اقتصادي – خاص:
بعد حوالي عام على تداول شائعات حول نية مصرف النظام المركزي، طباعة فئة “عشرة آلاف ليرة” ونفي الأخير لذلك، عادت الأنباء المتعلقة بتلك الخطوة، تزامناً مع وصول سعر صرف الدولار الأمريكي إلى مستويات غير مسبوقة، متجاوزاً الـ6 آلاف ليرة، الأمر الذي يشير إلى عمق الأزمة الاقتصادية السورية، ووصول النظام إلى نقطة حرجة جداً، إثر تزمت المتحكمين الأساسيين بدفة الاقتصاد لآرائهم، وتحديداً أسماء الأسد التي ترفض أي نهج أو خطة قد تنقذ الدولة من الانهيار.
تعمق المأزق الاقتصادي
لقد باتت الحلول أمام النظام ضعيفة وغير مجدية، فالأزمة الاقتصادية في حالة توسع مستمر، ويمكن استخلاص ذلك من عدة نواحي، أولاً، خروج مناطق “قسد” عن سيطرة النظام بدفع وتأييد من أميركا، جعل الخروج من المأزق الاقتصادي أصعب من أي وقت مضى، وتحديداً مع ابتعاد خطوة التقارب السوري – التركي، والتي كان يمكن التعويل عليها لدفع “قسد” للعودة إلى أحضان النظام، وبالتالي حصوله على فرصة للمناورة وإدارة الأزمة اقتصادياً.
الناحية الثانية، فشل النظام بتحقيق إعادة تعويمه عربياً، عن طريق الأردن وسلطنة عمان، فقد كان يأمل بالحصول على بعض التمويل، إلا أنه لم يصل لغايته، في وقت تراجع فيه اندفاع مصر تجاه النظام ، وحتى الامارات نوعاً ما أيضاً.
أما الناحية الثالثة، تتمثل بوضع لبنان المتأزم، مع مقاطعة عربية لمحاولات إنقاذه، كل ذلك جعل التباعد السوري لبناني، خياراً لتهدئة لمنع سقوط كل منهما.
إضافة الى عقبة جديدة وهي التشدد الأمريكي في العقوبات، خاصة مع إصدار قانون لتعطيل وتفكيك إنتاج النظام السوري وتهريبه لمخدرات الكبتاغون، والتي باتت رئة النظام التي يتنفس منها الدولار، وسلاحاً يرغم عبره الدول للتعاون معه مقابل إيقاف غزو الكبتاغون لشبابها، كل ذلك جعل العقوبات الاقتصادية الخانقة تجثم على قلب النظام، مع غياب أي حلول في الأفق، تزامناً مع الانقسامات والصراعات التي يخوضها النظام داخلياً ومع حلفائه وأمراء الحرب، وبالتالي لم تعد الدول مثل تركيا ترى أن هناك أي جدوى من التعاون والتنسيق مع النظام، فهو ورغم سيطرته على مساحات جغرافية كبيرة من سوريا، إلا أن تلك المساحات غير ذات جدوى أو فائدة، بل على العكس، باتت تشكل عبئاً على النظام وهو في حالة ضعف مستمر ولا يمكن ان يعول عليه بضبط الحدود معها.
آثار تدهور قيمة العملة
وفيما يتعلق بالانخفاض الشديد والمتسارع لقيمة الليرة السورية، فيمكن قراءته من أنه قد يشكل تمهيداً للانتقال بالاقتصاد إلى مرحلة خطرة، فوصول سعر الدولار الواحد إلى 6 آلاف ليرة، لا يعني فقط تدني قيمة الرواتب لحدود 15 دولاراً، بل يعني انتقال التضخم من مرحلة “التضخم الحاد” والذي يعني ان التضخم مرتفع لكنه مستقر يسمح للمواطنين بالتكيف وتأقلم مع خلق دفاعات لهم إلى “التضخم الجامح” ،التي ستتميز بندرة شديدة في توفر السلع، نتيجة التغير المستمر في السعر وعدم القدرة على توفير السلع بشكل مستمر نتيجة عدم توفر القطع الأجنبي، وهذا الحال هو نتيجة مباشرة لسياسات أسماء الأسد في صراعها مع اقطاب الاخرى للنظام الاسد.
