اقتصادي -خاص:
مقدمة مع تزايد امكانيات واحتمالات حصول التغيير السياسي وسقوط النظام الدكتاتوري في سوريا، تتأكد الحاجة الى ان تبدأ القوى النشطة من سياسيين وناشطين بالانتقال من حالة المعارضة والنقد الى حالة الدولة والسلطة وتحقيق الأهداف، ولا يتجسد هذا الانتقال في تبدل الحالة النفسية والشعورية باختلاف طرق الخطاب لدى المعارضين فقط، وانما في توجههم نحو وضع خطط ومشاريع للدولة المستقبلية ورسم السياسات وتشكيل مؤسسات الدولة وتحديد آلية عملها، بعد تصحر دام عقود.
في هذا الجزء وصلنا الى السؤال الهام الذي سوف يحدد وجه المشروع الوطني بكل نواحيه الاقتصادية الاجتماعية والسياسية … ايهم الافضل للثورة السورية أعادة بناء الدولة ام اعادة هيكلتها..؟!! ان اجابة على هذا السؤال لا يحدد اتجاه الثورة فقط وانما يبلور اتجاه سوريا بحاضرها ومستقبلها.. ولا يمكن تجاوز هذا السؤال لأنه ان لم يطرحه ساسة المعارضة الآن من تلقاء أنفسهم سوف تطرحه القوى العالمية، لكن لن تكون الاجابة من اختيارهم كما لوهم طرحوها، انما هناك قوالب للإجابة تناسب هذه القوى حتى لو كان تأثيرها على سوريا هو سرقة الثورة وتدمير سوريا وتمني لو ان يوم 15 اذار لم يأتي وهذا هو الكارثة…؟!!!!!!!!
ايهم الافضل للثورة السورية أعادة بناء الدولة ام اعادة هيكلتها..؟!!
في البداية للإجابة الى هذا السؤال لابد من اجابة على سؤال معرفي ماذا يعني اعادة بناء دولة؟ و ماذا يعني اعادة الهيكلة؟، من اجل أن يستطيع الشعب السوري اذا أخذ رأيه نتيجة تضحياته العظام، المفاضلة بين نموذجين “إن صح التعبير”.
1. المقصود بإعادة بناء الدولة :
يعني مفهوم اعادة البناء، الهدم ثم البناء، وبالتالي إعادة بناء الدولة يعني تدمير جوهر المؤسسات القائمة في المجتمع “على مبدأ الفوضى الخلاقة” والعمل على اعادة بناءها وفق رؤية خاصة، مما يؤدي الى حدوث تغيير جذري في بنية وثقافة المجتمع وإعادة انشاء النظام السياسي والاقتصادي والإداري الجديد وفق تلك الرؤية … الخ.
يثير هذا المفهوم العديد من التساؤلات حول من يقوم بهذه المهمة، والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، وهل المجتمعات المحلية قادرة على اعادة بناء الدولة وماهي التجارب التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال.. الخ
إن التجربة التاريخية لحركة المجتمعات التي تسير وفق اتجاه واحد، رغم تنوعها تشير ان اعادة بناء دولة تتطلب قوى اكبر من القوى الموجودة في ذلك البلد لتوفر الخبرة السياسية المعاصرة وخصوصاً بالنسبة للدول التي لا تمتلك نخب سياسية وثقافية، وأحزاب سياسية وبرلمان وحتى تشريعات البرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسة الدينية والمؤسسات الفاعلة على الساحة السياسية والثقافية، لفرض الالتزام بشروط إعادة بناء الدولة المتفق عليها في الجماعات التي شكلت المجتمعات الموجودة في تلك الدول” وخصوصا اذا كانت تحوي اكثر من عرق او اثنية او دين ..