة البنوك الروسية إلى نظام “سويفت” للدفع المالي، كما ان امتلاك روسيا للدولار واليورو لا يعني قدرتها على النفاذ الى اقتصاديات الدول الغربية.
لذا طلب بوتين دفع قيمة الصادرات الروسية من الغاز بالروبل رغم العقود السابقة بينه وبين “الدول الغير صديقة ” حسب تعبير بوتين، قد يقود إلى إيقاف شراء النفط والغاز، وسيعود بروسيا إلى ماقبل القرن الـ ١٩٦٠، ليس فقط بسبب ضياع سوق دول الناتو، بل نتيجة تحول روسيا إلى منتج غير موثوق فيه بتنفيذ التزاماته حسب الاتفاق من جهة، وحرمانه من التكنولوجيا الغربية كلها.
فقد اعلنت دول السبع الصناعية ( كندا _اليابان _ أمريكا _فرنسا_ إيطاليا_ ألمانيا_ بريطانيا) رفضها الدفع بالروبل وهو ما يعني استمرار العقوبات الاقتصادية على روسيا .
هل يمكن للصين أو الهند أو غيرها من الدول التي تطمع بطاقة رخيصة، أن تحل محل دول الناتو؟
لن تستطيع الهند والصين شراء كامل الطاقة المنتجة من روسيا والتي كانت تحصل عليها الدول المستهدفة بقرار الدفع بالروبل، فالصين والهند مرتبطتان بعقود أخرى، إضافة لعدم توفر أماكن تخزين لهذه الكميات.
وعلى الرغم أن الوقت الذي تحتاجه لتجهيز بنى تحتية لاحتواء الكميات المستوردة من روسيا تمتد من 6 أشهر إلى سنة، وهو ذات المدة التي تحتاجها دول أوروبا لتنهي اعتمادها على النفط الروسي، والتي ستصبح الهند والصين عندها جاهزتين لاستقبال الطاقة القادمة من روسيا ، إلّا أن ذلك التوجه سيضر بالمكانة التي تطمح هاتان الدولتان للوصول إليها كدول عظمى ، ولن ترضى ان تصبحا سوق ظل لروسيا بإعادة بيع النفط والغاز وتعملان كسمسار، حتى لو كانتا ستحصلان عليه بسعر تفضيلي من جانب .
ومن جانب آخر، ومع ارتكاب روسيا انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان خلال غزو اوكرانيا، لن يكون عقد صفقات مع مثل هكذا دولة أمراً محبباً في المجتمع الدولي، فذلك سيجر على كل من الصين والهند في حال تعاملهما مع روسيا، عداءً هما بغنى عنه، وتحديداً مع معاناتهما من أزمات سياسية واقتصادية داخلية.
كما أنه في حال استوردت الصين المتوقع بحدود ٤ مليون برميل(٣٠%) والهند ٣ مليون برميل (٦٠% من حاجتها) من روسيا ، فذلك يتجاوز حاجتها المحلية وستقوم ببيع الفائض منه، ما يؤدي إلى ارتفاع المعروض في سوق النفط منه لتنكسر معه حدة ارتفاع الأسعار ، او انها ستلغي بعض عقود التوريد من دول مثل العراق ونيجريا والسعودية وحتى ايران المرشحة لضخ ٢.٥ مليون برميل يوميا خلال الفترة القادمة في حال تم الاتفاق النووي، وبالتالي خسارة هذه الأسوق مع ذهاب كمياتهم من النفط الى البورصة ومنه إلى دول الناتو التي تحتاج الى النفط والغاز.
كما ان السعر التفضيلي المغري قد يفقد امتيازه مع عودة الامارات لرفع انتاجها بمعدل ٦٠٠ ألف برميل تنفيذاً لاتفاق سبتمبر ٢٠٢١ “أوبك بلاس”، كما أن السعودية سوف ترفع الانتاج لتعويض الخسائر الناتجة عن قصف خزانات “أرامكو” من جهة وعودة الاغلاقات بسبب كورونا والتي بدأت بالصين من جهة ثانية، دون ان ننسى ان تغير جهة استيراد الصين والهند للنفط قد يغرق الاسواق بالنفط.
مشاكل مرتقبة ومرتبطة بسوق الطاقة في روسيا
لن تنحصر مشاكل روسيا فيما بعد بآلية التسديد والخسائر جراء توقف ضخ النفط بالأنابيب، ولا حتى الاستثمار بالأنابيب، والمحافظة على الإنتاج ، الذي من المتوقع أن ينخفض خلال أسابيع مليون برميل بسبب غياب قطع التبديل، أو الناتجة عن توقف تطوير الحقول ، إنما ستصبح أكبر مشاكلها هو استبعادها كمورد موثوق فيه، وهذا بسبب العقوبات من جهة وبسبب القرار الخاطئ باعتماد الروبل للدفع والاجبار به، فعدم وجود مستوردين للنفط، خاصة وأن الصين والهند لم تبديا موافقة رسمية بعد على استيراده، سيدفع موسكو لبيع نفطها في أسواق الظل الأمر الذي يؤدي لخسارة كبيرة يتحملها الاقتصاد الروسي لأن النفط في تلك الأسواق يباع أقل من السعر العالمي لحد ٦٠%، كما أن اعتماد الروسي على الصين أو الهند في شراء النفط على افتراض قدرتهم عل استيعاب الكمية من روسيا، لن يكون بمصلحة الأخيرة فذلك سيجعلها أسيرة لأسواقهم وتابعة لهم خاصة في ظل العقوبات، وحتى مع استخدام اليوان والروبية لن يكون ذلك مجدياً فتلك العملتين غير قابلتين للتداول، وستمتد الخسارة لتشمل باقي السلع التي تصدرها روسيا .
إن مراهنة الروس على احتلال أوكرانيا ومن ثم القيام بالتفاوض كما حدث في سوريا و حتى ليبيا، هو رهان خاطئ، وكذلك الأمر بالنسبة للاعتقاد بأنه يمكن الاعتماد على حاجة الدول الفقيرة لبيعها السلع التي تنتجها روسيا، فالدول المانحة لتمويل مشتريات تلك الدول لن ترضى للدفع لروسيا.
مهما كانت نتيجة الحرب فقد خسرت روسيا اقتصاديا … لكن يبقى السؤال من يريد أن ينضم لحلف الخاسرين … ونحن مقبلون على الربيع الدافئ وموسم الحصاد؟