اقتصادي – خاص:
ترتفع وتيرة قرع طبول الحرب بمناطق شرق الفرات التي باتت تشتعل تحت وطأة تحول الصراع، من إقالة “المجلس العسكري” بدير الزور بقيادة أحمد الجبيل، إلى صراع بين العشائر العربية التي تقطن المنطقة وقوات “قسد”، لا بل إن الأصوات الخارجية أصبحت هي الأخرى جزء مما يحدث بهذه الساحة، وباتت تحجب أي صورة للمشهد ما يعيق تحديد من هما طرفي النزاع وإلى ما يهدفان من الاقتتال، هذا التشويش يتم بوسائل متعددة من قبل الأطراف المهتمة بالمنطقة.
ويمكن حصر مواقف الأطراف بـ:
الأمريكان، اللاعب الأبرز في المنطقة، وصاحب الكلمة الفصل بما يملك من سلطة على طرفي الصراع، وقوة عسكرية تجعل الجميع ينصتون له رهبة منه، فالبعض يذكر بما حدث لقوات “فاغنر” خلال عام 2018 ، علماً أن سبب استهداف “فاغنر” ليس رغبة الأمريكان بالتصدي لهم، بقدر ماهو خديعة من قاعدة “حميميم”، حيث رغبت موسكو بالتخلص من قوة “فاغنر” المتنامية، فأرادت أن تظهر تلك القوات على أنهم متطرفين وليسوا تابعين لها، فكانوا صيداً سهلاً للأمريكان، لكن المشهد في دير الزور مختلف، لأن “قسد” تقوم بحماية القواعد العسكرية الأمريكية وخاصة “العمر والتنك وكونيكو، رويشد ..الخ”، كما أن العشائر العربية هم أهل المنطقة ومعاداتهم سوف يكّون خطر على تلك القواعد، عبر السماح للمليشيات الإيرانية باستهدافها، وهذا ما هدد به النظام، بناء على التجربة العراقية.
يضاف إلى ذلك أن العشائر ليسوا مرتزقة وغرباء، مثلما هو وضع “فاغنر”، وبالتالي استخدام القوة الأمريكية المفرطة سيكون لها تبعات دولية، قد تؤدي إلى محاكمة الجنرالات الأمريكية التي أمرت باستخدام القوة، كما هو الحال في دعوة المدعية العامة لـلمحكمة الجنائية الدولية “فاتو بنسود”، فضلاً عن أن واشنطن تعتبر الفريقين جزء من القوات الموالية لها على الأرض، وأن “قسد” بدون العشائر قوة لا حاضنة لها، كما تعتبر العشائر دون “قسد” قوة غير منظمة ولا ولاء لها، رغم أن أبو خولة أحمد جبيل قد قدم للأمريكان مشروعاً بديلاً عن “قسد” بالمنطقة، وهو السبب الرئيسي لاعتقاله، لكن تجاوزات وجرائم أبو خولة منعت الأمريكان من الموافقة على مشروعه وهو ما نشره “اقتصادي” سابقاً.
كما تعتبر أميركا أن لبّ الصراع هو صراع السلطة بين جناحي “قسد”.
قوات قسد، الطرف الآخر بالصراع، ويبدو أن الصراع مع “المجلس العسكري بدير الزور” الذي تم تشكيله من قبل قوات قسد الموالية لتيار مظلوم عبدي (فرهاد عبد شاهين) المدعوم من الأمريكان والتحالف الدولي، والذي يبدو أنه عاد للضعف من جديد، وبين تيار جميل بايك “جبل قنديل”، الذي ينظر إليه من قبل واشنطن ومن طرف القوى الموالية لـ”قسد” على أنه السبب الرئيسي للأحداث، وأنه المقرب بشكل خاص من النظام الأسد والروس والإيرانيين، الذي يرفض أي صدام عسكري مع النظام وحلفائه، بل يقود حملة التقارب مع النظام، فضلاً عن وجود قوة عسكرية متخفية في القوات الموالية لمظلوم عبدي تدعم بايك، وتدين بالولاء لنظام الأسد حسب ماذكرته الوثائق .