الخ” وان تسير نحو اعادة بناء دولتها بدل من الاتجاه نحو الفوضى والحرب الاهلية وهو ما قد تنفرد به دولة عظمى للقيام بهذه المهمة، أو قد يقوم تحالف دولي مكون من عدد من الدول، وقد تلقى المسئولية على المجتمع الدولي ممثلا بمنظمة الأمم المتحدة ( رغم ان الأخيرة “الأمم المتحدة ومنظمتها” لم تنجح عبر تاريخها سوى بمجال الإغاثة الإنسانية وحماية حقوق الإنسان، ومعظم نجاحاتها مصحوبا بتأخر زمني كبير من قبلها..؟!!)، ولابد من الاشارة ان استخدام دولة عظمة او هيئة عادة يكون له ثمن باهظ على مجتمعات التي ترغب بإعادة بناء دولتها، فهي تتراوح بين فرصة السيطرة على هذه الدولة التي يعاد بناؤها من خلال احتلالها مباشرة او غير مباشرة، أو إعادة بناءها وفق محددات تتفق مع مصالحها لا مصالح دول الراغبة بإعادة بناءها فقط نتيجة الخبرة السياسية المعاصرة المستخدمة من قبل تلك الدول العظمى، من حيث اعادة تقسيم الدول بحسب الأهمية الاستراتيجية للإقليم الذى تقع به الدولة المراد إعادة بنائها، ووزنها النسبي في نطاق هذا الإقليم، فكلما كان وزنها النسبي كبيرا، كان لهذا تأثير واضح على عملية إعادة البناء، كما تتمثل أيضا في الظروف والأوضاع الداخلية الخاصة بمجتمعات هذه الدول وهنا، تبرز أهمية التركيبة الاجتماعية لشعوب هذه المجتمعات، فالمجتمعات ذات الطبيعة التعددية، اثنيا وعرقيا وطائفيا ودينيا عادة ما تواجه صعوبات حادة في عملية إعادة بناء الدولة، بخلاف المجتمعات ذات الطبيعة الموحدة، الذي يبدوا تأثيرها الواضح في الإنجاز الذى يتحقق، ففي الدول ذات المجتمعات الموحدة أو شبه الموحدة حققت انجازات نوعية متميزة كاليابان وألمانيا، في حين أن المجتمعات ذات الطبيعة التعددية العرقية والطائفية لم يتحقق بها الإنجاز بنفس القدر بل يمكن القول انها فشلت في عملية اعادة البناء المرغوب بها كما في الحالة العراقية والأفغانية، التي انتهت فقط بالمحافظة على مصالح الدولة العظمى التي استخدمت في اعادة بناء هذه دول.
ان تحليلاً مقارنا لنماذج الدول التي تم اعادة بناءها باعتماد على دول عظمى من النموذج الياباني والألماني والأفغاني والعراقي مع اسقاط تجارب هذه النماذج على الحالة السورية، لإيضاح النتائج للشعب سوري إن هم اتبعوا مفهوم إعادة بناء الدولة، ذلك أن النماذج المشار إليها سابقاً تشترك في بعض الجوانب وتختلف في البعض الآخر، وفيما يلى نوضح أوجه الاتفاق والاختلاف مع تفسير العوامل التي أدت إلى ذلك في كل حالة من هذه الحالات:
أولا- إن هناك طرفا دوليا ذا ثقل يقوم بدور اللاعب الرئيسي في إعادة بناء الدولة، الولايات المتحدة كانت اللاعب الرئيسي في اليابان وألمانيا وأفغانستان والعراق، وفى الحالة السورية نجد هناك عدد من اللاعبين، بعضهم مباشر والاخر غير مباشر لكن المميز فيهم، هو عدم الرغبة في تبني دور لاعب رئيسي في بناء الدولة السورية من خلال اتخاذ موقف حاسم من وضع الامني الداخلي وربما يعزو ذلك للعامل الثاني.
ثانيا- إن هناك مصالح اقتصادية واستراتيجية للدولة التي تقوم بدور اللاعب الرئيسي، ومن ثم فهي تسعى إلى إعادة بناء الدولة وفقا لنموذج معين يتوافق مع رؤيته هذه، اما في سوريا فالأمر مختلف كلياً فهناك مصالح عدة دول بعضها عظمى وبعضها الاخر اقليمي، إلا ان جميع هذه الدول لا تملك مصالح جوهرية مباشرة في سوريا تشجعها على اخذ مبادرة حقيقة في تبني مشروع اعادة بناء الدولة كما في النماذج السابقة، وهذا ما شاهدناه خلال عام والنصف من الثورة في تعامل الدولي بشأن الملف السوري على عكس الملف المصري والليبي.
ثالثا- أن القضاء على عناصر القوة السابقة للدولة محل إعادة البناء كان هدفا رئيسيا للدولة العظمى متبنيه اعادة بناء في احد النموذج المذكورة سابقاً، وإن اختلفت الوسائل والأساليب، وربما تبدو أساليب تفكيك هذه العناصر واضحة ومباشرة في الحالتين الألمانية واليابانية ففي ألمانيا، فرضت سلطات الاحتلال عدة سياسات، منها الاستيلاء على المصانع الألمانية، وتحويل الصناعة الحربية إلى صناعة مدنية، وفرض ضرائب باهظة على الشعب الألماني لتمويل نفقات الاحتلال، وترحيل الألمان إلى الخارج للعمل لخدمة اقتصاديات دول الاحتلال، وتحطيم الكارتلات الصناعية والاحتكارات الألمانية وتجزئتها، وفى اليابان تم تسريح القوات المسلحة اليابانية، ونص الدستور الياباني الذى صدر تحت إشراف الجنرال ماك آرثر، قائد قوات الاحتلال الأمريكي على أن الشعب الياباني يرفض إلى الأبد الحرب كحق من حقوق السيادة، ويرفض التهديد بالقوة أو استخدامها كوسيلة لفض المنازعات الدولية، كما تم إصدار قانون الإصلاح الزراعي الذى تم بموجبه تفتيت سلطة العائلات الإقطاعية، كما تم تفتيت الشركات الصناعية الكبرى باعتبارها مسئولة عن التوسع الياباني، وفى أفغانستان تم استخدام القوة العسكرية الأمريكية في القضاء على أكبر قدر ممكن من القدرات العسكرية والبشرية لتنظيم القاعدة وحكومة طالبان، أما في الحالة والعراقية فقد استغرق تفكيك عناصر قوة العراق مدى زمنيا طويلا ما يقارب ثلاثة عشر عام، اما في الحالة السورية ومن خلال التدقيق في الية تعاطي الدول العظمى “وحتى الاقليمي منها” مع الملف السوري بطريقة ضبابية من خلال عدم اخذ موقف واضح مما يجري فيها نتيجة عدم وجود استراتيجية واضحة للمصالح هذه الدول في سورية التي لم تبدي رغبة بتفكيك اي مؤسسة سورية وايضاح كيفية التصور التي ستكون عليها مستقبلاً، عدا ان ثقافة المؤسساتية في سورية لا توجد، لان المؤسسات تدار بواسطة اشخاص ذو علاقات مصالحيه معقدة (ضمن طبقة تكنوقراط) اقرب للنظام المفيوي بأمريكا في مطلع القرن العشرين، وبالتالي ان تدخل الدول لإعادة بناء دولة سورية من جديد يتطلب بناءها اخلاقياً من خلال تعزيز ثقة بمؤسسات الدولة السورية، وبالتالي احتمال دخول سورية بفوضى بسبب طبيعة العلاقات اكبر من استقرارها، في حين يهم الدول العظمى هو استقرار سورية امنياً بشكل عام، لأجل استقرار مصالحهم في دول اخرى ذات امتدادات جغرافية وعرقية ودينية.. الخ (ذلك حسب وجهة نظرهم) وهذا ربما العامل الرابع.
رابعا- أن التبشير بالديمقراطية والقيام بإصلاحات ديمقراطية شكلية على المستوى الداخلي، كانا قاسما مشتركا في النماذج سابقة ذكر، فقد كانت أوضح في اليابان، حيث توضح دراسة أمريكية أن الجنرال ماك آرثر قدم الحماية للحقوق المدنية، فحصل العمال على الحق في التنظيم والأحزاب وحصلت المرأة على حق التصويت، وحرية الرأي والتجمع، اضافتاً الى أن الدول محل إعادة البناء شهدت صدور دساتير جديدة ذات صبغة ديمقراطية، ففي أفغانستان صدق مؤتمر اللوياجيركا في الرابع من يناير 2004 على الدستور الأفغاني الجديد، الذى منح جميع مواطني أفغانستان رجالا ونساء حقوقا متساوية، وتضمن عددا من المبادئ المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان، كما شهدت هذه الدول إجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية أو الاثنتين معا، أما المستوى الخارجي في نماذج سابقة الذكر، جاءت حكومات تطالب باستمرار الاحتلال أو قبلت باستمراره لأسباب مختلفة.
أما في الحالة السورية فأننا نجد العكس تماماً حيث ان الدول الاقليمية اللاعبة لم تزد الحالة السورية داخلياً إلّا دكتاتوريتاً، من خلال دعم عمليات العسكرية للنظام بالجند والمال من جهة، ومن جهة أخرى دعم تسليح المعارضة على حساب دعم حراكها السلمي بشكل حقيقي، أضافتاً الى أستخدم البروغاندا الاعلامية التي تدفع للتسلح، اما الدول العظمى فلم يكن دورها افضل من الدول الاقليمية في تحركها.. فقد كان دورها سلبي حيث انها عمدت الى تعطيل القوانين الدولية مما ابقى حالة العنف على ماهي عليه مع زيادة الاحتقان الجماهير من تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية مما أدى الى انفجارها بالأشهر القليلة الماضية بشكل خطير على مستوى الحدود السورية دون ان يكون لها دعوات واضحة للإعلان عن اي ديمقراطية حتى خطة عنان التي عول عليها الشارع السوري الوطني “بغض النظر عن معارض او مؤيد اي رمادي” قد ولدت ميتة للخلوها من الازم الاطراف على تطبيقها وبالتالي يمكن القول لا يوجد رغبة بإقامة ديمقراطية من قبل الدول العظمى في سوريا.
خامسا- أن الاهتمام بإعادة البناء الاقتصادي كان عاملا مشتركا في السياسات التي اتبعت، وإن اختلفت المسميات والأساليب في هذا الصدد، وسنجد أن كلا من ألمانيا واليابان قد نجحت في الاستفادة من هذه الجهود، في حين أن النماذج الأخرى لم تحقق نتائج إيجابية في هذا الصدد فعلى سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات إلى أن بوشيدا رئيس وزراء اليابان قد بلور مشروعه المستقبلي الذى عرف باسم صفقة بوشيدا، التي تشير إلى إمكانية تحويل الهزيمة العسكرية إلى انتصار اقتصادي، حتى لو تطلب ذلك الخضوع للهيمنة العسكرية الأمريكية وبعد مضى خمس سنوات من الاحتلال، بدأت اليابان مرحلة الصعود الاقتصادي ،إلاّ أن الملاحظ في الحالتين الألمانية واليابانية أن ظروف البيئة الدولية والإقليمية التي تمثلت في بروز الخطر الشيوعي وتبلور الخلاف السوفيتي الأمريكي، قد كان له تأثيره الواضح على توفير البيئة الملائمة لتحقيق التطور الاقتصادي في ألمانيا واليابان، وهو ما لا يتوافر في الحالات الأخرى من العراقية الى الافغانية، أما الملف السوري فهو حالة مختلفة فعلى رغم من اختلاف واستقطاب واضح بين امريكا والغرب ومن خلفها الخليج العربي وتركيا من جهة، وروسيا والصين وايران من جهة المقابلة، إلاّ ان تدقيق بخطوات هذين القطبين نشاهد انهم حولوا الساحة السورية الى رقعة شطرنج وشعبها الى بيادق لتصفية الحسابات وتفاوض على قضايا العالقة بين هذين القطبين مهملين قضية الشعب السوري وديمقراطيته، بل على العكس قام كل من القطبين بتدمير المؤسسات الدولة وبناها التحتية والبشرية كلا على طريقته، فريق يبيع سلاح ويرسل المرتزقة وفريق اخر يحظر التعامل الاقتصادي مع مؤسسات الدولة، كل هذا في ضوء تصارع نخبة الحاكمة مع النخبة المعارضة على السلطة دون خطة واضح لآلية الحكم او تعامل مع الملفات الخطيرة في حال انتصار احدها..؟!!!!!.
سادسا- أن الجانب الثقافي كانت له مكانة واضحة في اعادة بناء دولة، أي أن الوزن النسبي للجانب الثقافي الذي ازداد، ففي اليابان ووفقًا لإحدى الدراسات الأمريكية تمت مراجعة المناهج الدراسية، وحظر المدارس الدينية ومراجعة وسائل الإعلام والآداب والفنون وتوجيهها نحو الترويج للقيم السليمة وتشير الدراسة إلى أن الجنرال ماك آرثر كانت له سلطة واسعة في مجال السياسة التعليمية، هذا بالإضافة إلى أن التلاعب الذى تم من خلال وسائل الإعلام أعطى لجهود الإصلاح وإعادة البناء القدر الملائم من الشرعية، وفى ألمانيا تم التركيز على إعادة تعليم الشعب الألماني بحيث يصبح شعبا محبا للديمقراطية، وتم حظر إنشاء الجمعيات ذات التوجهات الأيديولوجية، وإصدار نشرات صحفية تعبر عن القيم الديمقراطية الغربية، كما تم إنشاء مؤسسات تعليمية جديدة، وإعادة كتابة الكتب الدراسية بما يتفق مع الرؤية الغربية للمسئولية الجماعية للشعب الألماني عن جرائم النازية، وشهدت أفغانستان والعراق جهودا مماثلة بعد الغزو الأمريكي الأخير لهما، اما في سوريا ورغم ان الحديث مبكرا عنها الا ان الملامح الاولية بدأت تتشكل من خلال استقطاب طائفي مذهبي واضح بدعم من دول الاقليمية والعالمية عظمى في تغذية هذا الاستقطاب وتجسيده من خلال الشارع السوري الداخلي بشعارات طائفية مذهبية سواء من المؤيدين للنظام والمصطفين معه، او المعارضة بأطيافها، ومحاربة كل الاطراف لأي شعار ديمقراطي يطرح ..؟!!! وهو ما يثير الريبة.
سابعا- إن بعض الحالات اعادة البناء قد شهدت إعداد جيد مسبق وفقا لرؤية استراتيجية، وحالات أخرى افتقدت هذا الإعداد والرؤية لمرحلة إعادة البناء، فالنموذج الياباني يقدم مثالا واضحا على الإعداد الجيد ذي الرؤية الاستراتيجية فقد استندت السياسة الأمريكية في اليابان، بعد احتلالها، إلى ما يمكن أن نسميه بإعلان مبادئ محدد، وهو إعلان بوتسدام الذى أوضح المهام التي يجب على سلطات الاحتلال الأمريكي القيام بها، وإلى برنامج عمل يحمل القرار رقم 15/ 1380 JCS، الذى بين للجنرال ماك آرثر كيف يتجنب سياسة العقاب الجماعي، وكيف يستخدم سلطته لإقامة الجسور بين السلطة العسكرية الأمريكية والشعب والإمبراطور الياباني، كذلك الامر في المانيا، اما في العراق فكان الهدف الحقيقي الذي ظهر بعد اعوام من طرح مشروع اعادة بناء الدولة هو المحافظة على مصالح الامريكية وليس للنشر الديمقراطية، والملف السوري ليس ببعيد عن الحالة العراقية في غياب الاعداد والرؤية، والتي تكشفت من خلال عدّة مواقف ابتداء باللجان المراقبة العربية والدولية وتعطل عملها الذي يهدف نوعاً ما الى بناء مؤسسات الدولة من خلال الديمقراطية في انتخاب السلطة والمحافظة على مؤسسات الدولة، دون اي ضغط على الاطراف لتنفيذ هذه الاتفاقات، وليس إنتهاءاً بممارسات الدول المجاورة والاقليمية لسوريا، مع اللاجئين السوريين بايعاذ من الدول الاستقطاب كورقة ضغط في تفاوضات فيما بينهم بعيداً عن اي عامل انساني..
