منصور حسين
يربط مراقبون بين إجراءات نظام أسد بشأن رفع الدعم التدريجي عن المشتقات النفطية والغاز المنزلي، وبين اتفاق بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على تفعيل خط ائتماني إيراني – سوري جديد.
وبحسب مواقع موالية فإن الاتفاق بين النظام وحليفه الإيراني على إطلاق للخط الائتماني سيؤمّن نحو 2 مليون برميل نفط شهرياً، بما يضمن انسياب الورديات النفطية بشكل دوري خلال الأشهر المقبلة.
شروط وتوصيات
وتزامن الحديث عن الخط وزيارات وفود أسد الاقتصادية إلى طهران، مع إصدار قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية والغاز المنزلي، وتوجه أسد لسياسة التشاركية الاقتصادية التي تعود عليه بالمنفعة، بعد منح شركات خاصة تراخيص استيراد النفط والغاز وتوزيعه.
ورفعت حكومة أسد تسعيرة الغاز بأنواعه، المنزلي المدعوم والحر والصناعي، بنسب تجاوزت 70 في المئة، وذلك بعد أيام فقط على زيادة أسعار المشتقات النفطية بنسب تفوق 170 في المئة، التي أدت إلى اندلاع موجة احتجاجات في مختلف مناطق أسد.
ويعتقد مراقبون سوريون أن السياسات الاقتصادية الأخيرة، جاءت تنفيذاً للشروط والتوصيات الإيرانية مقابل تفعيل الخط الائتماني الجديد، بهدف الحصول على ضمانات تغطية البدل النقدي لاستيراد المحروقات والغاز.
ولا يستبعد الصحفي المهتمّ بالشأن الإيراني “عمار جلو” أن تكون إيران قد وضعت شروطاً بعضها سيادية على نظام أسد مقابل إعادة تزويده بالنفط، في ظل ما تعيشه قطاعاته من فساد كبير وسيطرة المافيات عليها.
ويوضّح أن ما تم طرحه نهاية العام الماضي يتحدث عن رفض إيران تزويد أسد بالنفط عبر خطّ الائتمان إلا وفق الأسعار العالمية، وهو ما تم رفضه من قبل حكومة دمشق ورفض التعقيدات الإيرانية لتفعيل خط الائتمان بينهما حينها.
وقال: “تسعى إيران للهيمنة على الساحة الاقتصادية السورية لتكمل معها سيطرتها على القرار السياسي والعسكري في سوريا، إلا أنها في الجانب الاقتصادي تلاقي الفشل أو التأخير بتنفيذ الاتفاقات المعقودة مع حكومة أسد، ولذلك نشهد دائماً تصريحات مسؤولين إيرانيين تتمحور حول ضرورة تنفيذ الاتفاقيات السابقة، والممتدة على طول العقد الماضي.
وأشار “جلو” إلى أن الوجود الروسي في سوريا كعامل معطّل للهيمنة الاقتصادية الإيرانية على الاقتصاد السوري، “غالب الساحات الاقتصادية الحيوية ذهبت لروسيا، باستثناء قطاع الاتصالات وحيز من قطاع الكهرباء والموانئ وفي القطاع الأخير بما لا يتعارض مع مصالح روسيا”.
ويحصل أسد على النفط من واردات الخط الائتماني الإيراني بشكل رئيسي إذ يغطي جزءاً كبيراً من احتياجات مناطقه، إلا أنه يواجه انقطاعات متكررة لعجز أسد على سداد استحقاقاته لطهران، إضافة إلى النفط القادم من مناطق سيطرة مليشيا قسد شرق سوريا، والذي تسيطر على خطوطه شركات القاطرجي، من خلال اتفاقيات تضمن توفير النفط مقابل الدولار.
تقليص الدعم
ويتّفق الاقتصادي السوري يونس الكريم وهو مدير منصة اقتصادي، مع الاعتقاد السائد حول محاولة أسد تأمين القطع الأجنبي من خلال تقليص الدعم عن المشتقات النفطية، مشيراً إلى أن كلاً من إيران وقسد يرفضان بيع النفط دون الحصول على ثمن المادة نقداً.
