نيرودا الحسين
في عالم الأعمال الحديث، تبحث الشركات باستمرار عن طرق لتحسين أدائها وزيادة قيمتها والحفاظ على تفوقها، ولتحقيق هذه الأهداف، تلجأ الشركات إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة التي تمكّنها من الابتكار والتكيف والتعلم.
من بين هذه التكنولوجيا، يبرز دور الذكاء الصنعي حيث يلعب دورا حاسما في تطويرها وإدارتها بطرق مبتكرة وفعالة. تكنولوجيا الذكاء الصنعي تقدم للشركات فرصا هائلة لتحقيق التفوق التنافسي وتحقيق النجاح في سوق متقلب ومتطور باستمرار.
عندما نتحدث عن استثمار الذكاء الصنعي في تطوير الشركات، فإننا نتحدث عن استغلال الإمكانات الهائلة التي يوفرها هذا المجال في مختلف جوانب العمل في الشركات، إنها التكنولوجيا التي تمكّن الشركات من استخدام البيانات الضخمة وتحويلها إلى معلومات قيمة، وتوجيه قرارات استراتيجية مدروسة بناء على تحليلات دقيقة ومعرفة عميقة بالسوق والعملاء.
فما هي المجالات التي تتأثر بالذكاء الصنعي في مرحلة تطوير الشركات، وكيف يمكن للشركات أن تستفيد من التحليلات الذكية لتحديد الاتجاهات السوقية وتطوير استراتيجيات تنافسية تساهم في تحقيق النجاح المستدام لها، وكيف يمكن للذكاء الصنعي أن يدعم الشركات في توجيه استراتيجياتها المالية وتحسين أدائها المالي، كل ذلك سنتطرق له من خلال تقريرنا التالي.
تطوير الاستراتيجية
الاستراتيجية هي عملية تحديد الأهداف والخيارات والخطط لتحقيقها بشكل فعال ومستدام، عملية تطوير الاستراتيجية تتطلب تحليل البيئة الخارجية والداخلية للشركة، وفهم احتياجات وتوقعات العملاء والمساهمين والموظفين وغيرهم، وتقييم المنافسة والفرص والتهديدات، وابتكار حلول مبتكرة ومتميزة.
استخدام الذكاء الصنعي يمكن أن يساعد على.
- تحليل البيانات المتعلقة بالسوق والصناعة والعملاء والمنافسين بشكل أسرع وأدق.
- محاكاة سيناريوهات مختلفة لتقييم الآثار المحتملة للقرارات الاستراتيجية.
- تحسين التنفيذ والمتابعة للخطط الاستراتيجية من خلال التحكم في المؤشرات المفتاحية للأداء.
- تعزيز التعلم التنظيمي من خلال التغذية الراجعة المستمرة والتحسين المستمر.
هناك بعض الأمثلة على شركات ناجحة استخدمت الذكاء الصنعي في تطوير استراتيجياتها ومنها.
شركة “نتفليكس“، التي استخدمت الذكاء الصنعي لفهم سلوك المشاهدين وتوصية المحتوى المناسب لهم، ما زاد من رضاهم وولائهم.
شركة “Starbucks” للمشروبات، التي استخدمت الذكاء الصنعي لإطلاق خدمة “My Starbucks Barista”، التي تسمح للعملاء بطلب المشروبات والوجبات الخفيفة عبر الصوت أو النص، وكما استخدمت الذكاء الصنعي لتحسين عملية تحديد المواقع لفروعها وتحسين تجربة العملاء.
شركة “Unilever” البريطانية للسلع الاستهلاكية، وقد استخدمت الذكاء الصنعي لإعادة تصميم عملية التوظيف والتقييم للمرشحين، ما زاد من كفاءة وسرعة وجودة عملية التوظيف، وكما استخدمت الذكاء الصنعي لتحسين عملية التسويق والابتكار لمنتجاتها.
التخطيط المالي
التخطيط المالي هو عملية تحديد الأهداف المالية ووضع الخطط والميزانيات لتحقيقها. التخطيط المالي يتطلب تحليل البيانات المالية والسوقية والتنبؤ بالمخاطر والفرص وتقديم التوصيات لتحسين أداء الشركة.
التخطيط المالي باستخدام الذكاء الصنعي يساعد على.
- جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات المالية والسوقية على نحو دقيق.
*توليد رؤى قيّمة قائمة على البيانات ودعم التفكير البشري في اتخاذ القرارات المالية.
- تحسين دقة وكفاءة عملية إعداد التقارير المالية والامتثال للمعايير واللوائح.
- تطوير قدرة الشركة على التكيف مع التغيرات في السوق والمنافسة وتخفيض التكاليف.
- تحسين جودة وسرعة خدمة العملاء في مجالات مثل التمويل والتأمين والاستثمار.
بعض الأمثلة.
شركة “American Express” المالية العالمية، التي استخدمت الذكاء الصنعي لتحسين عملية ائتمان البطاقات، من خلال استخدام نظام AMEX AI، الذي يستخدم خوارزميات التعلُّم الآلي لتحليل بيانات المستهلكين وتقديم عروض مخصّصة.
