اقتصادي – خاص:
كشف مصدر مطلّع لموقع “اقتصادي” حقيقة الاكتشافات في حقل زملة المهر الغازي وسط سوريا، حيث يأتي إعلان حكومة نظام الأسد الأخير، عن إدخال بئر زملة المهر 5 في الإنتاج، مثيراً للتساؤل عن مصير بقية الآبار المكتشفة في ذاك الحقل، خاصة وأن حجم الإنتاج من الغاز لم ينعكس على واقع الطاقة في البلاد، في حين تفيد المعلومات بأن إيران أجبرت النظام على توقيع عقود لمدة 49 عاماً تستثمر بموجبها تلك الآبار الغازية.
وبدأت طهران في بسط سيطرتها على حقل زملة المهر الغازي منذ اكتشافه في شباط / فبراير 2022، حيث وصلت في نيسان / أبريل 2022، إلى “مطار دمشق الدولي” طائرة مدنية تعود لشركة “إيران إير” للطيران قادمة من “مطار الإمام الخميني الدولي”، على متنها 13 مهندس إيراني مختصين بالهندسة البتروكيماويات، تم استقدامهم من قبل “الشركة الوطنية الإيرانية للغاز” (NIGC) بموجب عقود مدتها سنتين أبرمتها الشركة معهم.
وقد تم نقل المهندسين بمرافقة مجموعة سرية من الحماية التابعة للحرس الثوري بإشراف الحاج أمير طلايي، من “مطار دمشق الدولي” إلى مكان البئر في بادية حمص، حيث سبق أن تم تجهز غرف مسبقة الصنع مخصصة لإقامة المهندسين، إضافة لاستقدام معدات حديثة خاصة بالتحكم بالبئر ومعالجة الغاز الطبيعي من طهران عبر طائرة شحن إيرانية من طراز بوينج 747 تابعة لشركة “فارس إير” ليتم تجهيز البئر وإدخاله مرحلة الإنتاج.
وبحسب المعلومات، قامت شركة الحفر الإيرانية الوطنية (NIDC) البدء بالعمل لحفر 3 آبار أخرى ضمن حقل المهر، بعد أن تم اكتشاف البئر من قبل “وزارة النفط التابعة للنظام السوري في منتصف كانون الثاني / يناير 2022، وقيّمت الشركة حجم الإنتاج الذي يصل تقريباً لنحو 2 مليون متر مكعب من الغاز النظيف يومياً، مايعادل 45 طناً من الغاز المنزلي، إلا أن الحرس الثوري استولى على البئر عقب إعلان النظام اكتشافه، وقام بطرد العمال والمهندسين التابعين لـ”المؤسسة النفط السورية” والاستيلاء على المعدات، واعتبرت إيران أن عملية الاستيلاء على البئر هي طريقة لاسترداد جزء من ديونها من النظام.
وفي منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بدأت “الشركة الوطنية الإيرانية للغاز” (NIGC)، بإدخال بئر زملة المهر 3 الواقع بتدمر في ريف حمص، والمكتشف حديثاً بالخدمة، وتم ضخ الغاز عبر شبكة الخط الأساسي التي تربط زملة المهر مع حقل شريفة ومعمل غاز جنوب المنطقة الوسطى، وذلك بعد أن تم الانتهاء من صيانة الشبكة، في حين كانت “الشركة الوطنية الإيرانية للغاز” (NIGC)، تقوم بضخ غاز بئر زملة المهر 1، وبئر زملة المهر 2، عبر شبكة خط الشاعر ومعمل أيبلا.
ووفقاً للمعلومات الخاصة التي حصل عليها “اقتصادي”، بلغ إنتاج بئر زملة المهر 3 مايقارب نصف مليون م3 من الغاز النظيف يومياً أي ما يقارب 13 طناً من الغاز المنزلي، وقد قامت إيران بتخصيص كامل إنتاج بئر زملة المهر 3، إلى جانب انتاج بئر زملة المهر2 لنقله إلى لبنان بإشراف “حزب الله” اللبناني، بينما تم تخصيص إنتاج بئر زملة المهر1 للاستهلاك في سوريا.
