اقتصادي – خاص:
تتسارع نوايا النظام في خصخصة قطاع النفط عبر تضخيم أزمة المحروقات الحالية، وبشكل يحقق أهدافه، ويمهد له لمزيد من السيطرة والتغلغل في اقتصاد البلاد تلافياً لأي حلول سياسية قد تطرح عليه نتيجة المتغيرات الدولية التي تعصف بحلفائه، من خلال ايجاد طريق يبعد عنه شبح المسائلة بمخالفة الدستور، مستغلا اقتصار نقاشات اللجنة الدستورية في جنيف على قضايا سياسية عامة، الأمر الذي ترك للنظام بوابة يستطيع أن يعوم نفسه من خلالها، فهو موقن أن أي تغيير في قوى الاقتصاد لن تتم مناقشته إلا بعد الحل السياسي النهائي، وعندها ستصبح قوته مترسخة، مستفيداً في ذلك من التجربة اللبنانية والمصرية وحتى العراقية.
غربلة الرموز
إن النظام يسعى إلى إعادة بناء مراكز قوته الاقتصادية الجديدة مستبعداً أي شخص قد يشكل جبهات اختراق له، مثل رامي مخلوف وشركائه المقربين، إذ تولّت هذه العملية أسماء الأسد، المرأة التي درست العلوم المصرفية في أشهر بنوك العالم مثل “دويتشه بانك” و “جي بي مورغان”، ومنه تعلمت كيف تجد وتبني لنفسها حلفاء يبقون تحت جناحها، ويمنحونها القوة، بعيداً عن الرضوخ لشروط الحلفاء، أي روسيا وإيران، اللتان تبحثان عن مصالحهما ولو على حساب النظام مثل اشتراطهم الدفع المسبق وبالعملة الأجنبية مقابل أي توريدات نفطية إلى سوريا خلال هذه الأزمة التي تهدد بقائه.
ووجد النظام في القاطرجي الشخص المثالي لهذا الأمر، فبعد صراعاته السابقة حول النفط وتجارة المخدرات وغيرها مع أطراف عديدة من الحرس الثوري الإيراني إلى محمد حمشو، فيسار إبراهيم ممثل أسماء الأسد في الملف الاقتصادي، رضخ القاطرجي لمطالب السيدة الأولى بتسديد مبلغ 200 مليون دولار يسددها خلال 6 أشهر لتمويل تجارة النفط ليسار إبراهيم والذي يظهر من خلال قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام، مشكلاً صدمة في صفوف الشارع السوري، ليس فقط من خلال إشارات الاستفهام وعلامات الريبة من القادم، والذي يشير بوضوح إلى مزيد من الغلاء وارتفاع الأسعار، حيث ألزمت بموجبه الشركات الموردة للمشتقات النفطية ببيع المحروقات التي تستوردها، للفعاليات الاقتصادية من مادتي (البنزين، المازوت) خلال شهر كانون الأول الحالي، محددة سعر ليتر المازوت الصناعي والتجاري بـ5400 ليرة سورية، وسعر ليتر البنزين بـ4900 ليرة سورية.
وإنما من خلال قراءة خفايا القرار ودلالاته، حيث يتبين بشكل جلي، إن النفط تحول إلى سلعة شأنه شأن أي سلع أخرى يتم تسعيرها دورياً، وبالتالي تقلص دور وزارة النفط لتصبح مسؤولة فقط عن إدارة حقول النفط ونقل المحروقات، وهذا دليل على خصخصة قطاع النفط، أي أن قرار الخصخصة بات رسمياً وإن لم يعلن عنه.
وعند المتابعة والتدقيق، يتبين أن القرار قد خضع للتعديل بعد إعلانه، من حيث تغيير “الترويسة” وتغييب اسم شركة B.S، وحذف معلومة تفيد بأن اجتماعاً تم عقده في وزارة النفط مع شركة B.S لجهة السماح لها ببيع 15% من كمية المحروقات التي تستوردها للفعاليات الاقتصادية، بينما لا يتضمن القرار المعدل تحديداً للكميات التي تلتزم الشركات الخاصة المستوردة للنفط ببيعها.