بنك “JPMorgan Chase” الأميركي، الذي استخدم الذكاء الصنعي لإنشاء نظام “COIN“، أو “Contract Intelligence”، الذي يستخدم تحليل اللغة الطبيعية لفحص عقود قانونية بشكل أسرع وأرخص.
شركة “Intuit” الأميركية للبرمجيات متخصصة في البرامج المالية، التي استخدمت الذكاء الصنعي لتحسين خدماتها المالية للمستهلكين والشركات الصغيرة، من خلال استخدام نظام “TurboTax”، الذي يستخدم تحليل اللغة الطبيعية والتعلُّم الآلي لمساعدة العملاء في إعداد إقرارات الضرائب.
إدارة الموارد البشرية
إدارة الموارد البشرية هي عملية تخطيط وتنظيم وتطوير وتحفيز وتقييم الموظفين في الشركة، إدارة الموارد البشرية تتطلب تحليل احتياجات ومتطلبات ومهارات وسلوكيات الموظفين، وتوفير بيئة عمل ملائمة ومحفزة، وتقديم خدمات وبرامج لزيادة رضا وولاء الموظفين.
عملية تطوير إدارة الموارد البشرية في الشركات عن طريق الاستعانة بالذكاء الصنعي يمكن أن تساعد على.
- تحليل البيانات ضخمة متعلقة بالموظفين والمرشحين بشكل سريع.
تطوير عمليات التوظيف والتقييم للمرشحين من خلال استخدام تحليل اللغة الطبيعية والتعلُّم الآلي لفحص السير الذاتية وإجراء المقابلات.
- تحسين علاقة الموظف بالشركة من خلال استخدام نظم المساعدين الافتراضيين، التي تقدم خدمات وإجابات للاستفسارات المتعلقة بالرواتب أو المزايا أو السياسات.
بعض الأمثلة على شركات ناجحة استخدمت الذكاء الصنعي في إدارة مواردها البشرية هي.
شركة “Unilever” البريطانية، التي استخدمت الذكاء الصنعي لإعادة تصميم عملية التوظيف والتقييم للمرشحين، ما زاد من كفاءة وسرعة وجودة عملية التوظيف. كما استخدمت الذكاء الصنعي لتحسين عملية التدريب والتطوير للموظفين من خلال استخدام نظام “Degreed”، الذي يقدم مسارات تعلُّم مخصّصة.
شركة “IBM” الأميركية، التي استخدمت الذكاء الصنعي لإطلاق نظام “Watson”، الذي يقدم خدمات وحلول للموظفين في مجالات مثل المساعدة الشخصية والتوجيه المهني والتعاون الفريقي.
شركة “Accenture” العالمية للاستشارات الإدارية والخدمات المهنية، التي استخدمت الذكاء الصنعي لإطلاق نظام “myWizard”، الذي يقدم تحليلات وتوصيات لتحسين أداء الموظفين وزيادة إنتاجيتهم.
التسويق والمبيعات
في هذا المحور، سنستمع إلى رأي يونس الكريم، الرئيس التنفيذي لمنصة “اقتصادي”، والذي سيشاركنا رؤيته لأهمية وإمكانات استخدام الذكاء الصنعي في التسويق والمبيعات.
الكريم يرى أنه بالنسبة للذكاء الصنعي المتوقع في شركات المبيعات أو تخطيط المبيعات، يجب التمييز بين نقطتين رئيسيتين. الشركات الكبيرة التي تستخدم الذكاء الصنعي، والشركات الصغيرة التي لا تستطيع توفير الذكاء الصنعي وتعتمد عوضا عن ذلك على الخبرات المحلية والاستشارات، فهذه الاستراتيجية مكلفة جدا، حتى أن العديد من الشركات تراجعت عن تنفيذ حملات التسويق وتخطيط المبيعات بسبب التكاليف الباهظة، واعتمدت على المعرفة المحلية.
هذا الأمر كان يسبب فقدان فرص كبيرة للشركات بسبب الكلفة، ولكن مع وجود الذكاء الصنعي سينقل تلك الشركات إلى مستوى آخر من خلال تخفيض تكلفة الحصول على المعلومات من المصادر المفتوحة وإعادة تحليلها، ثم استخلاص النتائج، وهذا سيتيح للعاملين البشريين قراءة تلك النتائج والتوصيات وإعادة صياغتها بما يتلاءم مع الحالة المتاحة.
الكريم يؤكد أن الذكاء الصنعي لا يزال بحاجة إلى التدخل البشري، سواء كان يعتمد على المصادر المفتوحة أم لا، فهو لا يزال يهمل العوامل البشرية مثل الإحساس والشعور والمزاج والثقافة والدين والخبرات التي يمكن للإنسان التحكم وتقديرها وفهمها، وبينما يعتمد الذكاء الصنعي على البيانات والمعطيات، والتي من خلالها لا يمكن نمذجة السلوك البشري.
