اقتصادي – خاص:
تسعى الإمارات العربية في الوقت الحالي للعب دور وسيط بين النظام السوري والتركي، بتأييد روسي، الأمر الذي يمنحها ميزة التفاوض لتمرير مصالحها الخاصة ضمن التوافقات الدولية المرتقبة بشأن الملف السوري، فقد جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بشكل غير معلن ومفاجئ في 4 كانون الثاني /يناير الحالي، ليلتقي خلالها رأس النظام السوري بحضور كل من المستشار عبد الحكيم النعيمي القائم بالأعمال سفارة دولة الإمارات العربية بدمشق، وزير خارجية النظام فيصل المقداد، ومدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك.
وجاءت الزيارة في سياق التأكيد على استعداد أبو ظبي للعب دور في إعادة نظام الأسد إلى المجتمع الدولي عبر البوابة العربية، من خلال لقاء يضم عدة دول خليجية منها السعودية وقطر بدعم من اسرائيل.
وتأتي قدرة الإمارات على لعب دور وسيط في التقارب السوري التركي، بطلب من وزيري الخارجي الروسي سيرغي لافروف والتركي مولود جاويش أوغلو، لأجل ترتيب لقاء قمة يجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام بشار الأسد، مقابل توقيع اتفاقيات تتمحور حول إنهاء التواجد العسكري الإيراني في سوريا رسمياً بطلب من رئيس النظام بشار الأسد، والسماح بإحلال قوى عربية مكانها.
وبحسب معلومات حصل عليها موقع “اقتصادي” قدمت الإمارات خلال الاجتماع الأخير مع الأسد، مساعدة مالية لمرة واحدة، وقدرها 200 مليون دولار كمساعدة للمنظمات التي تعمل بإغاثة السوريين، إضافة الى حزمة من الطلبات الدولية.
وأولى الطلبات الدولية بحسب معلومات خاصة لـ”اقتصادي”، تتمثل بإطلاق سراح رعايا أمريكا الموجودين بمعتقلات الأسد حسب ما تؤكده معلومات الاستخبارات الأمريكية، وفي مقدمتهم الصحفي الأمريكي “أوستن تايس” (Austin Tice,)، والطبيب الأمريكي من أصل سوري مجد كمالماز، اضافة إلى رعايا أجانب أوربيين، كذلك المساعدة في إنشاء حكومة لبنانية على أساس اتفاقية الطائف السابقة .
وعلى الجانب الآخر، يستفيد النظام من موافقته على ذلك الاتفاق، بتخفيف قيود “قيصر” على مراحل تتوافق مع مضيّه بتنفيذ الاتفاق بينهم، وتقديم الدعم المالي له عبر قروض اقتصادية بفائدة مخفضة، فضلاً عن دعم ملف تمويل إعادة الإعمار لدى “صندوق النقد الدولي”.
كما طلبت الإمارات من نظام الأسد الاستجابة لواشنطن، بإلقاء القبض على بعض تجار المخدرات على أراضيه، وتحجيم تجارته لتجاوز تبعات قانون الكبتاغون، قبيل انعقاد مجلس النواب الأمريكي من جديد، الأمر الذي لقي تجاوباً من الأسد، ونتج عنه احتجاز شحنة ضخمة تصل قيمتها إلى مليار دولار من الكبتاغون في ميناء اللاذقية بتاريخ 5 كانون الثاني/ يناير الحالي، تعود لصالح حافظ منذر الأسد، كانت متجهة إلى إيطاليا، وكانت ترافقها قوات من الفرقة الرابعة بقيادة المقدم فراس خير بيك الذي نقل إلى شعبة الأمن العسكرية مع المجموعة التي كانت برفقته بأمر من رئيس الشعبة اللواء كفاح ملحم.
ووقع الرئيس الأمريكي جو بايدن في شهر كانون الأول /ديسمبر الماضي، على قانون تفويض الدفاع الوطني للعام المالي 2023 بعدما أقرّه الكونغرس، بقيمة 816.7 مليار دولار، ليصبح قانوناً نافذاً حيث يتضمن محاربة تجارة مخدّر “الكبتاغون” التي يقودها نظام أسد.
وأبدت الإمارات خلال اجتماع وزير خارجيتها مع رأس النظام السوري، رغبتها بالاستحواذ على مشروع “خط الغاز العربي” بما فيها مصفاة بانياس في مناطق النظام، ودفع مبلغ 4 مليار دولار للنظام السوري لمدة 30 عام، إضافة لحصة غازية تساعده على إعادة تفعيل البنية التحتية، خاصة أن “خط الغاز العربي” يلتقي ضمن مناطق النظام مع خط الغاز القطري المقترح عام ٢٠٠٩، المشروع الذي تم إيقافه بسبب رفض النظام السوري قبيل انطلاق شرارة الثورة في سوريا، وجدد رفضه له خلال الثورة تماشياً مع مصالح حليفتيه روسيا وايران.
وعلى نطاق أوسع، يحقق إحياء مشروع “خط الغاز العربي” أمل لبنان بالحصول على الغاز على اعتبار أن الخط مشترك ليس ملك الحكومة السورية فقط، وبذلك يتلافى المشروع قانون “سيزر” وينقذ لبنان من تحكم إيران.
ويتضمن مشروع “خط الغاز العربي” تصدير الغاز الطبيعي المصري لدول المشرق ومنها إلى أوروبا، وفي عام 2022 تم التوصل لاتفاق على تفعيل المشروع بدعم من السفيرة الأمريكية السابقة لدى لبنان شيا دورثي، لكن اشتراط النظام السوري وقتها الحصول على رسوم مالية لقاء مروره من أراضي سوريا، إضافة لحصة غازية، أعاق تنفيذه حيث اصطدم بقانون “قيصر”.
ويمكن تحليل زيارة وزير خارجية الإمارات بأنها من ضمن سياسات الضغط التي بدأ حلفاء النظام ممارستها على نظام الأسد لتطويق إيران، التي تشكل تحدياً للحكومات العربية وإسرائيل من خلال قواعدها المعروفة بأربع دول، كما أنها المرة الأولى التي يتم فيها طرح مشروع خط غاز خليجي إلى أوربا عبر تركيا وسوريا منذ ٢٠٠٩، على اعتبار أن هذا الخط سيكون من تركيا الحليف القوي لبوتين، ويتماشى مع سياساته المستقبلية لإنشاء “أوبك غاز” شبيها بأوبك النفط، كما أن توفر الغاز لأوروبا من شأنه تخفيف الضغط على موسكو بسبب غزوها لأراضي أوكرانيا .
فهل سيمضي الأسد بالموافقة على شروط الإمارات؟ وهل يملك قرار إنهاء تواجد الايراني بسوريا؟ وما هو مصير شحنة الكبتاغون المحتجزة؟ هل سيسير باتجاه تحجيم تجارة الكبتاغون متجاهلاً ضغوط ماهر الأسد وحلفاء الأسد من “حزب الله” وإيران رغم تورط أسماء الأسد بها؟
وهل سيتخلى النظام عن خط الغاز الإيراني لصالح خط الغاز الخليجي؟ وكيف سيوازن هذه الشروط مع طلبات روسيا لأجل التعويم؟
كل هذه الأسئلة سوف تتوضح مع انطلاق ولاية رئيس مجلس النواب الأمريكي الجديد، والذي سيتم معه إعادة النظر بتشديد العقوبات بقانون “قيصر”، والمضي قدماً بوضع استراتيجية لتفكيك تجارة الكبتاغون والمخدرات عبر استهداف رأس النظام وزوجته مباشرة.