أسماء الأسد وقاطرجي في صف واحد
هنا لا بد من الوقوف عند عدة نقاط هامة، أولها، إن قرار السماح لشركة خاصة مثل شركة B.S ببيع المشتقات النفطية للفعاليات الاقتصادية، هو بمثابة منح الإذن لهذه الشركة لفرض السيطرة على تلك الفعاليات، لتعمل وفق شروط الشركة، لكل من يرغب الحصول على وقود ليستمر بعمله يجب أن يخضع لتلك الشروط.
من المعلوم سابقاً أن شركة B.S تعود ملكيتها لـ”مجموعة قاطرجي الدولية” في لبنان، وتعمل في مجال الخدمات النفطية، ومن أعمالها تأمين حاجة الصناعيين من المازوت والفيول بالسعر الحر المحدد شكليا من قبل حكومة النظام؛ تقوم الشركة باستيراد النفط الخام عن طريق لبنان والعراق ومن ثم تكريره في مصفاتي بانياس وحمص مقابل أجور مالية تدفع للنظام، لكن الواقع الآن قد تغير بعد الانفاق الجديد مع أسماء الأسد، التي تمكنت من الاستحواذ على أعمال الشركة، وذلك من خلال الصفقة التي تم ذكرها بالأعلى، إذ حولت قاطرجي من أمير حرب في الفترة السابقة، إلى أحد اقطاب النظام، مع رفع الحجوزات عن أمواله وأعماله، ومنح أعماله الشرعية من خلال إسقاط الكثير من الجرائم التي اتهم بها، من بيع الآثار والتعامل مع “داعش” وتجارة المخدرات وتأجيج الصراعات القبلية، وحتى التعامل مع جهات معارضة سواء من “قسد” أو غرب الفرات وغيرها من اتهامات تم التحضير لها خلال فترة محاولة السيطرة عليها قبل عدة أسابيع.
وعلى ما يبدو ان بداية انطلاقته الجديدة يتم تتويجها بالتعاقد مع حكومة النظام على بيع مايستورده من نفط، لكن كل ذلك تحت جناح أسماء الأسد وتخطيطها، والتي أعطته الضوء الأخضر باستثمار عدة محطات وقود، دون أن يضطر لدفع أموال لشرائها، بحيث تجري الأمور الآن بشروطه، فقد أعلنت شركة B.S عن تجهيز ست محطات في ست محافظات، مثل محطة الجد لمحافظة دمشق، والعابد لريفها، على أن يتم الإعلان عن مزيد من المحطات في باقي المحافظات.
سيطرة B.S على النشاط الاقتصادي
النقطة الثانية التي يجب تحليلها في قرار وزارة التجارة، متعلقة بما تم حذفه من تحديد نسبة 15% من المشتقات النفطية، فإذا ما علمنا أن قطاع النقل يستهلك ٣٣ % من المشتقات النفطية، بينما 27% منها للاستخدام المنزلي التي من ضمنها التجارية ، 25% للزراعة، في حين أن 15% من استهلاك المشتقات النفطية من نصيب النشاط الصناعي حسب دراسة أعدّت بوقت سابق بوزارة النفط، وبما ان B.S اصبحت هي المورد الوحيد للنفط بما احتوى القرار الاول لوزارة التجارة على تخصيص B.S بقيام بمهمة تزويد المحروقات للفعليات الصناعية مما يعني انها أمّنت لهذه الشركة السيطرة التامة على القطاع، الأمر الذي يتيح لأسماء الأسد البدء بتشكيل طبقة اقتصادية لنفسها تدعمها وتسيطر هي عليها، وهذا يسد النقص الذي كانت تعاني منه عند صراعها مع رامي مخلوف، والذي كان يملك دعم الطبقة الاقتصادية له.
