اقتصادي – خاص:
كشفت مصادر خاصة لمنصة “اقتصادي” أن رأس النظام السوري بشار الأسد يحمل معه إلى الصين عرضاً اقتصادياً وعسكرياً، ويعوّل على بكين لتكون آخر ورقة قد تنتشله من عزلته الدولية، بعد فشل خطة التطبيع العربي، في ظل عقبات غربية أولاً وخروج القرار السياسي من تحت سيطرته وحده، نتيجة تعدد اللاعبين المتحكمين على أرض الواقع في سوريا.
وتأتي الزيارة كنتيجة لتردي الوضع الاقتصادي بالدرجة الأولى، بعد أن كان النظام يعوّل على التطبيع مع العالم العربي ليكون طوق نجاة له، لكن ذلك التطبيع اصطدم بوجود عراقيل غربية منعت حدوثه رغم كل التصريحات السياسية للعلن عنه، كما أن التطبيع العربي كان مشروطاً بإجراءات سلامة لم يستطع بشار الأسد إنجازها خلال الفترة المعطاة له، فضلاً عن كون القرار ليس له وحده في أي خطوة سياسية، بل هناك لاعبين عدة على الأرض، هم روسيا وحزب الله، إيران، الميليشيات الشيعية المنضوية تحت حزب الله، إضافة لأمراء الحرب.
وجاء الاتجاه نحو العلاقة مع الصين بناء على استشارات مع الإمارات ودعمها بالتقارب وموافقة من بوتين خلال زيارة الأسد السرية إلى موسكو الشهر الماضي، على اعتبار ان إعادة تعويم الأسد تتم بخطة موضوعة من الاستخبارات السورية بقيادة علي مملوك، ومستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، وحكومة النظام ملتزمة بالخطوات التي اقترحتها أبو ظبي.
ووفقاً لتسريبات حصل عليها “اقتصادي” يتمحور العرض الذي ينوي الأسد تقديمه للصين خلال زيارته الحالية، حول تفعيل خط الغاز الإيراني إلى البحر المتوسط بتمويل وإدارة صينية، الأمر الذي من شأنه أن يعطي الصين تواجداً بالمساحة السورية ويعتبر تعويضاً عن خسارتها لحقلي تشرين وعودة، وما رافقهما من احتيال سوري على الصين، وتخفيف من ديون إيران وحد من انتشارها بالبادية السورية.
ويعتبر هذا الخط تحكماً ببناء البنى التحتية كون الخط يتقاطع مع طريق بري يصل عدة محافظات معاً، كما أن حكومة النظام السورية تسعى أيضاً من خلال الصين إلى التخلص من العقوبات الأمريكية وقاعدة “التنف” والتواجد العسكري الأمريكي جنوب سوريا.
وعلى التوازي، سيتم طرح إعادة تنشيط الاستثمار البحري، فعملية إيصال خطوط النفط تتطلب تطوير الموانئ السورية وهو ما يتطلب ضخ أموال كبيرة في سوريا، كذلك سيتم طرح إعادة تطوير مناطق من حلب (التي تحمل أهمية كبيرة في عملية إطلاق إعادة الإعمار وكسر للعقوبات)، انطلاقاً من مقولة إذا كانت كل الطرق الاقتصادية تؤدي إلى روما فكل طرق روما تمر من حلب، وقد قطع النظام أشواط في التفاوض السري مع الصين.
ولابد للنظام أن يقدم للصين مشروعاً متكاملاً حتى يغريها للتدخل في سوريا، ويبدو أن المشروع بات مقنعاً للصين ومؤثراً على الساحة الدولية كونه يمتد ليشمل قضايا إضافة لسوريا، هي كل من لبنان والعراق وحتى الأردن، في ظل نجاح الصين في إدارة التفاوض السعودي الإيراني، ورغبة أصدقاء أمريكا بمنقذ مالي جديد، بعد عزوف واشنطن عن مد اليد العون لهم.