مشكلة “المجلس العسكري بدير الزور” بالنسبة لقسد، تيار جميل باييك، ليس أبو خولة، الذي كان من مؤسسي المجلس، وليس تطلعاته الى إقامة قوات عربية خالصة تكون منافسة لقوات قسد وتحت رعاية التحالف، إنما حجم وجود العشائر العربية والإثنية من غير الأكراد ضمن “قوات سورية الديمقراطية” والتي بدأت تصل للتحكم بها .
تركيا، التي تقع تحت ضغوط روسيّة شديدة للقيام بحملة عسكرية ضد “قسد” تكون الخاسرة فيها، لأن ذلك سوف يبعدها عن التحالف الغربي إلى نقطة لا رجعة فيها ، كما قد تجعل تواجدها بمناطق الشمال السوري غير مرحب به، بل وتفقدها الدعم الغربي كضامن للمعارضة، كما أن النظام سوف يكسب المناطق التي تسطر عليها تركيا، لذا لم تتدخل أنقرة في الصراع الحالي بشكل مباشر، وإنما فقط عبر “المجلس التركماني” سواء عبر قادة معاقبين أو عبر نفوذها في “هيئة تحرير الشام”، وبذلك تحاول أن تقدم رؤيتها عن الصراع، دون التدخل فيه بشكل مباشر، لكنها تعمل على دفعه للتحول إلى صراع شامل يستهدف المعارضة ومناطق نفوذها مما يجعل تدخلها فيما بعد أمراً شرعياً، كما حدث ويحدث شمال العراق.
النظام وحلفائه، على الرغم من وجود روايتين للأحداث، واحدة يتبناها أبناء المنطقة من المعارضة، وترى أن الأحداث تأتي تحت الحراك السوري الجديد ضد تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والجمود السياسي، وأن “قسد” باتت جزءاً من النظام، والرواية الثانية تعتمد على معلومات استخباراتية تم الحصول عليها في وقت سابق للأحداث، تتحدث عما يجري بالمنطقة وتصف الأحداث بشكل أكثر وضوحاً، حيث تشير تلك المعلومات الى أن استراتيجية النظام ستعمل على:
1- دعم كل الأطراف المتنازعة في مناطق دير الزور الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، قوات المجلس العسكري بدير الزور “قسد”
2- نقل الصراع والنزاع الى مناطق الميادين والبوكمال والحسكة بهدف جر المنطقة إلى حرب بين أبناء المنطقة من العشائر و”قسد”.
3- الضغط على “قسد” وإجبارها على الانسحاب من عدة مناطق لتسليمها لقوات الحكومة السورية، بحجة تأمنها وحمايتها، لمنع وصول تدفق أبناء العشائر المدعومين من قبل تركيا إلى تلك المناطق، ومؤازرة أبناء العشائر في دير الزور.
4- أن يكون لوجهاء وشيوخ العشائر المنطقة الموالين للحكومة السورية دوراً كبيراً في الضغط على أبنائهم المنخرطين في صفوف “قسد”، وسحب أبنائهم من قوات “المجلس العسكري بدير الزور”، ووقوفهم على الحياد في المواجهات العسكرية بين “مجلس دير الزور العسكري” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
5- البدء بإدخال قوات العشائر “قوات دفاع سوري إماراتي مشترك” المدعومة من قبل الإمارات، في الصراع بين “المجلس العسكري بدير الزور” و”قسد”، للقتال إلى جانب المجلس تحت مسمى دعم أبناء العشائر، بهدف السيطرة على المنطقة من قبلهم، والعمل على استقطاب مقاتلين المجلس من أبناء العشائر.
6- إطلاق سراح أعداد كبير من مقاتلين تنظيم “داعش” المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية، ونقلهم الى مناطق الصراع، بعد أن يتم تزويدهم بكامل الأسلحة والعتاد، بهدف الضغط على كل الأطراف وإشعال المنطقة.