لذا، يرى الكريم بأن الذكاء الصنعي يمكن تطبيقه، لكنه لا يمكنه بالضرورة أن يحاكي تماما التفكير والقرارات البشرية المعقّدة، فالاستنتاج البشري يُعتبر متعدد الأبعاد، ويأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية والثقافية والأخلاقية؛ لذلك، فإن التفاعل بين الذكاء الصنعي والعامل البشري يمكن أن يكون الطريقة المثلى للوصول إلى نتائج متميزة في مجال التسويق وتخطيط المبيعات.
الكريم يوضح أن مزايا الذكاء الصنعي تتمثل في القدرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات وتحليلها بشكل سريع ودقيق، كما يمكن للذكاء الصنعي أيضا تعلم النماذج والاتجاهات من البيانات التاريخية للمساعدة في اتخاذ قرارات استراتيجية، وبالاعتماد على توجيهات العاملين البشريين وملاحظاتهم، يمكن تحسين الأداء وتحسين النتائج المستقبلية.
باختصار، فإن دمج الذكاء الصنعي والعامل البشري يساهم في تحسين كفاءة عمليات التسويق وتخطيط المبيعات وتمكين الشركات من اتخاذ قرارات أكثر دقة وفهمٍ أفضل لاحتياجات العملاء.
السيد يونس الكريم، أوضح أيضا أن منافسة الشركات في مجال المبيعات مرتبطة بتطور مصفوفة الذكاء الصنعي وتحليل البيانات، تلك الشركات الكبيرة ستعتمد على توفير المعلومات للذكاء الصنعي من خلال وكالات خاصة تقوم بتأمين هذه المعلومات وإعادة صياغتها كمصفوفة يمكن للذكاء الصنعي قراءتها واستنتاج المعلومات منها؛ وبالتالي، فإن الذكاء الصنعي لن يتمكن من التحكم في عملية المبيعات، ولا يمكن الاستغناء عن قسم المبيعات.
عوضا عن ذلك، سيكون هناك تطور لقسم المبيعات وقسم التسويق، وبالتحديد قسم البحوث التسويقية، الذي كان موجودا في الشركات منذ عقود، ولكنه لم يحظَ بأهمية كبيرة إلا بالنسبة للشركات الكبيرة.
سيكون الذكاء الصنعي في هذه الحالة أداة دعم وتسليط الضوء على هذا القسم ليصبح القسم الأساسي في وضع استراتيجيات المبيعات، بدلا من قسم المبيعات أو قسم التسويق الذي كان يتلقى تلك المعلومات، وستكون البحوث التسويقية هي الجوهر والأساس لعملية التسويق أو عملية المبيعات، وهنا نميز بين عملية التسويق وعملية المبيعات، وهذا التمييز سيكون له أهمية في المقترح المذكور.
في النهاية، يتوفر الذكاء الصنعي حاليا على نحو أساسي للشركات الكبيرة التي تسعى لدخول الأسواق الكبيرة، وتمتلك أنظمة واضحة يمكن تنفيذها، بينما يستمر الاعتماد على العامل البشري عند دخول الأسواق المحلية التي تفتقر إلى أنماط محددة، قد تساعد الذكاء الصنعي في تقديم الدعم اللوجستي وإنشاء طرق لمساعدة البشر في دخول تلك الأسواق بدون الحاجة إلى ابتكار واستخدام استراتيجيات دخول معقدة.
بإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للذكاء الصنعي دور هام في تخفيض التكاليف المالية وزيادة الشفافية من خلال إدارة الموارد المالية بطرق فعالة. هذه الخطوة تُعتبر نقلة نحو تحقيق تسويق مبتكر وتحسين إدارة الموارد المالية، مما يسهم في استثمار القدرات البشرية بشكل أكبر وأكثر فعالية، على حد قول الكريم.
التفكير البشري
في الختام، تم تسليط الضوء على استخدام الذكاء الصنعي في أربع مجالات رئيسية للشركات، وهي، الاستراتيجية، والتخطيط المالي، وإدارة الموارد البشرية، والتسويق والمبيعات. كما تم التعرّف على قدرة الذكاء الصنعي في المساهمة بتحسين هذه المجالات من خلال تحليل البيانات وتوليد الرؤى وتقديم الحلول، والأمثلة على شركات ناجحة استخدمت الذكاء الصنعي في مجالاتها كانت خير مثال على ذلك.
لكن هذا لا يعني أن الذكاء الصنعي يستطيع أن يحل محل التفكير البشري في هذه المجالات، بل يجب أن يكون الذكاء الصنعي شريكا للقادة والمديرين، يدعمهم بالبيانات والرؤى والحلول، ولا يقتصر على تنفيذ التعليمات، فالقدرة على رؤية المستقبل والتأثير في الآخرين واتخاذ القرارات المستنيرة هي قدرات بشرية لا غنى عنها في إدارة الشركات.
استخدام الذكاء الصنعي في الشركات هو فرصة كبيرة لزيادة الابتكار والفعالية والتنافسية، ولكنه أيضا تحد كبير يتطلب تغييرا ثقافيا وتطويرا مهاريا وتحديثا تقنيا، نأمل أن يكون هذا التقرير مفيدا لكم في فهم أهمية وإمكانات وتحديات استخدام الذكاء الصنعي في الشركات.
نقلا عن موقع exvar