بالمقابل، يعوّل النظام على الاستفادة من الأزمة العقارية التي تواجهها بكين، وحاجتها لاستثمارات كبيرة، حيث أصبح الشرق الأوسط وشمال افريقيا مؤهلاً لإعادة تنشيط شركات الصين، كما هناك فرصة ذهبية لاستغلالها عبر استثمار الواجهة البحرية في التنقيب عن النفط والغاز، وما لذلك الملف من أهمية في تشكيل ميناء بحري للصين على المياه الدافئة، وما يمكن لذلك المشروع أن يشكله في تطويق المشروع الهندي السعودي الإسرائيلي المزمع تنفيذه، والذي يشكل حصاراً للصين واستثماراتها.
وفيما يخص طرح إعادة استثمار خط الغاز العربي الذي اصطدم بتمويل “صندوق النقد الدولي”، فإن “بنك التنمية” الذي تتزعمه الصين من “بريكس” يمكن أن يحل محله، في وقت تعتبر فيه الصين نفسها قادرة على تمويل ذلك المشروع، الذي يشكل بوابتها لدخول الأردن ومصر حلفاء أمريكا وانتزاعهم منها، كما أن ذلك يقود إلى حرمان أوروبا من الوصول إلى الغاز الرخيص دولياً، لأن الصين ستعمل على استجرار كامل كميات النفط والغاز من شمال إفريقيا وآسيا وبالتالي يزداد التحكم والضغط على أوروبا، فضلاً عن أن الأسد يعول بنجاح هذا الاستثمار على طلب قروض.
أما الشق العسكري، فتضمن العرض السوري للصين، إبرام صفقة شراء أسلحة نوعية من الصين، وتضم تلك الصفقة منظومة الدفاع الجوي الصينية، وقطع غيار للطيران الحربي، وبناء قاعدة عسكرية صينية ومعامل لإنتاج السلاح.
الموقف الروسي الإيراني من التقارب السوري الصيني
حصلت دمشق على الموافقة الروسية والإيرانية إزاء تقربها من بكين، خاصة وأن دخول الأخيرة في الملف السوري، سيحرك الاستثمارات الإيرانية المتوقفة في سوريا، وبالتالي تحصل طهران على أموالها، والنسب قد تتعدل بين إيران والصين وتحصل على دعم كبير من الصين، خاصة وأنه لا توجد مشاكل بين تلك الدول، يضاف إلى ذلك أنها ستؤدي بشكل غير مباشر إلى رفع أسعار المحروقات عالمياً، مايفيد روسيا بشكل غير مباشر في حربها مع الغرب، فضلاً عن إبقاء المشاريع العسكرية الروسية (قاعدة حميميم وطرطوس) تحت سيطرة موسكو، لكن فقط سيضيق الخناق على أمريكا وتواجدها في سوريا والعراق، ويضعف تواجدها بدول شرق المتوسط، ويدفعها للخروج من المنطقة، كما أن مشاريع موسكو ستبقى كما هي، إضافة لوجود تمدد صيني ببعض مشاريع القائد السابق لمجموعة “فاغنر” يفغيني بريغوجين، المتوقفة بسبب التمويل.
وفيما يخص تركيا، تعتبر الصين الأكثر قدرة على التفاوض مع أنقرة وتقديم ضمانات لإقناعها بالانسحاب من شمال سوريا، وإنهاء الملف السوري بحيث تظهر الصين كقوة ناعمة استطاعت الحفاظ على الأسد، مقابل تسهيل وصول بكين لموارد طبيعية كبيرة، وإلى إفريقيا في ظل التنسيق مع مصر والأردن، حلفاء أمريكا الأقوياء شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وبالمحصلة يبدو أن الوضع الدولي للصين أكثر وضوحاً، نتيجة وجود “بريكس” وانهيار العملات في دول حليفة لأميركا مثل مصر وتركيا، والإمارات اللاعب الأساسي الذي يريد تعويم النظام.
ولكن تبقى نقطة هامة أخيرة، هي أن الصين لم تبد نيّة في دخول سريع بالملف السوري، بل تريد استخدامه كورقة ضغط على الأمريكان والملفات الدولية بينها وبين الغرب وأمريكا، حيث من المرجح أن الصين لن تخرج عن توافقية الأمم المتحدة فيما يخص موضوع الحل السياسي في سوريا.