أما تعديل القرار ونشره بدون تحديد شركة باسمها على وجه الخصوص ونسبة المشتقات النفطية، فيقودنا إلى أن توفير المحروقات لزوم عمل القطاعات الأخرى سيكون من نصيب شركة “آرفادا” التابعة لمجموعة القاطرجي القابضة أيضاً، عبر شركتيها “الساحل، الرصافة” اللتان تقومان بنقل النفط من مناطق “قسد” إلى مناطق النظام.
ومن المرجحّ، أن تتجه أسماء الأسد أيضاً للهيمنة على قطاع النقل والشحن الذي يشكل المستهلك الأكبر للمحروقات، من خلال السيطرة على شركات النقل بين المحافظات، ومن ثم تتجه لداخل المدن عبر شركات تكاسي في المدن الكبيرة، ما يعني انحسار دور وزارة النفط مع إعطاء دور أكبر لأسطول الشحن الذي يملكه القاطرجي للعمل بشرعية في سوريا، أي السيطرة على التجارة بكل مستوياتها.
النقطة الثالثة في القرار، والتي ستجعل من المحروقات أداة ضابطة لسعر صرف الليرة في مناطق النظام، هي البند الذي حدد أن الأسعار المعلنة حالياً عبر القرار فقط لشهر كانون الأول الحالي، فهذا التحديد الشهري لأسعار المحروقات، لا يعود إلى كون التسعير يعتمد على سعر النفط عالمياً، بل يهدف إلى المناورة، ومعرفة أين ستتجه الكميات إلى أي قطاع، والتحكم بحجم السيولة في السوق، اي إدارة الملف المالي والنقدي داخل سوريا، حيث تبدأ عملية رفع الأسعار لسحب السيولة من السوق مما سوف يخفّض الطلب على الدولار، ليأتي التسعير الوهمي بعدها.
خصخصة النفط بعيداً عن الدستور
النقطة الأخيرة، التي يحققها قرار وزارة التجارة الداخلية، هو خصخصة قطاع النفط، بشكل غير مباشر، فخصخصة النفط تتنافى مع الدستور الذي يعتبره قطاعاً سيادياً، وأي محاولة للسيطرة عليه تعتبر مخالفة للدستور لا تسقط بالتقادم ولها أثر رجعي.
لذا لجأت حكومة النظام إلى اعتماد مبدأ التشاركية (قانون ٥ لعام ٢٠١٦)، أي تتخلى الحكومة عن دورها السيادي جزئياً للقطاع الخاص لكي يسد الثغرات عند فشلها، لذلك عمد النظام إلى رفع وتيرة حاجة السوق للمحروقات، واتبعوا نهج التقشف في كل الوزارات، كل ذلك من أجل تهيئة البيئة المحيطة للاستعانة بالقطاع الخاص، الذي تمتلئ مخازنه بالنفط الكافي لتغطية حاجة السوق، في حين تبقى لدى وزارة النفط 9 آلاف ليتر مازوت في مصفاة بانياس، وما لايتجاوز 200 ألف برميل بالمجمل تكفي لأقل من عشرة أيام مع التقشف المتبع حالياً، وهذا يفسر قرار حكومة النظام بمنح عطلة للجهات العامة بتاريخ يومي الأحد الموافقان لـ11 و 18 كانون الأول الحالي، ذلك أن وزارة النفط ومن خلفها البنك المركزي لم يعد لديه الإمكانية لشراء كميات إضافية لعدم توفر القطع اللازم.
ويبقى السؤال هل ستسعف الأمم المتحدة النظام بمده بالسيولة لشراء محروقات من شركات أسماء الأسد بحجة إنقاذ المواطنين؟
أم أن حركة الاحتجاجات ستكون أسرع لتظهر أن أسماء الأسد حولت الدولة السورية لشركة خاصة تودع أرباحها في مصارف دبي وسلطنة عمان متل “بنك التنمية العُماني”؟