اقتصادي – خاص:
خلال احدى زياراتي لطبيب لبناني وبشكل مفاجئ طلب استشارة اقتصادية مني!، حيث كان يعاني من الضرائب الكثيرة، وحسب كلامه جزء منها يعود الى أخطاء بالمحاسبة!
سألني وقتها، عن رأيي أيهم افضل الاستثمار بشراء شقة في بيروت لتأجيرها أم انشاء مشروع بمحل اقامته بفرنسا؟
الإجابة سهلة قد تبدو سهلة تحت تأثير عصر السوشيال ميديا، وربما يتوسع المجيب قليلا بأجراء مقارنة هامشية بين الاستثمار بمدينته بفرنسا وبين بيروت ليعطي الحوار مصداقية وثقة اكبر.
لكن اذا اردنا الاجابة بشكل مهني، فالإجابة معقدة وتحتاج وقت وموارد مالية لأجل جمع البيانات وتحليلها ووضع سيناريوهات لأي قرار يتخذه صاحب المال لأجل الاستثمار، هذا العمل يدعى ب “حساب كلفة الفرصة البديلة ” .
فلو عدنا للخيارين الذي طرحهم صاحب المال (الطبيب) بين شراء عقار سكني ببيروت أو مشروع شراء عقار ت سكني أو تجاري في محل إقامته بفرنسا.
وعند البدء بتحليل فكرته عن استثمار أمواله نجد:
عقار في بيروت : لا يخرج هذا الطرح عن المألوف خلال البحث عن مطارح لاستثمار الأموال على اعتبار هذا النمط من الاستثمار سهل إدارته ويؤمن مصدر دخل شهري و الأهم لا خسارة فيه لرأس المال حسب ظنهم، فهل هذا صحيح ؟.
طبعا دراسة كلفة الفرصة البديلة للطبيب لم تتم، لأني لاحقًا فهمت أنه كان يتجاذب اطراف الحديث معي ليكّون صورة بأي اتجاه سوف يذهب، وهذا أسلوب الكثير من أصحاب الأموال التي جمعت من قبل ذوي الدخل المحدود وليس من قبل رجال الأعمال ممن لهم زمن طويل في الاستثمار، حيث يحاول من خلال هذه الأحاديث اتخاذ قرار الاستثمار حسب أحاسيسه، واعتقد ان هذا هو قمة المخاطرة لأنه يغامر برأس ماله الذي جمعه بصعوبة مقابل عدم استشارة المختصين تجنباً لدفع اتعابهم وعدم إيمانه بهم وهو لم يختبر نصائحهم بعد!
ان الاستثمار بالعقار يتضمن مصاريف كثيرة قد تجعل الاستثمار كله غير مجدي مقابل الدخل الذي يحصل عليه وهو الأجرة الشهرية، ومن هذه المصاريف :
عمولة المكتب والتي تتراوح بين شهر الى شهرين، واحيانا يدفع راتب ثابت للاعتناء بالمنزل سواء تم تأجيره او لا وصيانته وهي تتراوح وسطيا بين ٢٠-٢٥% من العائد السنوي للإجار بشكل شهري متواصل .
كما تتضمن التكاليف، رسوم عقارية إضافة الى ملكية وهي سنوية وهناك خسائر أخرى نتيجة امتلاك عقار من رفع قيمة الضرائب ( تأثير غير مباشر)، كما ان التأجير يحتاج الى محامي يتدخل عند كل مشكلة وهي رسوم متقطعة ولكنها موجودة، اضافة إلى اهتلاك الأثاث وهو٥ سنوات في حين المنزل يهتلك خلال ٢٠ عام( وهو يعادل عمر القرض العقار، لكن بنهاية الفترة العقار يحتاج الى اعادة تجديد قد تصل احيانا الى الهدم واعادة اعماره ).
ولدينا كلفة تنظيف المنزل والاصلاح عند الاخلاء ومصاريف البناية والحراسة (وهي تخفض من قيمة الاجار المستلمة من المستأجر حيث تدفع من قبل المؤجر(.
كل هذه المصاريف تتضاعف إن حولت الى عقار تجاري، دون الخوض بالفواتير المتراكمة التي يبقيها للمؤجر وتطول فترة تحصيلها من المستأجر خلال تسوية يخسر فيها المؤجر جزء من قيمة الفواتير، بالمقابل يبقى على حجة الاستثمار بالعقار انه يحافظ على القيمة الاموال!
