وجّهت دعوة لرئيس النظام السّوري، بشار الأسد، لحضور القمة العربية في العاصمة السّعودية، الرياض، منتصف شهر أيار/ مايو الفائت لتمثيل مقعد سوريا الشاغر منذ ٢٠١٥ بعد استبعاد المعارضة في قمّة مصر بقرار ضمني والذي اعتبر، حينئذ، خسارة سياسيّة للمعارضة السّورية في مناصرة وكسب تأييد الدول العربيّة بمشروعهم السياسيّ السّوري، ليعود النظام السوري لتمثيل مقعد سوريا بعد أن سحب منه على إثر قرار تجميد العضوية عام ٢٠١١.
لم تكن محاولة السعودية هي الأولى لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، لكنها كانت ناجحة مقارنة بالمحاولات التي سبقتها من الجزائر وقبلها الأردن التي كانت غالباً، تصطدم بالعقوبات الغربية التي تمنع أي تطبيع مع الأسد خارج متطلبات القرارات الدولية، حتى تم إقناع السعودية بذلك تحت وابل من ضغوطات مختلفة بين إنجاح اتفاق إيران وإيقاف هجمات ميليشيات الحوثي ومكافحة الكبتاغون السوري.
منذ إعادة الأسد إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية يشعر السوريون أن ثمّة محاولة لتعويم الأسد بطرق متعدّدة على حساب قضيتهم وعدالتها؛ فقد تزامنت عملية عودة النظام السّوري إلى الجامعة العربية، انفتاح إقليمي ودولي تمثّلت بالمضي قدماً في التطبيع بين النظام الأسد والحكومة التركية وتصريحات حول نية الأسد الانضمام إلى دول البريكس، إضافة إلى عروض مالية قدمت لنظام الأسد تحت غايات مختلفة تتعلق بمصالح الدول التي قدمت تلك المساعدات، كل هذا دفع بالمعارضة أن تعيد قراءة تموضعها وآلية عملها، لعلها تنقذ القضية السورية وتمنع انهيارها، فكانت اللقاءات مع دول غربية تطلب منع التطبيع من خلال مزيد من التفعيل لقوانين العقوبات الغربية عبر التأكيد أن التطبيع مع الأسد له ضرر على الأمن والسلام العالمي لأنه سيشجع على إفلات مجرمي الحرب من المحاسبة، فالتطبيع سوف يشعر الأسد بأنه غير ملزم بالاستمرار بالتفاوض وفق القوانين والعهود الدوليّة المتعلقة بسوريا وحلّ القضية السورية، انطلاقاً من أن صدور بيان جنيف والقرار الدولي 2254، كان مرتبطاً بموازين القوى في تلك الفترة، وتلك الموازين لم تعد في مستوى القلق ذاته له، وخاصة أنه تمكن من استعادة السيطرة على مساحات جغرافية واسعة في سوريا، مقابل ذلك، كما أن النظام يرى أنه لم يعد أي إمكانيّة لقيام أي عملية عسكريّة ضده في سوريا، وبالتالي لن يحاكم النظام وحلفائه على أي عملية عسكرية سيقوم بها لمحاولة استعادة السيطرة على مواقع المعارضة في شمال غرب سوريا وشرق الفرات، حتى لو أدت إلى ارتكاب جرائم وانتهاكات جديدة بحق السوريين بتلك المناطق.
في ظلّ هذا التصاعد السياسيّ الذي يتيح للنظام السّوري العودة والتحرّك في المجالين الإقليمي والدولي بشكل أكبر، لا يبدو أن ثمّة تفهّم سوري معارض واضح لهذه المتغيّرات الّتي ربما تفضي إلى هزيمة كليّة للسّوريين وعودة كليّة للنظام السّوري إلى الساحة الدولية بشكل وحيد؛ فكانت ردود الفعل الصادمة من بعض أطراف المعارضة، ومنها الحركة السياسيّة النسّوية، المشاركة في هيئات المعارضة التفاوضيّة والمساهمة في الكتل السياسيّة والاجتماعيّة والمدنيّة في مؤسسات المعارضة السياسية المختلفة، عبر بيان الختام لمؤتمرها العام الخامس، والذي عقد افتراضيّاً في سوريا، وفيزيائياً في مدينتي برلين وإسطنبول، تحت شعار “ثُرْنا معاً وسنبني معًا”، ما بين 24 وحتى 26 حزيران 2023، وبحضور 76 عضوة وعضواً من الحركة، يتوزعون في 20 بلداً حول العالم؛ إذ طالبت الحركة وفق نص البيان “على العقوبات المفروضة على سوريا أن تكون أكثر حساسيةً وتركيزاً على وضع المدنيات والمدنيين وتجنيبهم آثارها السلبية، ويجب إعادة النظر في جميع برامج العقوبات القائمة وتفكيكها والعمل مع خبيرات وخبراء سوريات وسوريين للوصول إلى فهم أكثر عمقاً من منظور اقتصادي وسياسي وقانوني لها، لتحديد العقوبات التي لها تأثيرات سلبية أكثر من إيجابية، وبالتحديد تلك المفروضة على بعض القطاعات والتي تحول دون القدرة على تحسين الوضع المعيشي لعامة الشعب، فيما أن قدرة النظام على الاستفادة في حال تمت إزالتها لن تكون كبيرة”.
