اقتصادي – خاص:
أعلنت الولايات المتحدة، يوم الأربعاء، إنها ستسمح ببعض الاستثمار الأجنبي في مناطق تقع في شمال شرق سوريا خارج سيطرة الحكومة دون أن تخضع لعقوبات، في وقت أشار فيه ديبلوماسي أميركي إلى أن هذه الاستثناءات ستشمل مناطق غرب الفرات أيضاً.
ونقلت وكالة “رويترز” عن فيكتوريا نولاند القائمة بأعمال مساعدة وزير الخارجية الأمريكية في مراكش خلال اجتماع للتحالف العالمي ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” أن واشنطن ستصدر رخصة عامة تحرر الشركات من قيود العقوبات الأمريكية.
وبينت نولاند إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى مساعدة منطقة كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية سابقا.
وأضافت “الولايات المتحدة تعتزم خلال الأيام القليلة المقبلة إصدار رخصة عامة لتسهيل نشاط الاستثمار الاقتصادي الخاص في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام والمحررة من تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا”.
ويمكن اعتبار أن القرار الأميركي جاء نتيجة عدة إشكاليات، أولها وجود شركات وقواعد عسكرية أميركية تعمل بمناطق الإدارة الذاتية، وهي مناطق مختلطة مرتبطة مع النظام بدفع عشرة آلاف برميل نفط لصالح النظام، وهذا ما يجعل الأميركيين خاضعين لعقوبات قانون قيصر في حال رفع أي مكتب محاماة دعوى على هؤلاء المقاولين أو القواعد العسكرية الأميركية ووزارة الدفاع.
أما النقطة الثانية فتتلخص بإنشاء مشاريع واستثمارات أميركية مستقبلا، تم توقيعها مع الإدارة الذاتية وقيادات الصف الأول من قسد بعد زيارات قامت بها إلى الولايات المتحدة، وطالبت بوجود استثمارات في مناطق الإدارة الذاتية، كما أن منظمات كثيرة زراعية وإنسانية تعمل في شمال شرق سوريا، وتتخوف من الخضوع لعقوبات قانون قيصر نتيجة وقوع خطأ غير محسوب.
أما النقطة الثالثة، فهي تأمين تمويل لمناطق الإدارة الذاتية بعيدا عن التمويل الأميركي، ومنحهم نوعا من الاستقرار المالي بعيدا عن الموارد المالية المتوفرة حاليا.
كما نقلت “رويترز” عن دبلوماسي ناقش القضية باستفاضة مع المسؤولين الأمريكيين، دون الكشف عن اسمه، إن “الترخيص سينطبق على الزراعة وأعمال إعادة الإعمار، وليس على النفط”.
وقال الدبلوماسي إن “أنقرة تعتبر (قوات سوريا الديمقراطية) جماعة إرهابية، لكنها لن تعارض الترخيص لأنه يغطي الاستثمار في كل من المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والمنطقة التي تسيطر عليها الجماعات التي تدعمها.
ويعتبر الموقف التركي عاملاً حاسماً في إمكانية تطبيق هذا القرار، فأنقرة تتخوف من استقلال الأكراد وأطماعهم بإقامة دولتهم المستقلة (جنوب تركيا، شمال شرق سوريا مع كردستان العراق)، لذا ستسعى للحصول على ضمانات بعدم السير في هذا المنحى، من خلال مفاوضة الكرد على منحهم استثناءات من عقوبات قيصر، مقابل إجبارهم على إمدادها بالنفط والقمح عبر بيعه لمناطق غرب الفرات الموالية لأنقرة، لتستفيد من هذا الموضوع في ظل أزمة الطاقة والغذاء العالمية أولاً، ولتضمن ضعف الأكراد مع سحب النفط منهم ثانياً، وإمكانية التدخل متى شعرت بالخطر بحجة الدفاع عن مصالحها.
ولكي تقبل أنقرة بأن تدخل الشركات الأوروبية والأميركية إلى مناطق شمال شرق الفرات، ستطالب بالسماح للشركات التركية بالدخول لتنفيذ إعادة مليون لاجئ سوري إلى الشمال السوري وفتح مناطق غرب الفرات على مصراعيها للشركات التركية.
بالمقابل، إن رفع العقوبات عن “جبهة تحرير الشام” سيقويها وسيخلق صراع بينها وبين “الجيش الوطني” بهدف ادارة المنطقة بشكل وحيد، كما أن عدم وجود إدارة مدنية حقيقية والتخبط في تلك المناطق يجعل القرار دون فائدة للمواطنين، وقد يفتح المجال أمام شركات تركية للسيطرة على غرب الفرات، فيما ينفرد الأكراد في شرقه، ما يكرس التجزئة ويجعل أي حوار سياسي جامع للجغرافية السورية مستحيلاً.
إن تطبيق قانون قيصر ومنح استثناءات منه بهذا الشكل، هو اتجاه واضح لتقسيم البلاد على هيئة كانتونات، فتلك الاستثناءات تمنح مناطق الإدارة الذاتية امتيازات على حساب باقي المناطق، كما أنه قد يكون عاملاً يحدد شكل المعركة بين النظام والإدارة الذاتية ويحولها لتفاهمات اقتصادية، لأن “قسد” الآن بدأت تمتلك شرعية دولية لتصرفاتها، وهذا أمر هام ولم تحصل عليه باقي فصائل المعارضة.
وتبقى قيمة الأموال التي قد تحصل عليها الإدارة الذاتية من مؤتمر بروكسل، والذي من المزمع تخصيصه لتطوير بعض البنى التحتية الخاصة بالمنشآت والمشاريع، غير واضح حتى الآن!
إن استثناء قانون قيصر الآن لن يكون أكثر من ورقة لتأجيج الصراع، وأداة في صالح حصول النظام على دعم عربي باعتبار أنه من يحمي وحدة سوريا من التقسيم، كما أنه يتيح للنظام التلاعب بالعداء الإثنيّ على اعتبار بأن “قسد” باتت تمثل الأكراد (وإن كانت هذه مغالطة) وأنها تسرق الثروات لصالح الأمريكان والإسرائيليين..
أما لجهة الشركات الأجنبية، فمن المرجح أن تقبل على الاستفادة من هذه الاستثناءات، لتنفيذ عقود قديمة لها في المنطقة، بحيث تستفيد من ضعف الإدارة الذاتية وتحقق امتيازات على المدى الطويل.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية أقرت قانون قيصر عام 2019، ودخل حيز التنفيذ في حزيران 2020. وشمل عشرات الكيانات والأشخاص الداعمين لنظام الأسد والمرتبطين به، كما تضمن عقوبات على رأس النظام بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد.