اقتصادي – خاص:
عندما نكون أقوياء وأصحاب نوايا حقيقية وصادقة ونعتمد على خطاب سياسي مرتكز على مشروع وطني واضح الأهداف لجوانب الحياة المقبلة بعيدا عن الطائفية (التي تنخر البعض منا) وعن الشعارات المبطنة، فإننا سنصل إلى ما يبتغيه الشارع السوري، وستلتف حولنا قاعدة شعبية من كل الأطياف رمادية كانت أو بيضاء او حتى سوداء، لأن الكل بات يبحث عن النجاة من الجحيم الذي وصلت إليه سوريا حيث الخارج منها مولود والداخل مفقود، وستكون هذه القاعدة قوية لكي تساعدنا على الانطلاقة السلمية والسريعة.
وخلافا لذلك لن تقوم قائمة لأي دولة في سوريا، مما يعني انعدام وجود مجتمع وبالتالي وجود السلطة التي من أجلها تقتل وتقتل أبناءها تلك النخب المتحاربة دون أن تكون لها نوايا حسنة صادقة.
وفي سبيل ذلك أردنا أن نكمل مشروعنا بإيضاح للشعب ماذا يعني مشروع وطني، لكي يحدد مصيره، إلى من ينزاح .. بعد أن أوضحنا مفهوم إعادة بناء الدولة السورية، وهل تناسب ان نعتمد عليها في عملنا في المشروع الوطني لبناء سوريا..؟، ووجد أنها غير مناسبة لكثير من الأسباب التي توضحت مسبقاً.. ننتقل الآن الى توضيح مفهوم هيكلة الدولة السورية
ماذا يعني مفهوم اعادة هيكلة الدولة..؟!
تعني اعادة الهيكلة تعد عملية إعادة الهيكلة هذه بمثابة تغيرات وتعديلات جذريه مدروسة من حيث المكونات الاستراتيجيات والخطط والبرامج والسياسات وثقافة العمل السائدة داخل مؤسسات الدولة، والهدف الأساسي من هذه العمليات هو تحسين الفعالية والكفاءة الإنتاجية للمؤسسات واخذ دورها الصحيح في المجتمع وعلاوة على ذلك، تمكن إعادة الهيكلة من التنبؤ بالتحديات المستقبلية المحتملة وتحديد مواطن القوة والضعف.
بكلمات ابسط إعادة الهيكلة تعني إعادة بناء فلسفة، نظرية، عقيدة، مفهوم، تدريب، تأهيل لمؤسسات الدولة.
إن إعادة هيكلة الدولة لا تعني استبدال أفراد بأفراد، فخلال العقود الأربعة لم تقم أي من مؤسسات الدولة السورية بواجباتها تجاه الافراد رغم تسلم بعض الافراد الذين يتصفون بالمهنية والحياد والكفاءة قيادة المؤسسات الدولة.
وبالتالي المشكلة ببساطة لا تكمن بالأفراد، انما المشكلة هي استراتيجيات وسياسيات عمل هذه المؤسسات التي اقتصرت على خدمة طبقة معينة من المجتمع، فقد بدأت مؤسسات الدولة من اواخر ستينيات العام الماضي بتغيير جذري في بنيتها التنظيمية لتقتصر بالتدريج على الموظفين المناصرين للنظام وحزب البعث العربي الاشتراكي، لندخل السبعينيات باستلام البعث السلطة وزمام السلطة التنفيذية في البلد وتمدده بالسلطة التشريعية والقضائية مما حدى به الى اصدار قانون غيّر عمل المؤسسات الدولة من خدمة المجتمع الى خدمة حزب البعث الذي نص على ان حزب البعث العربي الاشتراكي قائد للدولة والمجتمع، ونتيجة لذلك دفع جموع الشعب من اجل التمتع برعاية الدولة، الى الدخول بالحزب القائد للدولة والمجتمع دون الولاء له انما الولاء للمصالح الشخصية وللسلطة التنفيذية، طمعاً بمزيد من رعاية الدولة لهم، ومنها بدأ تماهي النظام بجسم الدولة، ونتيجة زيادة هذه الرعاية الفائقة لمجموعة من الشعب السوري دون غيرهم زادت ثرواتهم و تضخمت بطريقة ورمية، ما أفرز تغير سياسات واستراتيجيات جديدة لمؤسسات الدولة، ان هذه النخبة ومن يتبع لها هي القائد للدولة والمجتمع… وبالتالي اختفى مفهوم الدولة في خدمة المجتمع لتصبح الدولة في خدمة هذه الفئة ومن يلف بلفيفهم…
هل ممكن اعادة هيكلة الدولة اذاً لابد لنا هنا من التذكير بأمر هام ان نظام المؤسسات في الدولة السورية هو كيان راسخ وقديم منذ الدولة الرومانية ومرورا بالدولة الاسلامية وانتهاءً بمنتصف القرن الماضي .. فحتى لو ترهلت وساء أداؤها في عهد الاسد الاب والأبن، فهي بالتأكيد بحاجة إلى إصلاح وإعادة هيكلة وربما تطهير، وليس الهدم والتفكيك.
فالشعب أثناء ثورته، رغم تخلي العديد من المؤسسات عن القيام بواجباتها تجاه الشعب الذي اوجدت من اجله “وزارة الداخلية والدفاع وغيرها ” إلا انه اصر على رفع شعاره الخالد: «الشعب يريد إسقاط النظام»، ولم يقل «الشعب يريد إسقاط الدولة»، ذلك ان هذا الشعب يؤمن ان الدولة هو تعبير واضح عن العقد الاجتماعي الذي يجمعه مع غيره من المواطنين القاطنين بالدولة السورية.
وللحقيقة تبرز امام مؤسسات الدولة تحدي جسيم على ارض الواقع، هو تحدي إصلاح الدولة الذي يختلف جذريا عن الهدف المعلن أو الضمني للبعض وهو الانتقام من الدولة كما تصدح به بعض الاصوات هنا وهناك لتصفية الحسابات مع مؤسساتها بسبب أخطاء النظام السياسي السابق، فيصبح هدف البعض الانتقام منها لأنها بفترة من الفترات الحرجة خلال تسلم الاسد الاب والابن الحكم، ارتكبت اخطاء بحق مجموعة اكثر من غيرها … لذلك على هذه المؤسسات ان تعيد ثقة أبنائها بها وأول خيوط الثقة هو ايضاح كيفية اصلاح هذه المؤسسات ضمن اطار زمني يصار من خلاله معاقبة المقصر ومكافأة المنجز.. ان خيوط الثقة تمنع تحول الدولة الى دولة فاشلة “راجع سين جيم لمزيد من المعلومات عن الدولة الفاشلة”، وتتولد هذه الخيوط من خلال حوار مفتوح بين كل التيارات الفكرية والسياسية السورية ضمن مؤتمر وطني عام، ولنجاح هذا الحوار الذي يعني نجاح مشروع الإصلاح، يتطلب الاتفاق على المسلمات لذا كانت الأهداف من المشروع الوطني تسليط الضوء على هذه المسلمات، من أجل اختصار الزمن بعد الفشل الذي ابدته قيادات المعارضات في تحديد خارطة طريق للشعب، والتي تبدأ بالاتفاق على المسلمات ، وبناء أولوياتها وتوازناتها عبر منهج عقلاني هادئ، يقوم على التدرج وقبول الحوار مع الرأي الآخر ونبذ العنف والتطرف وعقد الماضي ، ومما لاشك فيه أنّ تجسيد مثل هذا الحوار، بأهدافه وموضوعاته، منوط بالسلطة أولا، لكن كلا السلطة والمعارضة ورأينا مؤتمراتها التي تحتاج الى مصالحة وطنية بينها.!!! و سلطة نظام لم يترك بينه و بين الشعب الذي يوما كان حاكمه غير جداول من دم ابرياء و اشلاء يأكلها الفقر كما تأكلها الكراهية و الضغينة و كل هذا في ضوء سكوت الدول ذات المصلحة الجوهرية و غير الجوهرية، وهذا يظهر انه لا يوجد تقاطعات بين مشروعي السلطة والمعارضة بما يخص سوريا الغد، والتي يمكن أن تساعد على إجراء تحوّلات ديمقراطية بعد وقف سفك الدماء، تكون بداية إعادة بناء الدولة الوطنية السورية الحديثة .
اذا تجاوزنا هذا الشرخ الهائل بالمجتمع السوري بين المعارضة و الموالاة هل يمكن انجاز اعادة الهيكلة… للإجابة على هذا السؤال يعني الاجابة على :
ماهي مشاكل عادة الهيكلة؟ يمكن تحوير السؤال ماهي سلبيات هيكلة الدولة في الحالة السورية؟، أن إحدى المعضلات الرئيسة التي تواجه عملية إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وبناء العملية الدستورية في البلدان ما بعد النكسات العسكرية والأنظمة السياسية العسكرية الاستبدادية أو الحروب الداخلية هي: كيفية إقناع من يملك السلاح سواء القيادات العسكرية النظامية او الفئات المسلحة بضرورة الانصياع لمؤسسات الدولة، وان يكونوا جزء من الدولة و ليسوا الدولة كما كان الامر منذ فترة قريبة قبل التحول لهيكلة الدولة .. وهو ما يعني أن سوريا ليست بحاجه الى اعادة هيكلة الدولة فقط بل إلى إعادة بناء الأمة أيضا؟ ..وهذا يحتاج الى سنين وعقود طويلة وهذا ما أثبته التاريخ…
ان ما توصلنا اليه من خلال البحث ليس وليد الثورة السورية انما هو حلم راود فريق معا لتحرير الاقتصاد السوري ليتحقق في ظل هذه الثورة، ان سوريا لا ينفع معها مشروع اعادة البناء ولا الهيكلة.. بسبب تدمير الانسان الممنهج خلال عقود حكم الاسد الاب والابن .. اننا بحاجة الى مزيج من المشروعين يمّكن من بناء سوريا الوطنية الديمقراطية ..سوريا القانون، بأقل زمن واختصار التكاليف التي ستنتهي الى هذه النتيجة، بسبب عجز أي مشروع لوحده عن النهوض بالدولة السورية لتحقيق الطموح.