ثامنا- كان لطبيعة التركيبة الاجتماعية في المجتمعات التي شهدت محاولات إعادة بناء الدولة الوطنية، تأثيرها الواضح في الإنجاز الذى تحقق في هذا المجال، فقد تحقق إنجاز واضح في الدول ذات المجتمعات الموحدة أو شبه الموحدة كاليابان وألمانيا، في حين أن المجتمعات ذات الطبيعة التعددية العرقية والطائفية لم يتحقق بها الإنجاز بنفس القدر الحالة العراقية والأفغاني، ففي الحالة العراقية تؤكد هذه النتيجة، فلم يتحقق التوازن بين الحكومة المركزية في بغداد والسلطات المحلية ممثلة في حكام المحافظات الذين يتعاملون مع المحافظات التي يسيطرون عليها، باعتبارهم حكاما مستقلين لا يعيرون الاهتمام بالسلطة المركزية في بغداد ويرفضون الخضوع لها مثل كردستان ومحافظات الجنوب، بل إن أمراء الحرب ظلوا مسيطرين من الناحية الفعلية على الدولة، ونفس الشيء قائم في الواقع الافغاني .
وهذا يقود الى تساؤل عن نسبة نجاح إعادة بناء الدولة السورية، وتركيبتها الاجتماعية الى حد كبير تتشابه مع التركيبة الاجتماعية في العراق، أضافتا الى ان هناك تشابه حتى في طريقة التفكير الحزبية والدينية والسياسية بين تركيبات الاجتماعية في سورية والتركيبات الاجتماعية في العراق.
تاسعا- في معظم النماذج السابقة الذكر، نجد أن الدولة الرئيسية القائمة أو الراعية لعملية إعادة البناء تسعى إلى السيطرة على الجهاز الإداري في الدولة محل هذه العملية من اجل السيطرة على الموارد المادية لتحقيق مصالح الدولة العظمى الراعية وتغطية لتكاليف اعادة البناء، من خلال تعيين خبراء ومستشارين موالين لها سواء محليين او اجانب في جميع فروع الإدارة المركزية والمحلية وبالرغم من خضوعهم نظريا للوزراء الوطنيين، إلا أنهم من الناحية العلمية هم السلطة التنفيذية الحقيقية في البلاد، فلا يجرؤ أي مسئول وطني على مخالفة توجيهاتهم، حدث هذا في ألمانيا واليابان والعراق وأفغانستان.
اما في حالة السورية فان كل المؤشرات تشير الى عدم اهتمام الدول العظمى والاقليمية بالجهاز الاداري من خلال تصفيات جزء مهم منهم من قبل النظام الحالي وتهجير جزء اخر، أضافتاً ان سوريا بالأصل تعاني من عجز بالموارد المادية التي تمكن من تغطية تكاليف اعادة بناء الدولة السورية وهم لم يحركوا ساكن في مسائل تهريب احتياطيات البنك المركزي الى بنوك مجهولة الهوية عدا تحطيم كل ما شئنه ان يمد مؤسسات الدولة المستقبلية بالإمدادات المادية الازمة للقيام بأعمالها وبالتالي سيكون تبني دولة العظمى إعادة بناء الدولة السورية غير مغري لها.
