مصطفى محمد
يحاول النظام السوري في ظل زيادة العجز في الموازنات، الاستعاضة عن طباعة فئات نقدية جديدة بالاقتراض الداخلي عبر إصدار سندات وأذون الخزينة، لتأمين السيولة النقدية وسحب الفائض منها للحدّ من نزيف الليرة السورية.
وفي إصدار هو الثالث من نوعه في غضون عام، أعلنت وزارة المالية التابعة للنظام السوري عن موعد إصدار سندات خزينة بأجل خمس سنوات وبقيمة 300 مليار ليرة سورية، مؤكدة أن المزاد سيقام في 21 آب/أغسطس.
تابعت الوزارة أنه يمكن للمؤسسات العامة والخاصة المشاركة بشكل مباشر، وكذلك يشارك الأفراد المؤهلون عبر فتح حساب لدى أي من شركات الوساطة المالية أو المصارف العامة المؤهلة للاكتتاب على هذه السندات.
ويلزم النظام السوري المصارف الخاصة والحكومية بالاكتتاب في هذه السندات، بهدف تأمين السيولة اللازمة لتغطية نفقات حكومته (رواتب، نفقات استهلاكية)، علماً أن الحكومات تلجأ في العادة إلى هذا النوع من الاقتراض الداخلي لتشغيل قطاعات إنتاجية.
سحب فائض السيولة
ويصف المستشار المالي الدولي الدكتور أسامة قاضي الاقتراض عبر سندات الخزينة والأذون بـ”أسوأ أنواع القروض”، ويقول لـ”المدن”: “تزيد هذه السندات من الأعباء على الحكومة، ولا تساعد على تحريك عجلة النمو الاقتصادي، لأنها تذهب إلى تغطية العجز في الموازنة، وتمويل الشق الجاري في الموازنة المالية”.
ويقول إن غاية النظام من طرح السندات لن تتحقق، أي سحب فائض السيولة من السوق لموازنة العرض والطلب لتحسين سعر الليرة، أو تحسين الوضع المعيشي لأن عائد السندات لن يذهب لقطاعات تشغيلية يمكن أن تساعد على امتصاص فائض البطالة التي تعدت 90 في المئة، معتبراً أن “الاستعانة بأدوات نقدية مثل سندات الخزينة لانتشال ما تبقى من اقتصاد سوري متهالك، كالذي يعطي مريض سرطان دواء السعال منتهي الصلاحية، والمستفز أن يخرج الطبيب ليشرح للمريض نجاعة هذا الدواء ويسوق لطريقته في العلاج بكل وقاحة وغباء واستهتار بحياة المريض”.
وفي ظل “التضخم” الكفيل بأبتلاع أي نسبة فائدة تعرضها الحكومة على السندات، يُلزم النظام المصارف بسندات الخزينة، كما يؤكد قاضي الذي أضاف أن “المصارف مضطرة إلى دفع الإتاوات حتى يسمح لها البنك المركزي العمل بالسوق السورية، أما المصارف الحكومية فهي تضيع أموال المودعين السوريين”.
الاصدار لا يغطي المستوردات اليومية
سابقاً كان النظام يقترض من المصرف المركزي، لكن العجز المالي المتراكم وعدم توفر مداخيل مالية لتجديد المخزون النقدي للمصرف أدى إلى عدم قدرة الأخير على توفير السيولة، ما دفع بالنظام إلى الاعتماد بشكل أكبر على السندات، ويمكن تلمس ذلك من خلال رفع قيمة السندات من 600 مليار ليرة في العام 2022، إلى 800 مليار ليرة في العام الجاري 2023.
لكن الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم يشكك بجدوى السندات، نظراً لقيمتها الصغيرة مقارنة باحتياجات النظام، ويقول لـ”المدن” إن قيمة الإصدار الأخير (300 مليار ليرة سورية) بالدولار لا تُغطي حجم المستوردات اليومية لمناطق النظام الذي يُقدر عند 7 ملايين دولار”.
وبذلك، يرى أن أهداف النظام من إصدار السندات لا علاقة لها بسحب السيولة النقدية لتقليل الضغط على الليرة وتخفيض التضخم، ولا تجنب طباعة فئات نقدية، ولا تغطية الاحتياجات المالية الحكومية، وإنما إعادة هيكلة القطاع المصرفي في سوريا بحجة عدم فعالية هذا القطاع، بمعنى أن النظام يريد إعطاء مميزات وتسهيلات للمصارف المشاركة.
ويقول إن “الأخطر أن يتم بيع هذه السندات بشروط تناسب شريحة محددة، حيث سمح النظام للأفراد بصفة شخصية بالاستكتاب على السندات”، مضيفاً أن “الخشية أن يعيد النظام تجربة رهن مقدرات الدولة والاستثمارات السيادية مثل الفوسفات والموانئ”.
وأياً كان هدف النظام من إصدار هذه السندات، يُنتظر أن تشتد الأزمة الاقتصادية في مناطق النظام السوري في ظل العجز المالي الكبير وزيادة الديون الحكومية.
المقالة منشورة على موقع المدن.