حسام جبلاوي – هاتاي
على أطراف مدينة أنطاكيا التي كانت أكثر المدن التركية تضررا من زلزال 6 شباط الفائت، يجتمع 7 عمال جميعهم سوريون في موقع قيد الإنشاء، ومعهم صاحب المشروع التركي، يبدأون باكرا كما جرت العادة لكن دون ملاحظة أي سترات موحدة أو خوذ الأمان.
في هذه المدينة المدمرة التي تعاني حاليا من نقص العمالة يعمل هؤلاء السوريون دون إذن عمل أو عقود رسمية مع صاحب العمل كما يذكر أحدهم ، ولا يملكون أي تأمين صحي يحميهم في حال وقوع أي إصابة عمل. لكنهم أمام حاجتهم لإعالة عوائلهم مضطرون للعمل.
ومنذ كارثة الزلزال تحولت مدينة أنطاكيا إلى مقصد للكثير من العمال السوريين بسبب كثرة الأشغال المتوفرة لاسيما في قطاع الإنشاءات. لكن ورغم خطورة هذه الأعمال يعمل القسم الغالب منهم بشكل غير قانوني دون أي تأمين صحي أو عقود تحفظ حقوقهم، فيما تغض السلطات التركية في معظم الأحيان الطرف عن وضع هؤلاء.
هروب من المسؤولية
خسر الشاب السوري عبد الكريم محمد الأحمد، البالغ من العمر 18 عامًا، حياته في شهر آب/ أغسطس الفائت إثر إصابته بضربة شمس مفاجئة أثناء أداء واجبه اليومي في موقع الإنشاءات بمدينة أنطاكيا.
ونقل موقع “تركيا بالعربي” عن شهود كانوا بقرب “الأحمد” أن درجات الحرارة كانت مرتفعة بشكل غير معتاد في تلك الفترة، حيث تجاوزت الـ 40 درجة مئوية، مما أدى إلى تعرض “الأحمد” لحالة ضربة شمس حادة أثناء تنفيذه لأحد المهام البنائية.
وسارع زملاء الشاب الراحل إلى نقله إلى المستشفى القريب، حيث تم تقديم العناية الفورية له، لكنه فارق الحياة بعد فترة وجيزة. وأكد الأطباء بحسب الموقع أن ضربة الشمس كانت عاملًا رئيسيًا في وفاته، نظرًا للتأثيرات السلبية القوية التي تسببت بها على جهازه الحراري.
يروي الشاب عمر طرابيشي (24عاما) تفاصيل قصته المؤلمة التي وقعت قبل أربعة أشهر أثناء عمله في ورشة بناء حيث تعرض لحادث أثناء قطعه لقضبان الحديد وأصاب يده بجرح عميق كاد يتسبب ببترها.
يقول طرابيشي إنه نقل إلى المشفى من قبل أصدقائه وكان فاقدا للوعي، وبعد تدخل طبي استمر لعدة ساعات نجا من الحادثة لكنه فوجئ بعد عودته للوعي بزيارة صاحب العمل والطلب منه أن يقول إن الحادث لم يقع في مكان عمل وحذره من ذكر اسمه في أي تحقيق لأنه سيكون عرضة للترحيل بسبب عمله بشكل غير شرعي. ووعده بالمقابل بأنه سيتكلف بجميع مصاريف إصابته بما فيها فترة النقاهة من الإصابة.
ويضيف “طرابيشي”: كنت خائفا بالفعل من تداعيات عدم امتلاكي إذن عمل وقلت ما طلبه صاحب العمل مني وخرجت بعد أيام من المشفى بإصابة ستضطرني للجلوس عدة أشهر وإجراء عملية ثانية لكن الأمر الذي صدمني هو إرسال صاحب الورشة 4 آلاف ليرة فقط تعويض لي وعدم رده على اتصالاتي المتكررة وتنفيذ وعوده.
ويختم بالقول:” أنا عامل بسيط، استدنت لدفع أجار منزلي الشهرين الماضيين، وإطعام عائلتي، تخلى عني صاحب العمل بعد الحادثة ولم أحصل على حقوقي فكرت بتقديم الشكوى لكن علمت أن الأمر بات متأخرا ولن أحصل على أي شيء”.
وبحسب تقرير مجلس صحة وسلامة العاملين التركية (İşçi Sağlığı ve İş Güvenliği Meclisi) توفي 29 لاجئاً سورياً في أثناء أداء واجباتهم المهنية منذ بداية العام الحالي وحتى شهر أيلول/ سبتمبر الفائت. كما قتل 27 عاملا سوريا آخرين خلال ذات الفترة بسبب “جرائم القتل المهني”.
حاجة كبيرة للعمال
قصة الشاب “طرابيشي” هي في الواقع تكرار لعشرات من قصص العمال السوريين الذين يعملون حاليا في مهن خطرة بمناطق الزلزال مقابل أجور توصف حاليا بالجيدة بسبب نقص العمالة في المنطقة نتيجة هجرة السكان إثر الزلزال.
وقبل أيام قليلة دعا رئيس الحرفيين في هاتاي أحمد تورونتش الحرفيين الذين لا يستطيعون العثور على عمل في جميع أنحاء البلاد إلى هاتاي للعمل وقال في حديث نقلته وسائل إعلام تركية: “هناك عمل في كل مكان في هاتاي الآن. حتى لو لم يكن صانع قوالب، فهناك جميع أنواع الوظائف في البناء “… هناك عمل، ولكن لا يمكننا العثور على عمال. هناك حاجة إلى عمال في هاتاي. وأضاف:” الأجر اليومي هو ألف ليرة. وفي الفئات المهنية الأخرى هناك من لديه أقل ومن لديه أكثر. الأجر اليومي يبدأ من ألف إلى 1500.. لا يوجد موظفون حتى بهذه الأسعار. “العمل ثقيل، لا أحد يريد أن يجعل أطفاله يعملون في مثل هذا العمل الشاق”.