عاشرا- هناك تشابه واضح بين السياسة العالمية في سورية الان والسياسة الأمريكية في العراق، فكلتا السياستين تروج لفكرة أن المقاومة الوطنية تعوق الشعب عن بناء دولته الجديدة، وكلتا السياستين تقوم على ان الشعب لا يملك طبقة سياسية متفقة وقادرة على إقامة سلطة في الدولة، وان قيامها سيكون محلا للغضب الشعبي، وأن لا حل في الافق سوى تحت الوصاية الدولية، كما أنهما تشتركان في جعل التهديدات بالحرب الطائفية وتمزق حدود الدولة تمثل أحد العوامل الدافعة والضاغطة للوجود الوصاية الدولية، إلا أن الاختلاف يتضح في أسلوب التعامل مع الثروة، ففي الحالة العراقية كان هناك اجماع دولي على ضرورة بناء دولة العراقية لتختصر فيما بعد ببناء وزارات الطاقة فقط، اما الحالة السورية فان العالم لا يملك اجماع رغم كل المجازر إلا على تمهل ريثما تتحدد تكاليف بناء الدولة السورية لعدم وجود ثروة “موارد طاقية” مغرية لتبني طرح اعادة بناء الدولة ومن سف يتبرع لدفعها.
حادي عشر- ازدياد دور الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة والمنظمات المعنية بالإغاثة الإنسانية بشكل واضح في الحالتين المعاصرتين بالعراق وأفغانستان، وذلك لإضفاء الشرعية من خلال المساعدة في تقديم الخدمات، كما يبرز في هذا الصدد مطالبة الولايات المتحدة حلفاءها بتقديم المساعدات المالية اللازمة لإعادة الاعمار في البلدين والملاحظ هو محدودية تأثير هذه المساعدات، خاصة أن الدول المانحة تشترط توافر الأمن والاستقرار كي تقوم بتقديم ما وعدت به(وهو شرط يبدو شبه مستحيل التحقق في ظل سير الأوضاع والظروف القائمة في سورية).
اذا كان هذا الوضع المالية في بلدين يعتبران من اغنى الدول باحتياطيات النفط والغاز، فما وضع سورية التي تعاني اصلاً من انحدار شديد بمستويات احتياطي الطاقة.. ؟!!!، وسرقة احتياطاتها نقدية وذهبية و بيع اثارها…الخ.
فيمكن هنا الاستدلال من واقع تجارب اخرى للدول تتشابه مع الوضع السوري، كدور الذى قامت به الأمم المتحدة في حالات الصومال ورواندا وكوسوفو وغيرها كان محدود التأثير، الأمر الذى يثير التساؤل حول الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة بالرغم من اختلاف الظروف الموضوعية المحيطة بعمل الأمم المتحدة من حيث أنها تمثل إطارا للتوافق بين الأطراف المعنية، في عملية إعادة البناء المنشودة من خلال العرض المتقدم، وهو عكس الحالة السورية التي هناك تعارض في الامم المتحدة.