وأكد المصدر أن عملية الإشراف على الآبار الثلاثة يتولاها مهندسون إيرانيون مختصون بهندسة البتروكيماويات تابعين لـ”الشركة الوطنية الإيرانية للغاز” (NIGC)، وهم:
– المهندس عباس شهبازي
– المهندس حسن دهقان بور
– المهندس محسن مقصودي
– المهندس علي خسروي
– المهندس عاشور صالحيان
أما عمليات التنقيب عن الغاز المستمرة يشرف عليها خبراء ومهندسين إيرانيين مختصين بهندسة البتروكيماويات تابعين لـ”اشركة الوطنية الإيرانية للنفط” NIOCعرف منهم:
– المهندس أمير شرفي
– المهندس فريد أشنا
– المهندس عطاء الله همتي
– المهندس احسان واعظي
– المهندس محمد رضا سربندي
– المهندس سعيد فضل الله فعلي
– أمين صادق همداني
وعن أهداف إيران وأسباب اهتمامها الشديد بحقل زملة المهر، أوضح الخبير الاقتصادي يونس الكريم، إن طهران تدرك تماماً الموقع الاستراتيجي للحقل، فهو من جهة يطل على حقل الشاعر الذي يعتبر أحد أكبر وأهم حقول الغاز بالنسبة إلى حكومة النظام في سوريا، إذ يضم محطة تضخّ الغاز لحقل حيان في منطقة الفرقلس، الذي يغذّي بدوره منطقة الساحل والمنطقة الجنوبيّة، إضافة إلى احتوائه عدداً من آبار النفط أيضاً، كما يمثل حقل الشاعر للغاز، مصدراً استراتيجياً لإنتاج الكهرباء، لا سيّما أنّ أكثر المناطق الموالية للنظام في حمص وريفها واللاذقية وطرطوس والمنطقة الجنوبية، تعتمد بشكل مباشر على إمدادات هذا الحقل لتشغيل محطات الكهرباء في تلك المدن.
يضاف إلى ذلك، أن حفل زملة المهر، يطل على معمل إيبلا ومدينة حمص وباديتها، كما أنه قريب جغرافياً من مناجم الفوسفات السورية وخط نقل أنابيب الغاز لمحطات الكهرباء، وبالتالي هذا الحقل يشكل نقطة عسكرية هامة ترغب إيران في إبقاءها تحت نفوذها، بما يتيح لها السيطرة على البادية وأهم حقول الغاز والفوسفات وطريق إم 5 ما يعطيها فرصة التواجد في أي حل سلمي قد يحصل في المستقبل.
ويرى الكريم، أن استثمار إيران بهذا الحقل يمنحها ميزة تمكنها من خلاله المحافظة على بقاء مشروع خط “أنابيب الصداقة” قائم، وبالتالي لن تسمح بمرور أي خط آخر لنقل الطاقة، حيث ووقع وزراء نفط إيران والعراق وسوريا في يوليو/تموز 2011 اتفاقاً لتصدير الغاز الإيراني عبر خط أنابيب الصداقة الذي يمر بالدول الثلاث بتكلفة 10 مليارات دولار حينها، على أن يصل لاحقا عبر سوريا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، وخط آخر إلى لبنان الذي لم يكن جزءا من الاتفاق، ولكن المشروع تعطل بعد ذلك بسبب الأحداث التي شهدها العراق وسوريا.
ومن جهة ثانية، يمتد النفوذ الإيراني بمجرد سيطرتها على حقل زملة المهر، وصولاً إلى طريق “إم 5” وعلى طرق نقل البضائع براً، وبالتالي يصبح النقل البري بين المحافظات تحت سيطرتها المباشرة.
وكشف الخبير يونس الكريم، أن إيران لم تقم ببيع الغاز المكتشف من حقول زملة المهر، إلى حليفتها حكومة النظام السوري، بل قامت بتهريب جزء منه إلى “حزب الله” في لبنان، وجزء آخر تقوم ببيعه لأمراء وتجار الحرب في سوريا، والذين يقومون ببيعه للنظام السوري، الأمر الذي يخلق ولاءات لطهران بين تلك الفئة، وفي نفس الوقت يجعل الاستثمارات الإيرانية خارج سيطرة النظام ولا تعود عليه بالفائدة، بل تتحكم بها المصلحة الاستراتيجية لإيران فقط.
وبالتالي رفع الحواجز التي أقرها بشار الأسد لن تغير من الخريطة السورية سوى صعوبة رصد التغيرات التي كانت تقدمها تلك الحواجز كمعلومات، وأن إيران عازمة على تنفيذ اتفاقيتها الاقتصادية مع النظام ومنع استبعادها من اي حل سياسي يقلص نفوذها في سورية ، مما يشكل تهديد لاي حل سياسي سوري_سوري بالمستقبل بدفع من بعض الدول العربية.