اقتصادي – خاص:
تتميز الدولة السورية، بنظام فريد من الحكم والإدارة، وبشكل شبيه بالأحاديث التي تدور عن الماسونية العالمية التي تتحكم سراً بالدول وتديرها مجموعة خفية ترتب لكل ما يحدث وسيحدث.
ففي سوريا، نظامان للحكم، الأول ظاهري وشكلي، يتكون من مؤسسات الدولة التي تشرف على تنفيذ القرارات والسياسات والتواصل مع الآخرين، بينما الثاني باطني، يخطط لكل ما يجري في البلاد، من حيث سياساتها الداخلية أو الخارجية، وتسمى بقوى الظل أو من فوق أو المعلم، وكلها كلمات مبهمة شعبوية تشير إلى قوى تتحكم بالقرار في الدولة، دون أن يدركوا تماماً عناصر هذه القوى أو حتى الأدوار التي يقومون بها.
ومنذ ٢٠٠٥ بدأت ملامح وسياسات الدولة السورية بالتغير بشكل صارخ وغير معهود من قبل، حيث باتت ملامح سيطرة القصر الجمهوري على القرار الاقتصادي أكثر وضوحاً وعلانية، وبات المستثمرون يتواصلون بشكل مباشر مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأصبح اسم ابن خاله، رامي مخلوف، يظهر كبوابة لتجاوز أي عوائق قانونية لتواجد المستثمر وقوننة استثماراته، وذلك باتخاذ القرارات بالنيابة عن الوزارات المختصة، وفرض إرادته عليها.
بداية التغيير
فقبل أيام، نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً تحدث عن (مجلس الاقتصاد السرّي) الذي يتحكم بالاقتصاد السوري، ويدار من قبل زوجة الأسد، أسماء الأخرس في القصر الجمهوري، إلى جانب عدد من رجال الأعمال وأشخاص مقربين من النظام، وقالت الصحيفة، إن الأخرس تتحكم بالعديد من مستويات الاقتصاد السوري، حيث تضع السياسيات وتحصل على الأرباح، في قطاعات العقارات والبنوك والاتصالات، ما ساعد في تمكين النظام السوري.
ومع بداية الانحدار الاقتصادي، اتخذ النظام السوري إجراءات عززت من قبضة الأسد وزوجته على الاقتصاد السوري، حيث بدأ بترقية رجال مقربين منه للعمل كواجهات لهما، ومساعدتهما على تجميع المزيد من الثروة الشخصية، وفق الصحيفة البريطانية، التي أشارت أيضاً إلى أن الأخرس التي شنت حملة في 2019، صادرت على إثرها أموال عدد من رجال الأعمال بمن فيهم الضحية الأكثر شهرة ابن خال الأسد، رامي مخلوف، وسيطرت على جمعية “البستان” ومؤسساته الخيرية، كما عينت مقربين منها في إدارة شركة “سيرتيل” للاتصالات، والتي كان يديرها مخلوف.
ويعود الخلاف بين الأخرس ومخلوف إلى العام 2015، وذلك مع بداية التدخل الروسي بالملف السوري، والذي شرع بالاستحواذ على مؤسسات الدولة الرابحة الواحدة تلو الأخرى، فضلاً عن تغيير هيكلتها، لكن الخلاف بدأ يظهر بينهما إلى العلن في شهر أيلول/ سبمتبر 2018، مع تغير حاكم البنك المركزي السوري وتعيين شخصية قريبة من دوائر اتخاذ القرار لدى أسماء الأسد، لتتوالى الصدامات، تزامناً مع انكشاف دوائر اتخاذ القرار بالقصر الجمهوري إلى العلن.
تركيبة الغرفة السرية
بدأت الغرفة الاقتصادية في الظهور منذ تسلم حافظ الأسد حكم سوريا، ثم تبلورت في نهاية التسعينات حيث كانت أدوارها تنحصر بخلق طبقة تجار تدين بالولاء للأسد، وتمنع أي تململ بين الطبقات الاجتماعية في سورية، وإدارة استثمارات خفية لنظام الأسد، وتقدم خدمات لهم مع استثماراتهم على اعتبار أنها قوى ناعمة، إلا أنّ هذه الادوار بدأت تتغير ملامحها مع بداية عام 2005، حيث بدأت الغرفة بإدارة الأموال الخاصة برئاسة الجمهورية بشكل مباشر لتأمين السيولة لمؤسسات النظام بما فيها المؤسسات الأمنية والعسكرية والعلاقات الدبلوماسية لها وغيرها من الأمور التي تعمل على استقرار حكم الأسد، وتأمن له قبول دولي.
