اقتصادي – خاص:
تسلك الحوالات المالية القادمة من الخارج إلى سوريا طريقاً طويلاً لا يخلو من الصعوبات والمعوقات التي تتركز في معظمها على قضم نسب من تلك الأموال لحساب شركات الصرافة، في حين ينتهي المطاف بتلك الحوالات في خزينة النظام.
وبحسب معلومات حصل عليها “اقتصادي” من لاجئين سوريين في عدة دول أوروبية، أوضحوا طريقة إرسال الحوالات لذويهم في الداخل السوري وما يواجهونه من معوقات في كل مرة، تحديداً في إيجاد شركة (هم مجموعة أشخاص يعملون لصالح شركة حوالات).
وتمر معظم الحوالات القادمة من أوروبا إلى الداخل السوري عبر تركيا، بينما تحول طريق الحوالات من الدول العربية إلى إربيل عوضاً عن لبنان بسبب صعوبة التحويل منه.
وتكلف المرحلة الأولى إلى تركيا وعبرها بين 2-5% من قيمة الحوالة، بعد ذلك يجري إرسال المبلغ إلى مناطق الشمال السوري (الإدارة الذاتية أو مناطق درع الفرات، وفي النادر إلى إدلب) وكلفة هذه المرحلة ضمن المرحلة الأولى.
أما انتقال المبلغ إلى مناطق سيطرة النظام فيكلف بين 5-10% من قيمة الحوالة، لكن الصعوبة في هذه المرحلة تتمحور بالعثور على شركة تجري التحويل، يضاف إلى ذلك عدة عوامل هي:
– توقف الحوالات بين يوم الخميس وحتى السبت، ما يفتح المجال للتلاعب بسعر الصرف، حيث يتم تأجيل الحوالات من ظهر الأربعاء وحتى السبت.
– اختلاف سعر الشاشة عند التحويل عن السعر المتداول على صفحات وتطبيقات سعر الصرف، ويتراوح الفارق بين السعرين بين 10 -25 ليرة، أي ١٠٠ دولار تخسر 25 ألف ليرة ما يعادل نصف راتب موظف.
– عند تسليم المبلغ بالليرة السورية، فإن اللغط بين سعر البيع وسعر الشراء يكون مجال للضغط النفسي والتأخير، كما أن سعر الشراء بالشاشة هو الأقل ويعتمده الصراف عند تسليم الحوالة على اعتبار أن شراء الدولار تم بعملية تخيلية، أما عند تسليم المبلغ بالدولار (في حال كان متوفراً) فيتم ذلك عند سعر المبيع الأعلى، ما يشكل خسارة مضافة على الحوالة.
– إضافة كلفة التنقل مع ارتفاع سعر المحروقات، إلى التكاليف المترتب دفعها، بينما في حال قامت شركة حوالات بالعملية كحوالة داخلية، فيجري أيضاً تخفيض قيمة الحوالة بحوالي 5-10 ليرة لكل دولار، لتصل قيمة الكلف المضافة على الحوالات إلى 18-20% من قيمتها.
– عدم توفر الدولار، وفي هذه الحال يتم استبدال كل 100 يورو بـ 100 دولار أو 112 بـ 100 دولارـ إضافة إلى عمولة 10% تزيد أو تنقص حسب التفاوض والمنطقة التي سوف تسلم عبرها، وأسهلها مناطق الادارة الذاتية وأصعبها بحمص والساحل.
من المستفيد من دولار الحوالات؟
يسود اعتقاد بأن الأشخاص العاملين مع شركات ومكاتب الحوالات، هم المستفيدون من تلك الحوالات،
والذين ينبغي أن يكونوا موثوقين بسبب العقوبات المفروضة من أوروبا على سوريا، والتي تجعلها تسلك طريقاً غير شرعية.
إلا أنه وحسب معلومات من مصادر خاصة لـ”اقتصادي”، تبين أن نسبة أولئك الأشخاص لا تتجاوز الـ1%، علماً أن الحوالات قيمتها أقل من 500 دولار وبالتالي فإن مرابحهم قليلة جداً لا تتناسب مع المخاطر التي يتحملوها، في حين أن المستفيد حسب شهادات منهم هي شركات الحوالات.
وباتت شركات الحوالة العاملة في مناطق النظام محدودة بعدة شركات هي الفاضل والمتحدة والهرم، بعد قيام النظام بإغلاق معظمها، وتشدده بالسياسات النقدية بحجة مكافحة التضخم، بينما السبب الحقيقي هو خلاف بين تيار رامي مخلوف وتيار أسماء الأسد.
ويوجد في مناطق الشمال السوري شركات وسيطة تتقاضى نسب على الحوالات لا تتجاوز الـ1% أيضاً، بينما يصب دولار الحوالات في نهاية المطاف في يد النظام الذي يمنح شركات الحوالات في مناطقه ربح بقيمة 15%.
إن الكشف عن خفايا وحجم الأموال التي يستفيد منها النظام، يطرح تساؤلاً قديماً يتجدد في كل مرحلة، لماذا لم تنجح المعارضة السورية بإيجاد طريقة لحماية أموال السوريين ومكافحة أي عملية تمويل للنظام من دولارات المعارضة؟
لماذا لم تنجح المعارضة باستغلال أرباح الحوالات، لتمويل مؤسساتها بدل الاعتماد على المانحين الذين تذهب أموالهم إما للصرافين في تركيا أو في سوريا؟
أهملت مؤسسات المعارضة هدف حماية السوريين وممتلكاتهم وأموالهم، وركزت اهتمامها على إسقاط بشار الأسد، حتى عندما حاولت مؤسسة النقد التابعة لحكومة الانقاذ تنظيم عملية الصيرفة كانت أشبه بعملية استيلاء وسرقة أموال منهم مقابل السماح للصرافة بسرقة المواطنين والتعامل مع شركات النظام، فتحول عملهم لأتاوة بعيداً عن تنظيم الموضوع، وكذلك الحال في مناطق الشمال السوري، حيث يتحاصص الصرافة الأموال مع النظام وقسد، وهم شركاء في تقاسم كل ما يصل من الخارج.
ويلعب تشدد الدول في إرسال الحوالات إلى سوريا، وعدم المساعدة على إيجاد وسيلة لإيصال المبالغ للسوريين في الداخل، يجعل رسوم العاملين في هذا المجال مرتفعة، ويدعم ذلك تشدد النظام على التعامل بالدولار، كل ذلك يساعد في وصول القطع الأجنبي إلى خزينته ويمنع المواطنين من اكتنازها.
لابد من قطع صنبور الدولار عن النظام بإيجاد شبكة حوالات وهو ليس صعب، فالصرافين ومؤسسة النقد تملك المليارات من العملة السورية، والأمر يحتاج فقط الى مأسسة، والتي تحتاج بدورها إلى ايضاح الفائدة وآلية الادارة وهنا الصعوبة.