اقتصادي – خاص:
مع مرور الشهر الأول لانطلاقة احتجاجات السويداء، وزيادة أعداد المتظاهرين المشاركين فيها، يقف نظام الأسد صامتاً دون أي تصريح رسمي يبدي من خلال موقفه إزاء تلك الاحتجاجات، وسط تسريبات عن قيامه بتجهيز حملة اغتيالات وتفجيرات، لضرب الحركة الاحتجاجية في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية.
ما الذي حرك أبناء السويداء للتظاهر في هذا التوقيت!
يوضح الخبير الاقتصادي يونس الكريم، إنه رغم وجود أسباب متعددة للحراك في السويداء، إلا أن الخطر الأكبر الذي استشعرته الهيئة الروحية، يتجلى باستقدام “حزب الله” ومن خلفه إيران إلى أطراف المحافظة وبدء عملية تشييع أبناء الطائفة، خاصة وأنها مغلقة ولا يمكن التوسع بأعدادها عبر دعوة آخرين للدخول إليها.
وتابع الكريم، إن إيران إذ تنظر للدروز على أنهم جزء من الطائفة الشيعية، الأمر الذي جعل عملية التشييع تشكل خطراً حقيقياً على الدروز، في وقت لازال فيه خطر “داعش” الإرهابي قائماً وبتسهيل من الأجهزة الأمنية لحكومة النظام السوري.
وفيما يخص العامل الاقتصادي، أوضح الكريم إن السياسات الاقتصادية التي حولت الراتب الشهري للمواطن السوري مساوياً لأقل من 10 دولارات، شكلت ضغطاً كبيراً على محافظة فقيرة الموارد، ويشكل القسم الأكبر من أبناءها موظفين حكوميين، بينما تعتبر التحويلات الخارجية الواردة إليها من المغتربين في أوروبا أو فنزويلا، قليلة جداً وليست ذات أثر.
العامل الثالث، الذي تحدث عنه الكريم، هو انتشار عملية تهريب المخدرات عبر مناطق السويداء باتجاه الأردن، ما شكل خطورة على أبناء الطائفة، التي رأت في المخدرات مرضاً سرطانياً سيقضي عليها، حيث سيجعل حكومة النظام السوري من السويداء كبش فداء له، لإعادة تطبيعه عبر محاربة الكبتاغون.
وعلى التوازي، يحمل الحراك في السويداء بين طياته دوافع سياسية، تتلخص بالتضامن مع الحراك في الساحل المعروف باسم “حركة 10آب”، إضافة إلى التخوف من إدخال السويداء في عملية مقايضة المخدرات، والمشروع الأمريكي على اعتبار أنها، رأس حربة لمحاربة التواجد الأمريكي بقاعدة “التنف”، من وجهة نظر حكومة النظام السوري الذي يسعى لتجنيد أبنائها لهذا الغرض.
من يدعم الحراك ومحتجي السويداء؟
وعلى صعيد الدعم والجهات المؤازرة للحراك في السويداء، أوضح الكريم، أن الجهات الداعمة لهذا الحراك بالدرجة الأولى هي القيادات الروحية للطائفة، التي وجدت بعملية التشييع وانتشار المخدرات خطر يهدد ووجودهم، إضافة إلى دعم أبناء المنطقة الذين قرأوا مواقف الدول فيما يخص اقتراب طرح حل فيدرالي في سوريا، وهذا الحل مرفوض لأنه ليس إلا هروب والتفاف من حكومة النظام تجاه مسؤولياته في تحسين معيشة المواطنين.
وتابع الكريم أنه على صعيد دول المنطقة أو القوى المحيطة، فيقدم بعض المتنفذين في الأجهزة الأمنية الأردنية دعماً لهذا الحراك الذي وجدوا أنه سيخفف من انتشار المخدرات، إضافة لوجود دعم أمريكي مبني على رؤية تقول بأن تحسين وضع السويداء وتقويتها، سيمنع عودة “داعش” لمنطقة مثلث التنف، ويخفف الضغط على جيش العشائر الذي تشكله أمريكا للسيطرة على الحدود السورية الأردنية.
أما المعارضة السورية فاقتصر دعمها للحراك في السويداء على الشق المعنوي فقط، حيث يوجد ثلاثة مواقف للمعارضة، يرى أولها أن ذلك الحراك يشكل بداية للثورة الثانية ولابد من تشجيعه، بينما يرى جزء ثان من المعارضة أن عملية ظهور السويداء فيه مكسب للمعارضة، ويحقق هدفها في تجريد حكومة النظام من ورقة دعم الأقليات والإثنيات، لكنه متشكك من أهداف الحراك خاصة بعد رفع علم التوحيد والاعتماد على القيادة الروحية، ومع ذلك وجدوا في دعمها إرهاقاً لحكومة النظام السوري وتعرية له.