هنا اشير ان العقار السكني معدل ارتفاع قيمته كل ٥ سنوات ب ٢٠% اذا كان بقلب المدينة و يتضاءل النسبة لكل ما ابتعدنا عن قلب المدينة وسطيا ٢% (أقل من معدل التضخم السنوي)، في حين عملية تسيل العقار السكني صعب ويتداخل فيها عوامل اقتصادي حول نشاط البلد وتسهيلات العمل، وعوامل اجتماعية بوضع الجيران والحي، والنفسية باتجاه السكن وقربه من الشوارع رئيسية وخدمات البنية وتطول المحددات وكلها تعني ان عملية التسييل العقار(بيعه) ليس بسهولة التي يتكلم عنها .
كما أن سعر العقار يتحدد بموسم العمل والسياسات النقدية بالبلد (الحصول على القروض) اضافة الى عوامل السابقة التي ذكرت خلال شرح حول تسييل العقار، وذات الشيء بالعقار التجاري.
وعند العودة الى الطبيب ، علمت انه أختار استثمار بشراء عقار ببيروت بسبب قلة الخبرة و تحت ضغط نصائح الغير مهنية من محيطيه المعتمدة على سوشيال ميديا، ذلك بأن لبنان مقبل على انفتاح سياسي واقتصادي، فحدثت جملة كبيرة من الاحداث من تفجير بيروت الى ازمة السيولة التي بوادرها كانت سابقة بكثير لتفجير لبنان الى مؤشرات اقتصادية كلية متدهورة.
مما جعل الطبيب الان بين خيارين ام استمرار دفع اموال اضافية على استثماره الفاشل للمحافظ عليه او تسيله(بيعه) بأي سعر وانهاء خسائره.
ليس هذا وحسب بل هناك خسائر ناتجة عن كلفة الفرصة البديلة للاستثمار التي يكان من الممكن ان يحصل عليها ، والتي تحسب من خلال الفرق بين معدل سعر الذهب كون مدة استثماره بالمتوسط المدى ( ٢_٥) سنوات او معدل ربحية المشاريع التي يدخل راس مال الطبيب من خلال الاستثمار بالسندات بفرنسا ( لا احبذ هذا النسبة لانها تتأثر بسياسات العامة الحكومية ، انما يمكن اخذ ذات المؤشرات من مراكز دراسات متخصص ) او من خلال معرفة الفرق بين كلفة القروض التجارية او حتى الاعتماد على معدل التضخم بشكل مباشر، وهنا انصح ان يعتمد على الطرق الاربعة لمعرفة كلفة الفرصة البديلة الضائعة لمعرفة اي الاستثمارات ممكن أن يعوض خسائره .
اذا لم يكن العقار هو المشروع ناجح ماذا ممكن ان يكون ؟
لابد ان نعي معلومة هامة عند استثمار مال في مشروع ما وهي :
” على المشروع تلبية حاجة حالية او مستقبلية للمجتمع المستهدف لكي يستمر ” ، وبناء عليه ان العودة الى ماضي هي خسارة و الذهاب الى المستقبل البعيد خسارة بضوء عدم التأكد من الأحداث المستقبلية .
فكثير من مشاريع السوريين كانت تحاول ان تتماشى وتذكر بحياتهم السابقة رغم تغير الجغرافية ونمط المعيشة ونمط العلاقات المجتمعية، فنشاهد هذا النمط بالمحلات الفوضوية التي تجمع البقالة مع الخضروات مع المحمصة مع بائع حلويات إضافة الى كافتيريا بمحل لا يتعدى ٣×٤ متر والبضائع سيئة الجودة والحجة انها مرغوبة لانها تذكر بسورية!
في البداية الناس تشتري بسبب الجوع العاطفي بعدها تبحث عن بدائل اكثر جودة من خلال محلات ذات الثقافات القريبة مثل الافغانية واللبنانية والإيرانية والتركية وكلها تدل على المنافسة التي تسقط من حساب من يستثمر، فبسبب المنافسة وردائه المنتجات ثم الية التعامل يصبح الاستثمارات ذو مخاطر عالية، فالمشاريع نقلت مشاكل السوريين وتصوراتهم الى ساحة الشراء، وهذا يضعف قدرة النجاح للمشاريع ويضعف تكوّن لوبي سوري اقتصادي.