7- وضع آلية لبدء تحرك المقاومة الشعبية في المناطق الشرقية في مواجهة المجلس وقسد، وذلك بعد أن يتم تزويدهم بكامل العتاد والأسلحة، وتشكيل غرفة عمليات خاصة بتحريك المقاومة الشعبية التي يشرف عليها اللواء لوقا.
وفي سبيل تنفيذ هذه الإجراءات وإشعال المنطقة، فإن بشار الأسد قد أوكل المهمة لرؤساء الأجهزة الأمنية الذين لازالوا يعملون بمناطق “قسد” ضمن ما يسمى بالمربعات الأمنية، حيث كانوا يراقبون ويبنون تحالفات في مناطق الإدارة الذاتية ككل حيث يقوم كل من:
اللواء مملوك: تم تكليفه باللقاء مع قياديين في “قسد” في القاعدة الجوية الروسية “حميميم”، بعد أن يتم ترتيب ذلك اللقاء من قبل القيادة الروسية في حميميم.
يتم خلال اللقاء، تقديم عرض من قبل الحكومة السورية لـ”قسد”، يتضمن:
– تدخل قوات الحكومة السورية لإسناد قسد في مواجهة المجلس وأبناء دير الزور، وذلك مقابل انسحاب مقاتلو قسد من بعض النقاط العسكرية الواقعة على الحدود السورية التركية الخاضعة لسيطرتها، وتسليمها لقوات الحرس الجمهوري.
– انسحاب قسد من بعض الآبار النفطية الخاضعة لسيطرتهم وتسليمها للحكومة السورية.
– الاعتراف ببشار الأسد رئيساً لسوريا كلها، والتمسك بوحدة الأراضي والسيادة السورية، بالإضافة إلى احترام العلم السوري ورفعه بكل الدوائر التابعة للإدارة الذاتية إلى جانب علم الإدارة الذاتية.
اللواء ملحم: تم تكليفه بإطلاق سراح أعداد كبيرة من مقاتلي تنظيم “داعش”، الذين يحملون الجنسية السورية المعتقلين لديهم، ونقلهم الى مناطق الصراع، وتزويدهم بكامل الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة الى سيارات الدفاع الرباعي، والذخائر، وتشكيل مجموعة خاصة من ضباط شعبة المخابرات العسكرية (الأمن العسكري) للإشراف على المهام الموكلة لهم، تحركاتهم في المناطق الشرقية.
إعداد تقارير يومية عن كامل تحركاتهم ونشاطاتهم، لرفعها لمكتب الرئيس الأسد للاطلاع عليها.
اللواء لوقا: تم تكليفه برتيب عدة لقاءات مع وجهاء وشيوخ العشائر في المناطقة الشرقية الموالين للحكومة السورية، لتقديم كامل الدعم المالي والعسكري لهم ولأبنائهم من المقاومة الشعبية، لمواجهة قسد، ومنحهم وعود بتسليمهم مناصب في الحكومة السورية
اللواء عليا: تجهيز قوات عسكرية إضافية من عدة تشكيلات تابعة للحرس الجمهوري وإرسالها مع كامل عتادها إلى خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على الشريط النهري في المناطق الشرقية.
لذا لا يمكن القول أن الأحداث في شرق الفرات قد تنتهي بسهولة، خاصة أن هناك لاعب جديد بالمنطقة وهو الإمارات التي بدأت تنشئ جيش من عشائر عربية في شرق الفرات، كما تعهدت الإمارات بإيقاف أي دعم سعودي لقوات سوريا الديمقراطية بتاريخ 7 شباط/ فبراير في القصر ا2023، وذلك عندما التقى اللواء مملوك في الإمارات مع كل من:- الفريق خالد الحميدان رئيس المخابرات السعودية، والشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني بالإمارات.
كما تعهدت الإمارات بإجراء اتفاق بين الأسد والامريكان، كل هذه الأحداث تجعل من المبكر القول بأن الحرب قد تتوقف باتفاق ترعاه أمريكا.