ويبلغ تعداد السوريين في هاتاي، بحسب موقع رئاسة إدارة الهجرة، أكثر من 354 ألفاً، وهي رابع أكبر ولاية يتواجد فيها سوريون.
تعرض أحمد عبد العال وهو شاب سوري لاجئ يقيم في مدينة أنطاكيا قبل أيام لحادث سير خلال عمله على توصيل الطلبات لإحدى المطاعم التركية. وانتهى الأمر به إلى تسجيل مخالفة بحقه بمبلغ 14.318 ليرة تركية.
وقال الشاب الثلاثيني إن النسبة الغالبة من السوريين هنا يعملون منذ سنوات دون إذن عمل لأسباب عديدة أبرزها شروطه الصعبة، ورفض أصحاب العمل استخراج الإذن لهم لما يترتب عليهم من دفع مصاريف إضافية، وعدم تدقيق السلطات عليهم قبل الزلزال”. مضيفا أن العامل لو اشترط إذن العمل فربما لن يلقى من يشغله فضلا عن صعوبة استخراجه لاسيما مع تنقل العمال بين الورشات وأرباب المصالح”.
غياب الأرقام الرسمية
ونصَّ قانون الأجانب والحماية الدولية YUKK في “لائحة الحماية المؤقتة” تحت المادة ٩١ على السماح بعمل السوريين الذين هم تحت وصف الحماية المؤقتة في تركيا، ودخل هذا القانون حيز التنفيذ في ١٥ كانون الثاني عام ٢٠١٦. وقد أشارت المادة رقم ٢٩ من لائحة تصاريح العمل للأجانب الذي هم تحت وصف الحماية المؤقتة إلى أن عمل السوريين التابعين للحماية المؤقتة تنظمه شروط تتعلق بالوقت والمكان، والحصة، والأجرة، وغيرها.
وتغيب الأرقام التي تشير إلى حجم أذونات العمل الممنوحة للسوريين تحت الحماية المؤقتة، ولا تتوفر أية معلومات في ذلك، سوى تصريح وحيد من الحكومة التركية يشير إلى أن عدد أذونات العمل الممنوحة لحملة بطاقة الحماية المؤقتة بلغت 35 ألف إذن عام 2019.
وتشير هذه الأرقام أن نسبة السوريين الحاملين لتصاريح عمل نظامية لا تتجاوز 5% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي.
ما الذي يمنع تنظيم العمالة السورية؟
وحول أسباب عدم تنظيم العمالة السورية في تركيا يرى الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم أن الأمر يعود لرغبة الحكومة التركية بتأمين أيدي عاملة رخيصة للمصانع التركية، لأن تنظيم العمال يفرض على أصحاب المصانع والعمل دفع حقوق العمال بالكامل وهذا سيرفع كلفة العامل ويسبب خسارة الاقتصاد التركي للعمالة الرخيصة. كما اعتبر أن سبب تساهل الحكومة التركية في تطبيق قانون العمل على العمال السوريين يعود إلى رغبة السياسيين دائما بكسب ود التجار. وأضاف أن عدم تنظيم العمالة السوري يحقق أيضا بعض الفائدة للحكومة التركية من خلال بقاء هؤلاء العمال بدخل منخفض ما يحولهم لطبقة محتاجة وورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي ودول العالم بحيث تستطيع تركيا الحصول على أموال تقدم لدعم هؤلاء.
ولفت الكريم في حديثه إلى أن العمالة السورية في تركيا غير مدربة وتنظيم هذه العمالة قانونيا يكلف أصحاب الأعمال أيضا أن يجهزوا هؤلاء العمال ويؤمنوا لهم دورات تدريبية أسوة بغيرهم من العمال المنظمين الذين يملكون شهادات وهذا يشكل كلفة إضافية.
من جانبه رأى المحامي غزوان قرنفل رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار في تركيا أن مسألة عدم انتظام العمال السوريين ضمن نقابات العمال أو تشكيل رابطة تجمعهم يعود في المقام الأول لهشاشة الوضع القانوني للسوريين عموما في تركيا، وبنفس الوقت لجهل هؤلاء العمال بالقوانين المتعلقة بهذا الأمر وثالثا لعجز السوريين المزمن عن العمل الجماعي وغياب الثقافة النقابية. وأضاف: “مما خبرته في هذا السياق أيضا أن العمال السوريين أنفسهم لايرغبون الحصول على إذن عمل لأن ذلك سيحرمهم من كرت الهلال الاحمر من جهة، ومن جهة أخرى لرفض معظم أرباب العمل ومنهم أرباب عمل سوريين أيضا فكرة قوننة أوضاع هؤلاء العمال لأن ذلك سيرتب عليهم أعباء مالية إضافية لجهة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال، ويلزمهم بأداء ما هو أكثر من الحد الادنى للأجور، وكذلك سيجعل تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات عمل أمر متعذر أو مكلف ماليا أكثر.
وختم بالقول: “كل هذه العوامل مجتمعة هي التي أوجدت الوضع الحالي للعمال السوريين فضلا عن معطى أخير يتعلق ببطء الإجراءات الحكومية ومزاجيتها وتعقيداتها فيما يتعلق بإصدار أذونات العمل للأجانب.
المقالة منشورة على موقع صدى الشام