الرئيسية » لماذا تقاعست الدول عن مساعدة ضحايا الزلزال شمال غرب الفرات؟

لماذا تقاعست الدول عن مساعدة ضحايا الزلزال شمال غرب الفرات؟

بواسطة Nour sy

اقتصادي – خاص:

تعرضت المناطق الشمالية الغربية من سوريا والجنوبية من تركيا إلى زلزال عنيف فجر يوم الاثنين الماضي، تبعه عشرات الهزات الارتدادية، ما أدى لسقوط آلاف الضحايا في البلدين، إضافة لدمار كبير في الأبنية.
ويشكل الزلزال الأخير إنذاراً خطيراً في المنطقة، نظراً لكثافة تواجد القواعد العسكرية المدججة بالأسلحة، مثل قاعدة “انجرليك الجوية ” التركية، وقاعدة “حميميم” الروسية في ريف اللاذقية والتي قيل إنها تضررت بشكل كبير دون إعلان رسمي من موسكو عن حجم الضرر فيها وهو ما ظهر من خروج شكلي لجنود من قاعدة “حميميم”، بالمعاول ودون أي معدات ثقيلة لمساعدة إزالة الأنقاض ، كذلك مفاعل “ديمونا” النووي في النقب الأوسط، والذي يشكل هاجساً لكيان الاحتلال الإسرائيلي وتحديداً بعد بدء الهزات الأرضية في فالق البحر الميت في فلسطين ولبنان.

خطة النظام الإغاثية

تفاوتت سرعة الاستجابة الحكومية في كل من سوريا وتركيا للتعامل مع الكارثة الأخيرة، حيث كان من الواضح كمية الارتباك والصدمة التركية، نتيجة ضخامة الزلزال واتساع رقعة المناطق المتضررة منه، في حين سارع رئيس النظام بشار الأسد إلى عقد اجتماع بحكومته مشكلاً لجنة للإغاثة، إلا أنه ورغم اكتشاف ضخامة حجم الضرر وسقوط مئات الضحايا وآلاف المصابين، لم يعلن حالة الطوارئ، كما لم يعلن أي من المناطق المتضررة بأنها مناطق منكوبة.
وقبل انقضاء 24 ساعة على حدوث الزلزال، كانت الاتصالات وعروض المساعدات قد تتالت على نظام الأسد من رؤساء عدة دول، والمفارقة كانت أن استجابة حلفاء النظام بتقديم المساعدات كانت أسرع بكثير من الاستجابة التي قام بها حلفاء تركيا، ورغم ذلك يمكن اعتبار تلك المساعدات التي تم ويتم تقديمها للنظام ضئيلة وبسيطة وغير قيّمة مادياً وإنما كأنها محاولات للتواصل الرسمي مع نظام الأسد، الأمر الذي يدل على أنها محاولات جديدة لتعويمه.
واقتصر الطلب الرسمي من حكومة النظام على المساعدات الغذائية والمادية، في حين اتجه المجتمع المدني الخاضع لإدارة النظام إلى توسيع مطالبه التي بدأت بإطلاق نداءات استغاثة وطلب المساعدات والحاجة لتزويدهم بمعدات وأدوات لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، ثم انتقاد العقوبات على النظام، علماً أن الحكومة السورية تستطيع ان تعلن حالة الطوارئ التي تمكنها من تعبئة الموارد المادية والبشرية بالمنطقة المنكوبة لتسريع جهود الإنقاذ وتخفيض الخسائر البشرية والمالية، حيث يمتلك شركاء أسماء الأسد على سبيل المثال إمكانيات لوجستية ضخمة متل القاطرجي الذي يملك ٣٠٠٠ شاحنة و ١٢٠٠ صهريج كما لديه أكبر معمل لتجميع الآليات الثقيلة بالشرق الأوسط بالتعاون مع الصين، وحمشو وسامر الفوز وغيرهم ممن يدير إعادة إعمار المشاريع البناء الضخمة بدمشق وحلب واللاذقية، إذ لم تظهر منهم أي مبادرة، باستثناء أسماء الأسد التي قامت بإطلاق يد “الأمانة السورية للتنمية” التي بها تدير المجتمع المدني، وخولتها جمع التبرعات بما يوحي أن ملف المساعدات أصبح تابع للمكتب الاقتصادي في القصر وإدارته.
ومما تسرب بعد مضي ساعات طويلة على الزلزال، أن المتضررين من الزلزال لم يتلقوا أي مساعدات تذكر، ومعظمها كانت عبارة عن مبادرات فردية إنسانية، بينما بدأ النظام يخزن المساعدات لتدعيم اقتصاده والحصول على مساحة من المناورة دون الالتفات إلى حاجة المناطق المتضررة، خاصة وأن معظم المساعدات التي وصلت عبارة عن مشتقات نفطية وأغذية وأموال بالعملة الصعبة (دولار)، وبشكل قليل جداً معدات وفرق الإنقاذ.
وبحسب وزارة النقل في حكومة النظام، فقد هبطت 40 رحلة في مطارات دمشق وحلب واللاذقية، تعود لدول الإمارات، روسيا، إيران، الهند، باكستان، أرمينيا، الجزائر، العراق، عمان، تونس، مصر، فنزويلا، والأردن، ليبيا، تونس، منذ اليوم التالي للزلزال وحتى الخميس 9 فبراير.

