اقتصادي – خاص:
تصاعدت في الفترة الأخيرة التحليلات المتعلقة بمدى صحة أنباء عودة “حركة حماس” للعمل في مكاتبها ضمن العاصمة دمشق، ولكن أياً من الأطراف المعنية بالقضية لم تخرج عن صمتها أو تعلن صراحة صحة ذلك من عدمه.
إغلاق مكاتب وإقامة جبرية
وفي خضم ذلك تمكنت منصة “اقتصادي” من الحصول على تسريبات أمنية من داخل أروقة حكومة النظام السوري، تفيد بأنه لن يتم إعادة افتتاح مكاتب الحركة عكس ما كان متوقعاً، حتى أن المعلومات الخاصة لمنصتنا تفيد بما هو أبعد من ذلك، فبحسب معلومات أمنية حصل عليها “اقتصادي” تم إقرار إغلاق مكاتب الحركة بدمشق، بموجب اجتماع عقده بشار الأسد بتاريخ 25 نوفمبر 2023 مع اللواء حسام لوقا مدير إدارة المخابرات العامة (أمن دولة)، وبحضور اللواء بسام مرهج الحسن، مدير المكتب الأمني والعسكري في القصر الجمهوري، والعقيد سومر أديب، (ضابط ارتباط تابعة لإدارة المخابرات العامة) المشرف المباشر على كامل على نشاطات المكتب الرئيسي لحركة حماس بدمشق.
وتقرر، وفقاً للتقرير الأمني المسرب، تكليف اللواء لوقا بإشراف على إغلاق المكتب الرئيسي الخاص بالمكتب السياسي لـ”حركة حماس” الواقع بمنطقة المزة “والذي كان سابقاً مقر لإقامة خالد مشغل رئيس المكتب السياسي للحركة ومكتب رئيسي لها، وختمه بالشمع الأحمر، والتحفظ على كافة محتوى المكتب، وتعيين مفرزة حراسة تابعة لإدارة المخابرات العامة، كما تقرر وضع أعضاء المكتب تحت إقامة شبه جبرية، ومنعهم من التحرك بدون موافقة صادرة عن إدارة المخابرات العامة وبحسب المصدر الخاص فان تكليف “لوقا” بالمهمة هو رسالة لجميع الجهات الدولية أن وجود حماس بات مسالة أمن دولة !.
وقد شمل القرار شخصيات حمساوية الاخرى مثل إبراهيم مختار “المسؤول عن تسير شؤون مكتب دمشق”، وسامي عبد العليم “المسؤول عن العلاقات الخارجية”، يوسف الدويك “مسؤول التنسيق الأمني”، وأدهم يونس “مسؤول الارتباط بحركة فتح”.
وفي سبيل تسيير إدارة شؤون “حركة حماس” بسوريا حتى إتمام عملية الإغلاق، تم منح أعضاء المكتب السياسي، مكتب صغير سري لإدارة شؤونهم بشكل مؤقت، يشرف عليه إشراف مباشر العقيد أديب على أن يتم إنهاء كل التدريبات العسكرية لمقاتلي “حركة حماس” الذين تم استقدامهم من لبنان، وإغلاق كل المعسكرات التدريبية الخاصة بمقاتلي الحركة على الأراضي السورية، ونقل كل المقاتلين التابعين للحركة الخاضعين لدروات عسكرية داخل معسكرات تدريبية في الأراضي السورية إلى مخيم عين الحلوة في لبنان، وهو ما يتماشى مع تسريبات حول نقل “حركة حماس” إلى لبنان، حيث تم تحليلها على أن المقصود بهم حماس غزة في ٢٨/١١ بحسب اقتراح غربي.
مناورات سابقة
يعود الحديث عن ترميم العلاقات بين “حماس” ونظام الأسد، إلى إصدار بيان رسمي عن الحركة في سبتمبر 2022، معلنةً فيه “مضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة” مع النظام السوري، وذلك بعد أن كانت قررت مغادرة دمشق فبراير 2012، عقب نحو عام من بداية الثورة السورية.