هذا البند يثير التساؤل حول الخلفيات السياسية والاقتصادية التي تدعيها الحركة، فلا يوجد من العقوبات ما اسمه عقوبات “أكثر حساسية” وإنما اسمها “عقوبات ذكية” حيث مصطلح أكثر حساسية يمكن الإشارة الى العلاقات الإنسانية والامراض وليس في علوم السياسة التي تحتاج إلى الوضوح والجزم، بل تسمى عقوبات ذكية.
والعقوبات الذكية هو نمط من العقوبات التي طالب بها كوفي عنان عام 1999 وأسّسها كولن بول بشان العراق، لتميز بين الحاكم والمحكوم والهدف تأمين مواد التجارة المدنية دون قيد وشرط مع منع استيراد المعدات العسكرية وما يترتب على ذلك من منع إعادة تسليح القوات العسكري وحرمان السلطة السياسية من التصرف بالثروات لأغراض تقوية وجودها بطريقة غير مقيدة ومراقبة المطارات والمنافذ الحدودية لتأكد خلوها من المحظورات مع وجود تواجد لمنظمات الأممية للأشراف على عمليات المساعدات وتقيد سفر الحكومة العراقية وتقيد التصرف بأموال القطاع النفط والموارد التي تأتي من التعامل الخارجي.
ومن خلال الاطلاع على العقوبات الذكية نجد صعوبة تطبيقها بالملف السورية وهذا ما حدث حين فرضت على حكومة الأسد عقوبات ذكية وصفت بالمخففة، وذلك من خلال عقوبات تشمل عدد من أفرادها على إثر “قانون محاسبة سورية” بتهمة دعم الإرهاب ورفض الانسحاب من لبنان ومن ثم اغتيال رفيق الحريري.
ثمّة فشل واضح المعالم في هذه العقوبات حسب السياسيين الغربيين؛ فالنظام السّوري تمكّن بسهولة من التخلّص منها، ففي عام 2009 أصدر تقرير اقتصادي عن سوريا رسمياً يشير إلى إقامة علاقات تجارية بينية مع 100 دولة وهذا ما دفع الغرب إلى تصعيد العقوبات بعد عام 2011، وخاصة أن بعض الشخصيات المعاقبة كان لها دور بدعم الآلة العسكرية التي قتلت السوريين ودمّرت مدنهم، لتتغير طبيعة العقوبات منذ عام ٢٠١٢ وصولاً إلى قانون قيصر بعد صراع في أروقة صناعة القرار الأمريكي من قبل اللوبي السوري الداعم لقضايا السوريين منذ عام 2016، فقد اعُتبر قانون قيصر من نمط العقوبات القطاعية (تشمل قطاعات اقتصادية محددة)، فقد فرض على البنك المركزي السوري الذي كان له دور في تمويل العملية العسكرية وعلى النفط الذي سلم للمليشيات الإيرانية وفاغنر والقاطرجي وحمشو (بينما بقي الجزء الأساسي بقي بيد التحالف الدولي وقسد لتمويل الإدارة الذاتية هناك دون السماح للجميع بتطوير واستثمار تلك الآبار على اعتبار أنها جزء من تمويل مرحلة الحل السلمي)، كما أن إيران وأمراء الحرب والعراق ولبنان والأمم المتحدة استمروا بتزويد النظام بالمحروقات، كما أن قانون سيزر شمل عقوبات على شركة الطيران السورية رغم أن ما تملكه الدولة السورية طائرتين والعقوبات على هذا القطاع قديمة قبل الثورة، وقاموا بإنشاء شبكة للتهرب من تلك العقوبات من خلال اإشاء شركات خاصة مملوكة من قبل وكلاء له، مثل أجنحة الشام، التي كانت وسيلة حكومة الأسد لنقل مقاتليه من مناطق سيطرته لصالح معارك فاغنر، إضافة إلى نقل مليشيات إيرانية وأسلحة لمليشياته.