وعمل القصر الجمهوري منذ البدء على خلق طبقات اجتماعية داخل سوريا تدين بالولاء للعائلة الحاكمة، وتدافع عنها ضد أي حراك داخلي لسرقة الحكم، حتى إذا ما فشلت تعود الى القبضة الأمنية، وتعطي الأدوار لرجال الأعمال بحسب حجم كل منهم بالاقتصاد السوري.
بعد 2005، أصبحت الغرفة السرية، ترسم العلاقات السياسية المبنية على الاقتصاد، وصولاً إلى تغيير شكل الدولة السورية ودورها.
وستنفرد “اقتصادي” بإيضاح التركيبة الجديدة التي أصبحت تتألف منها الغرفة الاقتصادية، عقب التغييرات التي أجرتها أسماء الأسد، وذلك بالاعتماد على معلومات خاصة حصل عليها المحلل للشؤون الامنية علي علي من مصادر موثوقة.
وبحسب هذه المصادر، تتألف الغرفة أولاً: المكتب الاستشاري، ويضم 4 مستشارين اقتصاديين، هم كل من الدكتور شادي الأحمد، الذي غادر سوريا، والدكتور عمار ناصر آغا، وبسام التزه، وأيمن ديوب، بينما كان رامي مخلوف سابقاً يعتمد على مستشارين لبنانيين أمثال البنكي شادي كرم وغيره، كما كان يشاركه مستشارين من رجال أعمال مثل العطار، والشلاح، وآخرين من الأمن القومي الاقتصادي.
ثانياً: مكتب الإيرادات، ويتألف من 3 مختصين في الإدارة المالية هم الدكتور: زكوان قريط، وحيدر عبد الله، ونعيم مرتكوش.
ثالثاً: مكتب الميزانية، ويضم 4 خبراء مستشارين مختصين بإعداد الميزانيات، هم الدكتور تسير زاهر، وعيسى ملدعون وريم رمضان ومجد صقور.
رابعاً: مكتب الاستراتيجيات والدراسات، ويضم 3 خبراء اقتصاديين باختصاص التنظيم والتخطيط، هم كل من الدكتور مهند ارناؤوط، نهى سعود ورعد صرن.
خامساً: مكتب “مصرف سوريا المركزي”، ويضم حاكم مصرف سوريا المركزي محمد عصام هزيمة، ومدير العمليات المصرفية في المصرف الدكتور فؤاد علي.
سادساً: مكتب الضرائب، ويتألف من الأساتذة، فاطمة محمد ومالك الكنج ومحمد علي الشلي.
سابعاً: المكتب الأمني، ويضم مدير “مكتب الأمن الوطني” علي مملوك ورئيس “شعبة المخابرات العامة” كفاح ملحم، ومدير “إدارة المخابرات العامة” حسام لوقا.
وفيما يخص إدارة الغرفة وطريقة اختيار أعضائها، كشف المصدر حسب علي علي ، إن أسماء الأخرس تدير الغرفة بشكل شخصي، لكن يساعدها كل من المدير المالي في القصر الجمهوري يسار إبراهيم، والأمين العام لـ”لأمانة السورية للتنمية” فارس كلاس (جرى تعينه حديثاً(ـ وتقوم الأخرس باختيار أعضاء الغرفة، من بين أسماء يطرحها كل من إبراهيم وكلاس، بينما يقرر بشار الأسد وزوجته خاصة في المرحلة الحالية، مواعيد الاجتماعات، بعد أن يتم إعداد الاستراتيجيات والدراسات من قبل المكتب المختص بحسب المطلوب منهم، مشيراً إلى أن الاجتماعات تعقد بشكل دوري في بداية كل شهر.
وعلى الرغم من التنظيم الجديد الذي فرضته الأخرس على الغرفة الاقتصادية السرية، بيد أنها فشلت بتحقيق استقرار اقتصادي، كما كان الحال عندما كان يديرها مخلوف، ويعود السبب في ذلك إلى خبرة أعضاء الغرفة وعلاقتهم بالمجتمع السوري الذي يمثلونه، وهو ماكان ينجح به مخلوف إلى حد ما، حيث بدا ذلك باستقرار الليرة السورية قبيل الصدام عام 2018، وذلك مقارنة بالوضع الحالي الذي تشهد فيه الليرة نوع من الاستقرار رغم الضغوط الكبيرة عليها، فضلاً عن محاولة الاقتصاد السيطرة على قبضة أمراء الحرب وتردي الاقتصاد وانتشار الفقر والجريمة.