ثاني عشر- إعادة بناء الدولة الناجحة في العصر الحديث، هما الحالتان الألمانية واليابانية، قد توافرت لهما بعض الشروط التي لم تتوافر بالنسبة للتجربتين الأفغانية والعراقية ولعل أبرز هذه الشروط وجود قدر ملائم من القبول الداخلي بالخضوع لإرادة دولة أو دول الاحتلال، فقد حدث هذا القدر من القبول في الحالة الألمانية تحت ضغوط شديدة من جانب دول الاحتلال على الشعب الألماني، وفى ظل توافق بين دول الاحتلال والأطراف المحيطة بألمانيا على ذلك، ومن ثم لم يكن هناك مفر من القبول الداخلي الألماني بالخضوع وتحقق هذا القدر من القبول الداخلي في اليابان، من خلال سحق القوة العسكرية اليابانية وتوافق الأطراف الإقليمية على ذلك بالإضافة إلى الدور الذى لعبه الإمبراطور ووسائل الإعلام للترويج لهذا القبول في الحالتين الأفغانية والعراقية، لم يتوافر القبول الداخلي أو التوافق الإقليمي أو التوافق بين القوى الدولية الفاعلة بشأن مستقبل الأوضاع في كل من العراق وأفغانستان من ناحية أخرى، فإن هناك اختلافا واضحا بين التركيبة الخاصة بالمجتمعين الأفغاني والعراقي عن المجتمعين الياباني والألماني.
اما الملف السوري فهو اشد اختلافًا وحساسية من الحالة العراقية او الافغانية، حيث هناك اجماع شديد وداعم لمقاومة الاحتلال في دول شقيقة لسورية(فلسطين–العراق-لبنان)، فكيف يكون الوضع لو كان في سورية ..!! عدا ان كلمة احتلال شديدة الحساسية بالنسبة للشعب السوري وهم يرفضون اعادة بناء دولة بهذه الطريقة، عدا ان اي احتلال او تدخل في شؤون السورية ستقابلها اعتراض دولي و إقليمي بسبب تعارض المصالح في سورية وإن كانت غير جوهرية في سورية” إنما هي ورقة استقرار للدول في حال استقرار سورية، كورقة ضغط”.
وفي النهاية نستنتج أن مشروع اعادة بناء الدولة وقيام نظم ديمقراطية في ألمانيا الغربية واليابان وفشلت في دولتين هما العراق وافغانستان، لان اليابان والمانيا كانتا تتمتعان بتقاليد سياسية راسخة وجهاز إداري كفء، كما أنهما كانتا من الأصل دولا قومية بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث توجد دولة سياسية يقابلها مجتمع متجانس إثنيا وثقافيا ، اما بالنسبة للحالة العراقية والأفغانية فشلت رغم تمتعها بموارد مالية ضخمة، اما الحالية السورية فأننا نحن معا لتحرير الاقتصاد السوري نرى ان إعادة بناء الدولة السورية سوف تفشل فشل ذريع نتيجة لكل ما سبق و يمكن ايجازها بعدة نقاط:
1. عدم وجود دولة عظمى تتبنى طرح اعادة بناء الدولة السورية على مستوى الداخلي و العالمي.
2. عدم وجود مصالح جوهرية للدول العظمى في سورية تغريها في تبنى طرح اعادة بناء دولة السورية.
3. عدم امتلاك سوريا لموارد مالية مغرية للدول العظمى تمكنها من تبني هذا الطرح.
4. عدم وجود ثقافة الدولة لدى السوريين بشكل عام ، وهو ما شهده العالم من خلال تماهي النظام بجسم الدولة وخضوع مؤسسات الدولة لهذا التماهي، نتيجة ما تعانيه من فساد اداري، حيث انها دولة قومية من الخارج اثنية عائلية من الداخل، ذات نسيج اجتماعي متفكك، وقد زاده تفكك تصرفات النظام الحالي.
عدا كل ذلك أن التجاذبات الدولية في فرض هوية مشتركة على الشعب السوري تتناسب مع مصالح هذه الدول سواء الاستقطاب الامريكي او الروسي كان من شأنها تعميق الانقسامات، وليس الهدف من هذه التجاذبات هو إيجاد نظام قادر على إدارة الدولة السورية، وعلى تمكين الفئات المختلفة من العيش معا بغض النظر عن خلافاتهم، وبالتالي فان مشروع اعادة البناء لا يناسب الحالية السورية .
وعليه سنذهب الى اعادة الهيكلة الدولة السورية، و نرى إن كان يناسب الحالة السورية