ولو أنه لم يكن هناك حظر لرأينا شركات لحمشو وسامر الفوز وباقي أمراء الحرب تستخدم في تحويل سوريا لسوق للمرتزقة.
إضافة إلى أن عقوبات قيصر شملت البرامج التقنية تلك التي استطاع الأسد شراءها من السوق السوداء، وعقوبات لمنع إطلاق إعادة إعمار سوريا قبل حل سياسي وخاصة مع قانون الإرهاب الذي أقرته حكومة الأسد والذي وضعت يدها على أملاك المهجرين باعتبارهم إرهابيين!
واستثنت عقوبات قيصر التعاملات المدنية والتجارية بأنواعها للأفراد والقطاعات الحيوية كالصحة، وبالتالي لم تخرج عقوبات قيصر عن العقوبات الذكية بمعناه الذي أنشئ به أول مرة.
أما سوء الواقع الاقتصادي الذي يعصف بحياة السوريين فمرده إلى أسباب كثيرة منها طول الحرب وتهجير النخب الاقتصادية وتغول أمراء الحرب والميليشيات وصناعة المخدرات والفساد والتضخم والكثير من الأسباب التي يطول شرحها، وأن التجارة مع الدول ليس لصعوبة التحويلات المالية فقانون قيصر لم يمضِ على تطبيقه الفعلي إلا من حزيران 2020 حتى شباط 2023 الذي توقف بسبب الزلزال، فهل كانت حياة المواطنين قبلها أفضل أو بعد شهر شباط أفضل؟ وكيف توصلت الحركة السياسية النسوية لنتيجة أن النظام لن يستفيد من إزالة العقوبات بشكل كبير؟
ما الأسس الاقتصادية التي اعتمدوا فيها على ذلك؟ ما الحقائق التي لدى الحركة السياسية النسوية غير لدى المحللين والخبراء السوريين؟ هل اطلعوا على الآلية التي أدار النظام بها المساعدات التي قدمت لضحايا الزلزال؟ هل هم على علم بحجم الاستثمارات التي منحت لأمراء الحرب وحلفائه من روس وإيرانيين والتقيدات على باقي السوريين؟
لا غريب فالبيان فيه قبول ضمني بـ التفسير الروسي للقرار من خلال عدو ذكر ضرورة المحافظة على تراتبية تنفيذ القرار 2254.
والبيان يحتوي على كثير من المغالطات حول مفهوم الاقتصاد التنموي الذي يردن بناءه على أنقاض تفكيك اقتصاد الحرب، على اعتبار أن الاقتصاد الحالي به ضعف. أين الاقتصاد موجود في مناطق النظام ما ملامحه؟ وأخطاء أخرى حول مفهوم المركزية القوية حسب وصفهم، فحسب البيان تأتي اللامركزية القوية التي تعتبر عملية معقدة تحتاج إلى تخطيط قوي من إنشاء مركزية قوية ودعمها بالدستور والقوانين وبعد اللامركزية يمكن بناء اقتصاد مستدام، وكأن عضوات الحركة لم يعشن في سوريا وعانين من المركزية القوية التي كانت سبب جوهري بالثورة وكنّ معتقلات، بل كأن معظمهن كنّ يعشن في الدول الإسكندنافية!
ربما لا يمكن تبرير دعوة الحركة السياسية النسوية لرفع العقوبات سوى التأثر بالحملات الدعائية التي يقوم بها النظام بدعم من بعض الدول العربية التي لها نفوذ بالملف السوري، ليبقى السؤال هل كانت نية طبية لدعوة الحركة السياسة النسوية أم أن الدول العربية التي تريد العودة الى الملف العربي كان لها نفوذ عليهن أم أن الحركة تريد الانضمام الى التيار الثالث الذي يحاول التوفيق بين طلبات الشارع المعارض وطلبات النظام وما هي الضمانات لانصياع النظام لمطالبات الشارع السوري المعارض؟
ليفانت – يونس الكريم