دوافع الاستجابة لبعض الدول

كان لاستجابة العديد من الدول بمساعدة النظام السوري دوافع مختلفة بحسب ظروف كل منها، حيث شكلت خطوة زيارة وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب إلى دمشق ،  بدل عن  الزيارة المعلنة  لرئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي  على رأس وفد وزاري رسمي، ولقاء رأس النظام بشار الأسد، دعوة خطيرة من بيروت في ضوء الإصرار الأميركي والأوروبي على رفض السلام والتعويم لنظام الأسد، كما يمكن تفسير هذه الزيارة بأنها كسر لـ”لاءات” السعودية التي فرضها على لبنان لأجل إعادة العلاقات معه .
أما مصر التي رفضت سابقاً إعادة انضمام دمشق إلى الجامعة العربية، نرى أن رئيسها عبد الفتاح السيسي بالاتصال بالأسد.
معظم الدول العربية التي كانت حتى وقت قريب تعتبر أنها من أصدقاء الشعب السوري ، بادرت ليس فقط بإرسال دعم لمناطق النظام قبل التنسيق لإنقاذ المناطق الرئيسية المتضررة من الزلزال وهي جنوب تركية وغرب الفراتـ بل وتواصلت مع الأسد عبر الهاتف، حيث أن القاسم المشترك بينها، أن دوروثي شيا السفيرة الأميركية السابقة في لبنان والممثلة الحالية للولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة بصلاحيات كبيرة، والتي تعتبر أيضاً من القادة الرئيسيين في إدارة الرئيس بايدن، كانت تعمل لدى السفارة الأمريكية بهذه الدول ولديها صلات قوية، بل تعتبر دوروثي من رسم مشروع تزويد لبنان بالكهرباء والغاز المصري والذي فشل بسبب قيود قانون “قيصر”، والآن تحاول الاستفادة من الوضع الإنساني لتخفيف قيود “قيصر” لتمرير المشروع على أنه اتفاق إنساني، أي أن الاتصالات بين الرؤساء العرب والأسد، هي جزء من السياسة الدولية لبناء خطوط الطاقة، خاصة مع الأزمة الدولية بالطاقة نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، ليس هذا فحسب، فدوروثي تعتبر من داعمي سياسة بايدن باحتواء إيران وروسيا وعدم التصادم معهما، رغم حرب أوكرانيا والتصعيد، لذا تعتبر عدم التصعيد في سوريا معهما (أي موسكو وطهران) جزء من هذه السياسة.
وسبق لدوروثي أن أكدت مراراً أهمية المحافظة على صيغة “اتفاق الطائف”، الذي يعطي لنظام الأسد صلاحيات كبيرة في لبنان، وهو ما يفسر التجاهل الدولي لتواجد إيران منذ اللحظة الأولى لوقوع الزلزال بمناطق النظام، إضافة لتواجد رئيس الحرس الثوري المنظمة الإرهابية بحلب رغم كل الاضطرابات في بلده !
ويمكن تحليل سياسة دوروثي من حيث أنها تشجع سياسة “الخطوة بخطوة”، ففي الوقت الذي يلتقي فيه رئيس أوكرانيا بعدة عواصم أوروبية مع تصريحات مناهضة لروسيا، في خطوة مقابلة يترك مصير الشعب السوري الذي يحارب الروس، لرغبة روسيا في رسم السلام بسوريا، دون استنكار من الأمم المتحدة حتى على تأخر المساعدات، رغم ما تنقله الصور والتي تشير إلى حجم الكارثة وقلة الموارد، بل إن تصريحات أممية ابلغت بعض من السياسيين المعارضين لنظام الأسد أن لا قرار دولي بإدخال المساعدات وهو ما يعني أن الملف السوري برمته ترك لروسيا، من إدارة وتنسيق العمل.