الجزء الثالث من المعارضة السورية، يرى أن الحراك اقتصادي ولا يؤخذ عليه، وأن حكومة النظام السوري يحرك المنطقة لإعادة ترتيب الجغرافية السياسية والجيوسياسية، لإعادة بناء المنطقة، وإرسال ورقة للأردن وقانون الكبتاغون بأنه يعمل على محاربة المخدرات، وأن العقوبات تحد وتمنع عودة سلطته، وبالتالي يحتاج للدعم لاستعادة السيطرة.
التداعيات الاقتصادية للحراك
وبخصوص عدم تأثير الحراك على سعر الصرف، أوضح الخبير الاقتصادي يونس الكريم، إن معظم القوى العاملة في السويداء هم موظفون في مؤسسات الدولة، وهم طبقة ذات قدرة شرائية ضعيفة، كما أن حجم الحوالات والمساعدات الواردة إليها ضعيفة، وبالتالي حجم العرض النقدي والطلب على السلع في المحافظة ضعيف، فهي تعاني من التهميش المتواصل.
أما في حال الوصول إلى الانفصال، فيوضح الكريم، إن التداعيات في حال الانفصال غير مباشرة، لكنها تعطي الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا دافعاً للاستقلال، وهي التي تشكل الثقل الاقتصادي، كما أن انفصال السويداء قد يؤدي إلى انضمام سهل حوران ودرعا وهنا سيتشكل ضغط اقتصادي على حكومة النظام، وتندفع باقي الأقاليم للمطالبة بالاستقلال الإداري والحكم الذاتي، الأمر الذي يشكل ضغط على كل الجغرافيا السورية، بما فيها الإدارات المستقلة، لأن كل منطقة لها امتيازات معينة لكن الأقل امتلاكا لها هي السويداء.
وحذر الكريم من أن أخطر ما يكون بعملية الاستقلال، هو تشجيع وإعطاء شرعية لمناطق شرق الفرات لتنفصل أيضاً، ففضلاً عن الضغط الاقتصادي، ستشكل تلك المنطقتان قوساً يحرم حكومة النظام السوري من الوصول الى الحدود العراقية -السورية، وبالتالي تشكل المناطق من السويداء إلى شرق الفرات، القوس الذي يمنع وصول أي امدادات لسوريا من إيران عبر العراق، ويمنع حتى مستقبلاً تنفيذ الاتفاق الخليجي مع حكومة النظام لمد خطوط الطاقة إلى سوريا.
خطة النظام في التعامل مع السويداء
وعن خطط حكومة النظام السوري للتعامل والتصدي لهذا الحراك، كشفت مصادر خاصة لـ”اقتصادي” أنه يتم تحضير فرقة من المتشيعين إلى جانب بعض أبناء المحافظة الموالين لحكومة النظام، للقيام بعمليات تفجير واغتيالات بهدف زعزعة الأمن وإعادة السيطرة عليها، إلا أن هذه هي ورقة أخيرة قد تستخدمها حكومة النظام السوري، وحالياً يتبع استراتيجية التجويع لردعه المتظاهرين وصنع البلبلة في منطقتهم، على أمل أن تتراجع قواهم فيقوم تقديم امتيازات اقتصادية جيدة ولكن لا تحقق مطالب الانتفاضة، وفي حال لم تنجح استراتيجية “الجزرة”، تبدأ الاغتيالات ودفع “داعش” لمحيط المحافظة دون دخولها، لأن ذلك أمر غير مرغوب به دولياً ويحمل انتقادات وقد يؤدي لتدخل أمريكي عسكري، وهو ماتخشاه حكومة النظام السوري ويمنعه من استخدام القوة تجاه الاحتجاجات حتى اللحظة.
فحكومة النظام السوري لم تتحرك بالقوة بعد لأنه مازالت تعمل وفق استراتيجية التجويع وبعدها تقديم الامتيازات بما يخفض حجم المطالب ويسيطر عليها، كما أنه يسير في خطة تقول إنه في وضع اقتصادي صعب، ويحتاج إلى دعم ورفع العقوبات، وهي جزء من خطة الإمارات لتعويم حكومة النظام ورفع العقوبات عنه، أما استخدام القوة المباشرة ستجعله خاسراً لوجود ورقة الإثنيات، ويؤدي لتقليص المساحة التي يسيطر عليها، كما قد يدفع أمريكا والأردن للتدخل عسكرياً لوقف تدخل حكومة النظام السوري.