اقترب سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية خلال الأسبوعيين الماضيين، من ملامسة حاجز ال10 آلاف ليرة، للمرة الأولى في تاريخها، فما دلالات الوصول إلى هذا الرقم؟
إن تفسير الرقم على أنه انهيار جديد لقيمة الليرة السورية هو تفسير بسيط لدرجة السطحية، فالليرة خسرت قيمتها عندما خسر البنك المركزي احتياطاته من القطع الأجنبي المتزامن مع توقف الصادرات السورية، وحتى أن الليرة السورية خسرت أي أمل بتحسن قيمتها عندما استولى الروس والإيرانيون وقسد وغيرهم على القطاعات المنتجة والعائدة لمؤسسات العامة للدولة السورية.
كما أن السعر الرسمي لليرة السورية الذي يستخدم كأداة للتبادل، خسرته الليرة هو الآخر عندما وصلت قيمة الرواتب بمؤسسات الدولة إلى أقل من 30 % (من قدرتها الشرائية).هو الجزء الخير من الراتب والمخصص لشراء الطعام ، كما أن امتلاك الليرة السورية عبئا ماليا سواء بحملها أو عدها أو حمايتها من التلف… إلخ.
ما دلالات انخفاض قيمة الليرة إلى 10 آلاف مقابل الدولار؟
أولى هذه الدلالات أن تجارة ” الكبتاغون ” والمخدرات التي حاول النظام الترويج أنها إحدى أدوات دفع رواتب الموظفين والمحافظة على مؤسسات الدولة وتأمين السيولة من الدولار للسوق بسبب العقوبات، قد سقطت، فلم تستطع هذه التجارة تأمين الدولارات للسوق، بل باتت تشكل نزيفا من خلال الحصول على دولار السوق المحلية القادم من الحوالات والمساعدات الأممية، والتي تستثمر بشراء المواد الأولية لصناعة “الكبتاغون” و “الكوكايين”.
وبالتالي، تسويق مظلومية حكومة نظام الأسد بأن تجارة المخدرات هي نتيجة العقوبات الاقتصادية وتردي الوضع الاقتصادي هي كاذبة، ومن الواضح أن هدفها هو تحقيق منافع لشخصيات في النظام.
وهذا ما يجعل تبرير العروض العربية، ومنها السعودية التي تريد منح النظام أموالا ومساعدات لأجل محاربة التجارة واهية ، وان النظام سوف يستخدم هذه العروض كسيولة مالية لصالح التوسع بهذه التجارة، كما تعتبر هذه الأموال عاملا مساعدا أيضا لهبوط الليرة من خلال زيادة الطلب على بعض المواد اللازمة لصناعة المخدرات على شكل مواد طبية لتصنيعها وطاقة، مظاهر بزخ والتي بدورها تستهلك دولارات السوق من الحوالات والمساعدات الأممية.
وثاني الدلالات، أن الحكومة نظام الأسد تخضع النظام الاقتصادي في سوريا لتناقضات عنيفة نتيجة انتهاج أكثر من شكل اقتصادي بهدف الدفع لإقرار نظام اقتصادي هجين بين اقتصاد السوق الحر للشركات الكبيرة، بشكل يسمح بمزاحمة الدولة على خدمات رئيسية التي تقدمها هذه المؤسسات ، والابقاء على الخدمات التي يعتبر تقديمها عبء و لا ارباح كبيرة منها ( اقرب لخدمات اجتماعية) مع مؤسسات الدولة من خلال نظام الدولة المركزية الراعية ، وذلك لاستمرار المطالبة بالحصول على مساعدات دولية لصالح هذه المؤسسات التي سوف تتسرب فيما بعد الى الشركات الكبيرة وإلاّ التهديد بعودة الحرب.
هذه الاستراتيجية باعتقادي المسار الذي يمكن من تفسير السياسات النقدية والمالية التي يتبعها البنك المركزي ووزارة المالية لحكومة نظام الاسد ، حيث تتسم هذه السياسات بأنها شديدة المركزية، لدرجة أن هذه السياسات لا يمكن اعتبارها من السياسات الموجهة للبنك المركزي، وهذا ما انعكس حتى بالقوانين التي تشجع على الاستثمار، ولو بالحقول التي تروج لها حكومة النظام من بنوك وصرافة وسياحة، حيث لم تشجع على الإقدام على الاستثمار بها سواء من قبل الجهات المحلية أو الدولية حتى.