وبحسب تلك المعلومات المسربة، شهد أواخر نوفمبر 2022 اجتماعاً بين رئيس النظام بشار الأسد مدير إدارة المخابرات العامة (أمن دولة) اللواء حسام لوقا، بمكتبه بقصر الشعب، حيث كان الاجتماع يدور عن الخطوات لاستقبال وفد عن المكتب السياسي لـ”حركة حماس”، ابتداءً بترتيب وصولهم من مطار دمشق الدولي وصولاً إلى ممارسة أنشطتهم في دمشق، وكانت الترتيبات تشمل لـ4 أعضاء من اللجنة السياسية _مكتب خارجي للمكتب السياسي لـ”حركة حماس”، وهم:
– إبراهيم مختار
– سامي عبد العليم
– يوسف الدويك
– أدهم يونس
حيث سلمت دمشق المكتب الرئيسي لهم في منطقة المزة، كما تم إعادة محتوى المكتب بشكل كامل بعد أن تمت مصادرتها وإغلاق المكتب بالشمع الأحمر من قبل إدارة المخابرات العامة سابقاً، وحسب المصدر نفسه، فقد ذكر أن هذا الإجراء روتيني، اي ان اغلاق المكتب تم بنفس الروتين الذي تم منحه لحماس لاستعادة مكاتبها ، حيث يمكن اعبتاره نوع من اللغاء سماح لعوة حماس الى دمشق، وان اقتصار تمثيل حماس على نفس الاعضاء يشير الى أنها لم تثق بحكومة النظام السوري.
التوتر بين حماس ونظام الأسد
الحركة وقعت بمأزق لدرجة الانقسام داخلياً على خلفية أحداث الثورة في سورية، حيث برز تيار وقف مشجعاً للربيع العربي والذي كان الحرك السوري جذوة هذا الربيع ، هذا التيار مثله المكتب السياسي ،فقد قال إسماعيل هنية خلال صلاة الجمعة في جامع الأزهر بالقاهرة في فبراير/شباط 2012: “أحيي كل دول الربيع العربي، وأحيي شعب سوريا البطل الذي يناضل من أجل الحرية والديمقراطية والإصلاح”، و من ثم كان الموقف أكثر وضوحاً مع خالد مشعل الذي رفع علم الثورة السورية في مهرجان حاشد في غزّة بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس الحركة في ديسمبر/كانون الأول 2012، قائلاً: “لا نؤيد سياسة أي دولة أو أي نظام يخوض معركة دموية مع شعبه”.
هذه التصريحات العلنية جاءت بعد خروج قيادات حماس من دمشق وانتقالهم إلى قطر، في حين حاول الجناح الآخر تأكيده على ضرورة البقاء على الحياد، ويمثله الجناح العسكري للحركة “كتائب القسام”.
ليبرز سؤال هام ، حول الذي موقف الحركة يتماهى مع الدول التي يتواجد بها المكتب السياسي؟
وقد ظهر تغير لموقف الحركة لشكل غير مباشر من الثورة السورية ، نتيجة لموقف قطر من إيران حيث ترجمته الحركة (المكتب السياسي) بلقاء جمع خالد مشعل بعلي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني آنذاك عام 2015، واعتبره نائب رئيس الدائرة السياسية “باسم نعيم” لقاء دافئ، و من ثم عملت طهران على دعم القسام مالياً وعسكرياِ مستفيدة من برود العلاقات الحركة مع دمشق من جهة، ومستفيدة من طرق اتصال حكومة دمشق من جهة أخرى عبر حركة “الجهاد الإسلامي” أو “حزب الله” سواء الدعم مالي وعسكري .
عودة علاقات دمشق مع حماس
بدأت علاقة دمشق بحركة حماس تعود للتفعيل من جديد عام ٢٠١٧ بضغط من طهران، وذلك بعد الانتخابات الداخلية للحركة والتي أسفرت عن سيطرة ممثلّي الجناح العسكري على مؤسساتها في قطاع غزّة، حيث يعدّ قائد حماس الجديد في القطاع يحيى السنوار ومعظم أعضاء المكتب السياسي في غزّة من قادة كتائب القسّام المحسوبين على إيران.
ويعود تاريخ تأسيس “حركة حماس” رسمياً في فلسطين إلى عام 1987، حيث تم ذلك على يد الشيخ أحمد ياسين، وستة آخرين، كحركة تحرر شعبية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتعد “حركة حماس” جزء من فكر جماعة الإخوان المسلمين بما يخص قضية فلسطين، استطاعت الحركة رغم مرجعيتها للاخوان المسلمين بالنهاية اقامة علاقات مع دمشق وتوثقها، والتي تبلورت بعد زيارة ياسين في 1998، ليكتمل ذلك الانفتاح تزامناً مع إبعاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك “خالد مشعل” وثلاثة من أعضاء المكتب من الأردن إلى قطر عام 1999، بعد إغلاق مكاتب الحركة واعتقال قادتها، وعلى إثر هذا الإبعاد رحبت حكومة النظام السوري بوجود قيادة الحركة على أراضيها.