على سبيل المثال، القول ان هدف الاستثمار من أجل الحصول على الجنسية ومن ثم بعد فترة يعاد بيعه مع ربح!، هي خسارة ، نعم يتم ببيعه بسعر الشراء زائد مربح صغير وسبب ليس لان المحل فرصة من حيث الارباح او الشهرة ، لكن لأسباب اخرى تتراوح ان كلفة المحل الخاسر ارخص من غيرها من المحلات الفرنسية التي تدار بمهنية ، ولان عملية الشراء والفراغ تشوبها الكثير من المخالفات القانونية .
كان نصيحتي للطبيب التي اردت ان اخبره بها، ان انشاء اي محل منفرد انما هو مخاطرة بضوء التنافس والاستقطاب الحاد الذي يحدث بالمجتمعات التي تستقبل اللاجئين مثال فرنسا، وان انشاء اي محل سواء في مناطق السكنية او التجارية تكون المحصلة واحدة ، وانه باوربا المواصلات متوفرة و بالتالي يتم تحيد دور المسافة نوعا ما، لتبرز عوامل اخرى اهمية في نجاح المشروع منها :
١_ ثقافة المجتمع التي تقوم على magasin وهو سوبر ماركت ضخم شبيه بالسوق الكامل حيث يحوي كل ما تحتاجه العائلة .
٢_ ان magasin، تحتوي على اسعار تنافسية أكثر من المحلات (البوتيك)، ويحتوي على بضائع ذات جودة متنوعة.
٣_ يتضمن magasin كافتيريا ومطعم ومحل قصابة و خضروات و سوبر ماركت و البسة والعاب واعتناء بالحديقة والكترونيات ..الخ وحتى الصيانة والمجوهرات ، وهي تدفع على صندوق واحد .
لذا هذه الثقافة هي وسيلة تسويقية مجانية ، فعندما تقول magasin، فانت تقصد بضائع ذات جودة واسعار تنافسية دون الحاجة للتنقل من محل لاخر..
في حين عندما تقول محل سوري( لبناني) يتوارد الى ذهنيك بقالية لا اكثر يتم كل يوم تغير بضاعة حسب مالية المستثمر وحركة السوق ، وهذا لا يعبر عن الثقافة السورية الاقتصادية.
لذا كان مشروعي هو اخد محل كبير magasin و تقسيمه الى اقسام كل قسم يحتوي على جزء من مكونات السوق السوري تمنح لمستثمر، ويقع عليه الديكور الخاص مقابل ان magasin, يقوم بوضع صندوق للحساب والمحاسبة ( وهي امر هام ومكلف ) كمان انه يقع عليه الديكور.
من خلال الدراسة وجدت ان اجار المحل الذي يشكل magasin هو ارخص من اي محل منفرد لانه لن تتقيد بموقعه ان يكون وسط البلد الذي يحتوي على ضرائب وخدمات مدفوعة اكبر ، كما ان التنوع نتيجة الحجم ستكون عامل جذب ، وهو مرشح للارتفاع لانه يخدم كل ما يحتاجه المشتري .
ان اي مشروع ليكتب له النجاح لابد ان يخدم المجتمع الذي فيه لان هؤلاء هم الزبائن المحتملين، وكل ما كان على علاقة بثقافتهم كل ما كان صلة اعمق مع المشروع و الولاء الذي ينتقل الى الوعي اللارادي ، وان معرفة السوق اهم اسباب نجاحه ، وان السوريين و العرب والأتراك هم مساعدين للمشروع، وهم منتشرين عشوائيين وهم مما يسهل على ثقافة منتجات المشروع وتقدم حسب ثقافتهم ، وهذا اكثر جدوى من تقديم خدمة للمجتمع المضيف الذي يلعب بتقبله لمشروع عوامل نفسية واجتماعية و اقتصادية ومنافسة ومالية تجعل مشروع خاسر .. وهو ما يعني ان مشاريع المتعلقة بالوطن الام التي لا تراعي ثقافة المجتمع المضيف تصبح مضمار للخسارة ،وان مكتب الدراسات هو القادر على المحافظة على قيمة استثماراتك وتنميتها بامان.