فقد لوحظ خلال ال13 عام الماضية، عدم افتتاح أي بنك جديد أو فندق دولي بسوريا، باستثناء بضعة مؤسسات تمويل صغيرة ومتناهية الصغر المحسوبة على زوجة رئيس النظام، أسماء الأسد، ومتنفذين آخرين، وذلك للاستفادة من شروط المساعدات والمنح الدولية.
كل هذا يفسر هبوط الليرة والذي بلغ أكثر من 44 في المئة على الرغم من تحسن الوضع السياسي منذ بداية العام 2023.
الفقر ، فبحسب المؤشرات الدولية معدل الفقر المدقع هو 2.15 دولار أميركي للفرد الواحد، وبالتالي العائلة المكونة من 5 أشخاص تحتاج إلى 10.75 دولارات، أي ما يقارب 322.5 دولار شهريا، وهو أدنى من المعدل الذي تستخدمه مركز الدراسات السورية باعتماد رقم 600 دولار شهريا الأقرب للواقع.
ولوحظ أن معدل الفقر يزداد مع انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار، نتيجة الاعتماد على الدولار بالتسعير مما يزيد من معدل انكشاف الراتب، وتبلغ قيمة راتب الموظف السوري بشكل وسطي 150 ألفا سورية، هذا الراتب انخفض من 1 نيسان/ إبريل، بقيمة أكثر من 58 في المئة، حيث تراجعت قيمته من 38.5 دولارا إلى 16 دولارا أي معدل الانكشاف هو 97.3 % أو 62.8 %، متجاوزا بذلك خطر الفقر نتيجة تغير سعر صرف الدولار.
ولا تكمن خطورة هذه النسبة على الانخفاض فحسب الذي يؤثر على نجاح الاستثمار وحتى نجاح مؤسسات الدولة بان تمول نفسها من الضرائب و تقلل الدعم ، وإنما على التذبذب خلال الانخفاض الذي يجعل الجميع يتوقع الاسوء ويتوقع ان هناك العاب تمارس بالسوق، دون أي إجراءات من مصرف سوريا المركزي لإيقافه، وهو ما يشير إلى فشل الاستثمار وانتشار الجريمة الاجتماعية، وأن مؤسسات الدولة تسير نحو الفشل بتقديم التزاماتها.
هل يحسن التطبيع العربي قيمة الليرة؟
مع التضخم الكبير الحاصل بالاقتصاد السوري، والمتزامن مع سياسات حكومية متشددة بالطباعة لأسباب تقنية تتعلق بالكلفة والقوانين اللازمة، يعيش الاقتصاد السوري نقصا بالسيولة النقدية، سواء بالليرة أو الدولار. ومع سعر الصرف الحالي، فإن حجم المتوفر من السيولة في سوريا، لا يتجاوز 3.3 مليارات دولار(فإذا حولنا قيمة الليرة إلى دولار، حسب سعر الصرف الحالي)، على اعتبار أن مصادر خاصة بمصرف المركزي قد ذكرت أن حجم الأموال المطبوعة والمتوفرة بسوريا هو 30 ترليونا ليرة سورية، إضافة إلى مبلغ 100 مليون دولار (لدى المركزي فقط) مقدمة من الإمارات.
أهمية هذا الرقم أنه يفسر السياسات المركزية الشديدة التي خلقت نقص في سيولة من خلال منع التداول غير بالليرة، وعدم القدرة على تأمين الكمية الكافية من فئات العملة.
للإيضاح، تشير أرقام البنك الدولي إلى أن حجم الناتج المحلي لعام 2022، يقدر ب 15.5 مليار دولار، مع تحفظي على الرقم، ما يعني بلغة سهلة أن الناتج المحلي الشهري وسطياً هو 1.2 مليار دولار. فإذا ما أخذنا الدورة الإنتاجية الواحدة التي تحتاج إلى شهرين، ما بين الاستيراد والبيع وتحويل الأموال إلى الدولار، فإن الناتج المحلي يكون 2.4 مليار دولار، وهذا الرقم يمثل 90 % من السيولة المتوفرة 3.3 مليارات دولار!.
لذا، فإن البنك المركزي سوف يستمر يالمعاناة وخاصة ان سياسته تنبع من قرارات سياسية ترسم مصالح شخصية لاصحاب القرار السياسي و ترسخ هيمنتهم السياسية والاقتصادية على حساب استقرار الليرة السورية .