لماذا تهتم حكومة النظام السوري بحركة حماس؟
يعود اهتمام دمشق بـ”حركة حماس” لأسباب كثيرة منها :
١_ ضغط من إيران على دمشق ، فسياسة طهران تقوم على الحزمة الواحدة، إما الجميع أو لا شيء، وترى طهران بأن” حماس” حركة جاهزة للعمل وأقوى من حليفتها “الجهاد الاسلامي ” وهي تستطيع الوقوف بوجه “حركة فتح” المحسوبة على الإمارات والخليج.
كما تعتبر حماس من “الإخوان” وهو ما يمهد لفتح حوارات مع الإخوان العالمية، الأمر الذي يشكل ورقة تفاوض مع دول الخليج بملفات المتعلقة بالخليج العربي” المائي ” الى اليمن واخيرا ورقة ضغط على المشروع الابراهيمي الإماراتي الإسرائيلي الذي بدا يتبلور اكثر فاكثر، وفي حال بدء المفاوضات، وهي ورقة رابحة في تخفف الضغط عن حلفائه الأساسيين “حزب الله” اللبناني ودمشق.
٢_ هي ورقة تفاوض أيضا بيد حكومة دمشق للتفاوض مع إسرائيل والإمارات والسعودية، وبالتالي الحصول على دعم سياسي واقتصادي بمفاوضتهم بها دون تنازلات سياسية منها، وورقة للتقرب من تركيا وقطر، على اعتبارهما من الدول الراعية للإخوان.
٣_ الاستفادة ماليا سواء بموارد الحركة المالية التي تقدر بأكثر من ٥٠٠ مليون دولار، أو الاستفادة من طرقها بالتهرب من المتابعة وغسيل الأموال.
4_ تحويل التفاوض مع دمشق من العلاقة مع طهران والتحول السياسي، إلى قطع العلاقات مع “حماس”.
وهذا بدا واضح أكثر بعد السابع من أكتوبر، حيث تسارعت اللقاءات والتفاوض مع دمشق على أساس أنها جزء من الضغط على “حماس” لقبول الشروط الأمريكية الإسرائيلية وأداة لإنهاء الحرب وإنقاذ الموقف السياسي العربي.
ضبابية المواقف
بالمقابل، أكدت لمنصة “اقتصادي” مصادر مختلفة، من كوادر “حماس” الموجودين داخل دمشق، أن “حركة حماس” ستعاود فتح مكاتب جديدة لها في العاصمة السورية، خاصة أن مقارها القديمة تم منحها لحركة “الجهاد الإسلامي”، وهي أي “حماس” ستعود على ضوء المعطيات الحالية ل “طوفان الاقصى” لتصبح دمشق قاعدة للحركة، خاصة ان ددمشق تشعر بان لخليج قد فشل بتنفيذ تعهداته سواء إيقاف القصف الإسرائيلي أو تقديم دعم للاقتصاد السوري من قبل النظام.
وبين مصادر الامنية التي تؤكد على المغادرة من دمشق و مصادر حماس التي تؤكد بقاء ودعم من دمشق ، يمكن ملاحظة بوادر التغيير من حكومة دمشق الادارية تجاه التعامل مع “حماس” وفلسطينين بالمجمل، والتي بدأت في قوانين الملكية التي كانت تعاملهم داخل سوريا بمثابة السوريين، اما الان فقد بدأ التشديد يطال تملكهم مع تسريب انه قد يشمل العمل و التنقل ، وهذا التغيير بالموقف الاداري يمكن اعتباره بداية التغير السياسي لحكومة دمشق بالتعاطي مع القضية الفلسطينية.
ورغم كل هذه السرديات ، تبقى الأسابيع القادمة هي معيار لتحديد اتجاه حكومة دمشق الذي تحاول إرسال رسائل للحركة ان كل الخيارات مفتوحة ومرتبطة ما سوف ت حصل عليه من الدول الخليجية من جهة و نتيجة معركة ” طوفان الاقصى ” من جهة اخرى.