اقتصادي – خاص:
تسارعت قرارات نظام الأسد مؤخراً المتعلقة بصفوف جيشه والملتحقين بالخدمة العسكرية، وتنوعت تحليلات الأسباب الكامنة وراء اتجاه شبه علني من قبل حكومة النظام السوري إلى إعادة هيكلة الجيش وتحويله إلى احترافي، إلا أن الكشف المتلاحق عن خفايا الصفقات الجديدة التي تعقدها حكومة النظام السوري مع أطراف عديدة، بهدف قراءة موافقه السياسية ومعرفة اتجاهه نحو القضايا المحلية والإقليمية، تجعل الكفة ترجح لصالح تحليلات تستبعد الأزمة الاقتصادية كسبب وراء صدور قرارات تسريح أعداد كبيرة من صفوف الاحتياط أو حتى تشريع دفع بدل نقدي عن أداء الخدمة الاحتياطية، على اعتبار أن هذه الأموال سوف تذهب لصالح وزارة الدفاع لكي تسمح لها بتمويل هيكلة الجيش وإصلاح وضع مقاتليه الذين يعانون من أوضاع اقتصادية متردية، بحسب ما تسرب حولها إلى الإعلام.
وأبرز القرارات التي أصدرها النظام في هذا السياق، المرسوم الصادر يوم الجمعة 01/12/2023، والذي يوضح نية النظام تغيير هيكلة الجيش، حيث جاء بنص المرسوم التشريعي أنه يجوز للمكلفين بالخدمة الاحتياطية ممن بلغوا سن الـ 40 من عمرهم ولم يلتحقوا بعد، دفع بدل نقدي مقداره 4800 دولار أميركي أو ما يعادله بالعملة السورية، كما نص على أنه يحق لمن التحق بالخدمة الاحتياطية وبلغ سن الـ 40 وما زال يؤدي الخدمة، دفع البدل النقدي المذكور، على أن يتم حسم مبلغ 200 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة السورية عن كل شهر أداه المكلف.
وتلاه بعد أيام، صدور أمر إداري يوم الاثنين 4 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، يُنهي استدعاء الضباط الاحتياطيين (المدعوين الملتحقين) اعتباراً من تاريخ 1-2-2024 م لكل من يتم سنة وأكثر خدمة احتياطية فعلية حتى تاريخ 31-1-2024 م ضمناً، كما تم إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين (المحتفظ بهم، والمدعوين الملتحقين) اعتباراً من تاريخ 1-2-2024 م لكل من يتم ست سنوات وأكثر خدمة احتياطية فعلية حتى تاريخ 31-1-2024 م ضمناً.
ويوضح الخبير الاقتصادي يونس الكريم، أن إعادة هيكلة الخدمة الاحتياطية قرار قديم تم تداوله قبل بدء الثورة في سوريا، مع الإشارة إلى أن العسكر من صفوف الاحتياط يشكلون عمالة هامة لوزارة الدفاع سواء للوظائف الإدارية أو اللوجستية، وخسارتهم تؤدي إلى عرقلة تلك الوظائف التي يقومون بها وتعتمد عليهم الوزارة في أدائها، فضلاً عن أن خروج هذه الأعداد من المواطنين من المؤسسة العسكرية، يعني زجهم في سوق عمل متردي، وهذا الأمر سيؤدي حتماً لزيادة كبيرة في نسبة البطالة.
ويتابع الكريم، إن عملية التسريح سوف تستوجب على حكومة النظام السوري خلق وظائف جديدة أو السماح للقطاع الخاص بإنشائها لكي يتم احتواء هذه البطالة وعدم الدفع نحو مزيد من خلخلة الوضع الأمني كما حدث بالسويداء ومناطق من الساحل السوري، ويعتقد الكريم أنه بالاعتماد على طول خدمة الاحتياط، فإن مشاريع شركات الأمن والحراسة سوف تكون الشركات التي تحظى بدعم حكومة الأسد وتتماشى مع متطلباتها المستقبلية عند إعادة الإعمار.
وعلى التوازي، أكد الكريم أن الحديث عن انهيار النظام اقتصادياً، والقول بأن الهدف من مجمل قراراته تحصيل الأموال، هو كلام غير دقيق تماماً، لأن الناس القادرين على دفع مبلغ البدل عن الخدمة الاحتياطية والمحدد بـ4800 دولار هم فئة قليلة، لكنه في الوقت نفسه، يعتبر طلب غير مباشر من السوريين في الخارج الذين هربوا من أداء الخدمة الاحتياطية، فقد فتح المجال أمامهم للعودة بعد دفع المبلغ المطلوب وخاصة للسوريين المقيمين بدول الجوار والذين يتعرضون لضغوط كبيرة.
وربط الكريم بين القرار وبين عملية عودة اللاجئين، فقال، إن النظام بقراره تشريع البدل النقدي عن الخدمة الاحتياطية، يقول بأنه لا عودة مجانية لهؤلاء، وهناك من سيتحمل التكلفة إما المجتمع الدولي أو المواطنين، وإن الدول التي تريد إعادة النظر بشأن السوريين المقيمين على أرضها، يمكنها التعامل مع حكومة النظام السوري ودفع البدل عنهم، وبالتالي لا مانع من العودة إلى سوريا على اعتبار أن نسبة كبيرة ممن غادر البلاد، بينوا أن سبب مغادرتهم من سوريا، كان عدم رغبتهم القتال في جيش حكومة النظام السوري.
وعلى التوازي من ذلك يمكن النظر لمضمون المرسوم، بأنه خطوة من خطوات إلغاء المرسوم رقم 3، الذي يجرم التعامل بغير الليرة السورية، خاصة وأنه نص صراحة على دفع البدل بالليرة أو بالدولار، وبالتالي يحمل نوعاً من التساهل إلى حد ما بالمرسوم رقم 3، على حد قول الكريم.
وبين الكريم أن هذا القرار أيضا يحمل رسالة من حكومة النظام السوري أولا لإسرائيل، بأن الجيش يعيد هيكلة نفسه وهو من المتطلبات القديمة التوافقية لإجراء اتفاقية سلام مع إسرائيل، وكذلك هي رسالة للإمارات ودول الخليج بأن النظام ماض نحو إيقاف الحرب وإعادة هيكلة الجيش، وبالتالي نزع الصفة الحربية عن المجتمع السوري، وأنه لا حرب قادمة. لكن هذا الأمر لن تمرره حكومة الأسد مجاناً، وعليهم مساعدته اقتصاديا للمضي بهذا المسار أو إعادة الوضع إلى سابقه.
وكان الإعفاء من الخدمة الاحتياطية بدفع بدل نقدي محصوراً في السابق بالمقيمين خارج الأراضي السورية إقامة دائمة لمدة لا تقل عن سنة، ومحدداً بـ5 آلاف دولار أمريكي.