الاستجابة في تركيا

أعلنت تركيا حالة الطوارئ في اليوم التالي للزلزال، الأمر يعني اعترافاً من الرئيس رجب طيب أردوغان بفشل الإدارة المدنية للأزمة، ونقل الملف إلى الجيش، ليتولى تنظيم إدخال الموارد والتدخل وإدارة الدعم اللوجستي، وهذا الأمر إيجابي من ناحية امتلاك الجيش للمعدات العسكرية القوية، إلا أنه يحمل جوانباً سلبية في طياته تتمثل ببطء التحركات نتيجة البيروقراطية العسكرية وترتيب الأولويات، والتبعات اللاحقة السلبية لتولي الجيش عمليات الإحصاء.
إن تحول عمليات الإغاثة لعملية عسكرية، يفرض موافقة الجيش على أي مساعدة، وهذا يضر بإيصال المساعدات لمناطق شمال غرب الفرات، ويضعف وصول المساعدات للسوريين هناك وحتى المتواجدين في مناطق تركية، فالجيش سيعتبر وجوده في مناطق الضرر شرطاً لوصول المساعدات، ناهيك عن أن معظم السوريين في تركيا يعيشون في منازل مهترئة وغير آمنة عكس الأتراك.
ومن الهام الإشارة إلى أن عملية الإنقاذ في تركيا تحكمها مخاوف حزب أردوغان من أي اتهامات قد تطاله من المعارضة، في حال تم إنقاذ السوريين قبل الأتراك، قد تؤول بخطة انتخابية تطيح به كما أطاح بخصومه على وقع الأداء السيء إثر زلزال مرمرة بـ ١٩٩٩.
أما فيما يتعلق بالموقف الدولي من عملية الإنقاذ، فيبدو أنه لا يوجد إجماع حقيقي على تقديم المساعدة لمناطق شمال غرب الفرات وإنقاذ السوريين فيها، بل هناك محاولة لانتهاز الظروف من أجل الضغط على السوريين في تلك المناطق لقبول المصالحة بين الأتراك والنظام برعاية روسية، والضغط على المعارضة المنكوبة تزامناً مع غياب القيادات التي تدار وتؤتمر من قبل أنقرة، إذ كان من الجلي أن ما يسمى بحكومة الإنقاذ لم يكن لها أي دور في تحفيف الكارثة، في وقت تمتنع فيه بعض الدول عن تقديم المساعدات لها باعتبار أنها تمثل حركة جهادية إرهابية، قامت باستغلال الزلزال اقتصادياً من خلال قيام التجار برفع السلع ٢٥٠% على الأقل .
ورغم مرور أيام على وقوع الزلزال، لم نشهد أي تحرك تركي أو أميركي لإنقاذ مناطق شمال غرب سوريا، ولم يتم استخدام مطارات التحالف العسكري في شمال شرق سوريا، ولا مطار القامشلي أو مطار إقليم كردستان العراق في جلب المساعدات، وكل ما نراه هو تدفق المزيد من الدعم لدمشق وأنقرة، فضلاً عن منع تركيا دخول قوافل من مناطق الإدارة الذاتية التي أرسلها أهالي المناطق المجاورة ، متذرعة بأن الطرق غير سالكة رغم تصوير الناشطين وصحفيين للمساعدات وهي تعبر جانب معبر باب الهوى عدى المعابر الأخرى الصالحة، وتجاوز الأمر ذلك إلى دعوات سرية من السوريين بتهريب المازوت والأطعمة عبر سيارات نقل ضحايا الزلزال التي استمرت بالوصول الى مناطق المنكوبة بغرب الفرات رغم ادعائهم أن الطرق غير آمنة ، ثم جاءت تصريحات لجنة الأمم المتحدة لتحمّل الصراع وإطلاق النار مسؤولية عدم تدخلها، وكأنها سياسة تقول المساعدات لن تدخل، وأن على السوريين قبول الاتفاق الروسي التركي الأسدي للحل.

سلبية قيادات المعارضة

طالبت القيادات السياسية المعارضة المحسوبة على تركيا بعدم إدانة أنقرة في تقصيرها بتقديم المساعدات وإغاثة السوريين شمال غرب الفرات، وأكدوا أن تكون جميع العمليات تحت إدارة تركيا وقطر، دون طلب التدخل من الأمم المتحدة، الأمر الذي يشير إلى عدم المهنية ومعاناة تلك القيادات من “عقدة ستوكهولم” التي تظهر حين تبدي الضحية تعاطفاً مع عدوها أو خاطفها، فالمعارضة السياسية بهذا الموقف تكرس عدم جدارتها بإدارة الملف السوري مستقبلاً لأنها تكرس الكره واليأس واستمرار الحرب.
وعلى الجانب الآخر، تعرى الضامنون الدوليون من ثوبهم الكاذب، ليظهر أنهم ليسوا إلا مديري مرحلة لا أكثر، فالغضب من سوء إدارة الأزمة يسيطر على الشعب السوري الذي بات متيقناً بأن لا أحد يهتم بأرواحه، وأنه يستخدم كبيادق عسكرية لمشاريع دولية، حيث بات من الواضح أن مشاريع التعافي المبكر لم تكن إلا تغطية لعمليات سرقة كبيرة وفقاعات إعلامية دولية لإسكات السوريين الطامحين بحل دولي يعيدهم إلى منازلهم.
لا بد أن الرؤى لجميع الحلول قد تغير عند جميع السوريين، ولابد أن يكونوا أكثر نضجاً في أعقاب الزلزال، ويثوروا على جميع النخب السياسية والضامنين، وإلا فقد نالوا ما يستحقون…

اترك تعليق

مقالات ذات صلة