ويرى الكريم أن نظام أسد لم يقم بإزالة الدعم كلياً، إذ يوجد شريحة من السكان وبعض القطاعات لا تزال تحصل على المحروقات المدعومة، بينما الآلية التي يتبعها هي جعل عملية العرض والطلب من يحدد سعر السلعة، وتقليص الدعم الذي يحاول من خلاله الوصول إلى أهدافه.
ويتمثل الهدف الأول بحسب الكريم، بالعمل على تأمين النقد الأجنبي لتغطية ثمن المحروقات إن كان عبر الخط الائتماني من إيران أو ما يستجرّه حلفاؤه من مناطق شرق سوريا. والثاني، توجّهه إلى تقليص حجم العجز في موازنته، بعد أن وصل التضخم مراحل تمنع أسد من دعم المحروقات وبقية السلع والخدمات وقوضت جهوده في الحصول على قروض من البنوك ومؤسسات التمويل.
ويقول في حديثه لأورينت: تحديد سعر السلعة بناءً على العرض والطلب، يعني حرية الاستيراد والتصدير، وهذا غير موجود في سوريا مع القيود الشديدة جداً على عملية الاستيراد، وبالتالي فإن ما يجري عبارة عن تقليص حجم الفئات التي تتلقى الدعم النفطي، مع الحفاظ على دعم مؤسسة الأفران التي لا تزال تحصل على مخصصات ثابتة.
وأشار إلى أن تحديد سعر المشتقات النفطية يجري بناءً على الأسعار العالمية وتسعيرة دول الجوار، إضافة إلى كلف الاستيراد التي تكون مرتفعة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على أسد.
خصخصة انتقائية
ورغم حاجة كل من إيران ومليشيا أسد إلى القطاع الخاص ومنح شخصيات ورجال أعمال جدد رخص استيراد وتوزيع النفط في سوريا للالتفاف على العقوبات الغربية، تؤكد إجازات منح الاستيراد إصرار أسد تمسكه بالقطاع.
ويعتبر الكريم أن نظام أسد يتبع سياسة الخصخصة الانتقائية، بحيث تمنح تراخيص الاستثمار لأفراد ومؤسسات تابعين للقصر بشكل مباشر، وآخرها كان منح شركة “البوابة الذهبية” التي يمتلكها “آل قاطرجي” ترخيصاً حصرياً بتوزيع المحروقات للفعاليات الصناعية والتجارية.
ويمتلك “آل قاطرجي” بنية تأسيسية واسعة في مجال النفط تشمل العديد من الشركات والمؤسسات المرخصة في كل من سوريا ولبنان وروسيا، وعملت لأكثر من عشر سنوات على توريد النفط إلى مناطق أسد من قنوات عديدة بدأت مع تنظيم داعش واستمرت مع مليشيا قسد، حتى وصلت أخيراً إلى استحواذها على استيراد النفط خارجياً معتمدة على خطوط التهريب وميناء بيروت.
ويضيف الكريم: فعلياً لا يوجد قطاع خاص في سوريا، إنما هناك بعض الأفراد المحسوبين على دائرة أسد، يقومون بجمع المحروقات من قنوات عديدة مثل مناطق سيطرة قسد وبعض الآبار الخاضعة لسيطرة العشائر، إضافة إلى استيرادها من إقليم كردستان شمال العراق والشحنات القادمة إيران براً عبر العراق.
ولفت إلى أن إيقاف عمليات استيراد النفط الخارجي التي كانت تجري عبر التجار عام 2021، من خلال الضغوط التي مارسها المكتب السري ساهمت بوجود الأزمة التي كان أسد قادراً على تحاشيها بإطلاق يد التجار والسماح بالاستيراد.
ويتوقع اقتصاديون توجّه أسد إلى المزيد من خصخصة قطاع النفط على غرار بقية القطاعات الخدمية، إلا أن هذه الخصخصة مرتبطة بغلاء أسعار جديدة تنتظر السوريين، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وعجز الموازنة وزيادة الديون الخارجية على أسد.
المقالة منشورة على موقع اورينت