لن تكون آثار أزمة سعر الصرف على الناس سهلة أبداً، كما أن استمرار تدهور العملة المحلية الليرة سيدفع بالأسعار لتسلك أحد اتجاهين ل”التضخم الجامح”، اما العلني والذي يتم مواجهة التضخم الجامح بمحاولة السيطرة على الاسعار من خلال توفير السيولة بالسوق وهو ما يدفع الحكومة الى طباعة فئات جديدة ذات اصفار أكبر بشكل مستمر لتلبية الطلب المتزايد على السيولة ، أو الاتجاه الثاني الخفي او يمكن تسميته ب. “الظل” حيث تسلك فيه الأسعار سلوك تسعيرة الدولة وهي لا تتوفر و سلوك الظل والذي تتوفر فيه بالسوق السوداء لكن ليس بالعملة المحلية التي تفقد فيها اي قيمة ويصبح دفع بها عبء على العملية التجارية ومكلفة، هذع السلع لن تتوفر الا اذا تم الدفع بالعملة الاجنبية متضمن مخاطر كلها مما يعني ان الاسعار قدر ترتفع ضعفين او ثلاثة عن الاسعار العالمية حسب شدة المقاومة الحكومة النظام لوجود تضخم جامح و التصرف بالعقلانية بعيدا عن القبضة الامنية وانتهاز التجار له، وهذا هو حال السوق السورية الت باختفاء السلع نتيجة ، فالكتلة النقدية لدى النظام لن تستطيع تأمين السلع للسوق إلا إذا كانت بالعملة الأجنبية.
وفي علم الاقتصاد، يعرف التضخم المفرط أو التضخم الجامح بأنه أحد أنواع التضخم الذي يحدث نتيجة زيادة عرض النقد في السوق، مما يؤدي لانخفاض قيمتها الشرائية بشكل مستمر وخلال دورتين إنتاجيتين متتاليتين دون توقف أو ذبذبة صعوداً وهبوطاً، ولابد من الإشارة إلى عامل هام لتميز نقطة تحول التضخم الحاد إلى جامح، هي انعدام قيمة العملة الوطنية، والتي تجعل قيمة الحد الأدنى للرواتب صفر، عندها يبدا ظهور التضخم الجامح بأحد شكليه العلني أو الظل .
و الوصول إلى مرحلة التضخم الجامح، سيكون لها تبعات كثيرة، من حيث عدم الثقة بالنظام النقدي، كما أنه وخلال فترة قصيرة من حدوثه، ستبدأ دور مؤسسات الدولة يتغير وكذلك عملها وترتيب أولوياتها، الأمر الذي يقود إلى مزيد من الفساد والعمل لصالح المتنفذين والأثرياء، وهذا الوضع هو أحد الخطوات نحو القبول بخصخصة تلك المؤسسات، والتي تعني في الحالة السورية “الخصخصة عبر التشاركية”.
المركزي لن يطرح فئة 10 آلاف!
يخشى مصرف النظام المركزي من طباعة أي فئة نقدية جديدة وخاصة فئة الـ10 آلاف، فهو يدرس خطوته جيداً نظراً لما يمكن أن يواجهه من عوائق قانونية، فطباعة أي فئة نقدية جديدة تحتاج لموافقة من مجلس الشعب، كما أن الطباعة تحتاج إلى زمن وعدد من الأمور الأخرى مثل توفر المطابع وتكاليف مادية لأجل الطباعة، كل تلك الأمور لابد من أخذها بعين الاعتبار عند الإتيان بمثل هذه الخطوة، فضلاً عن ضرورة قيامه المركزي باستبعاد كتل نقدية صغيرة من السوق، الأمر الذي سيعزز استمرار ارتفاع الأسعار، وهو ما يعني الدخول في مرحلة التضخم الجامح بسبب زيادة السيولة في السوق، وبالتالي ستنهار الوظائف الحكومية وتتحول الدولة الى دولة فاشلة تعمل مؤسساتها لصالح الأثرياء والمتنفذين وتدين لهم بالولاء، وهو ما يجعل النظام تحت وصاية هؤلاء الذين استولوا على هذه المؤسسات ومشاركتهم لنفوذه، أو الخضوع لجملة من الوصفات المؤسسات التمويلية التي قد تقود إلى مراقبة تصرفاته وأصوله المالية وبل إجباره على تقديم تنازلات سياسية واقتصادية وبالتالي لا يبقى معنىً لوجود النظام نفسه.
إن طباعة فئة جديدة من العملة لن تفيد في هذه المرحلة، رغم حاجة الاقتصاد إليها، لأن قيمتها تتبخر قبل أن يجف الحبر عليها، لذا الأجدى أن تتم دولرة الاقتصاد، السماح بتداول الدولار على نطاق علني ، ليسمح بتدفقه نحو السوق ورفع القيود عن بيع وشراء العقارات دون شروط، مع تركيز على شرط وحيد هو أن تتم تلك العمليات بالليرة، والتي ستعمل على مص كتل السيولة المالية من العملة السورية الضخمة من السوق بالمرحلة الانية والعاجلة، ثم يبدأ العمل على مرحلة العلاج الطويلة لاستشفاء الاقتصاد السوري والتي تبدأ بنزع أيادي العلّيق ( Cuscuta)،لأسماء الأسد منه.