يمان نعمة
صوّت أعضاء “مجلس الشعب/ البرلمان” التابع للنظام السوري، لصالح رفع الحصانته على خلفية دعاوى فساد، في خطوة أثارت قراءات مختلفة، وحرّكت الجدل بين المراقبين بخصوص أهدافها، وما إن كانت ضمن الخطوات التي يتخذها النظام للظهور بمظهر “المحارب للفساد”.
وأكّد عضو في مجلس الشعب لوسائل إعلام موالية، أن المجلس رفع الحصانة عن فؤاد علداني، الذي يعد من أمراء الحرب في سوريا، مانحاً بذلك الإذن للقضاء بملاحقته بتهم فساد وتهريب مشتقات نفطية.
علداني أمير الحرب
ويقود علداني المنحدر من ريف إدلب، مليشيا تتبع لقوات النظام تسمى بـ”نمور الأسد”، ويتهم من قبل المعارضة بأنه شارك في ارتكاب العديد من المجازر التي نفذتها قوات النظام في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011.
وتوضح منظمة “مع العدالة” أن علداني شارك في اقتحام مدن دوما وداريا وتلكلخ، وساعد في تجنيد مخبرين للنظام السوري في عربين ودوما وبانياس وتلكلخ، وهو شريك في كافة الجرائم التي ارتكبتها قوات النمر عامة ومجموعة نمور الأسد خاصة.
وتشير إلى إشراف علداني بشكل مباشر على معبر وادي العزيب بين مناطق النظام والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، مؤكدة أن “مدخوله اليومي يتجاوز مليوني دولار”.
وتتابع بالتأكيد على تورطه بعمليات تزوير واستيلاء على ممتلكات كثيرة ما بين حلب وإدلب، وذلك بسطوة المخابرات الجوية والعميد سهيل الحسن، وتغطية من اللواء جميل الحسن، فضلاً عن عمليات تهريب آثار لصالح اللواء جميل الحسن مدير إدارة المخابرات الجوية السابق.
وتلفت المنظمة إلى أن علداني أسّس مجموعة الفؤاد الصناعية والتجارية من الأموال التي نهبها والتي جمعها من المعابر والاستيلاء على أملاك الناس، وذلك بمساعدة من العميد سهيل الحسن المعروف بـ”النمر”.
للخُطوة دلالات
وأثارت خطوة النظام قراءات مختلفة، ويرى الخبير والباحث الاقتصادي، يونس الكريم، أن الخطوة تحذيرية لكل أعضاء مجلس الشعب، مبيناً أن “النظام يريد الانصياع الكامل من أعضاء مجلس الشعب للسياسات الاقتصادية التي تصدر من القصر الجمهوري”، ويضيف أن “رفع الحصانة لا يعني فصل علداني من مجلس الشعب، وإنما تسمح الخطوة لوزارة العدل باستدعاء العضو للتحقيق”.
وثمة رسائل أخرى يريد النظام تصديرها من الخطوة، وهي بحسب الكريم، الادعاء للحاضنة الشعبية التي ترزح تحت عوز شديد، أن “مرحلة محاربة الفساد وتحديداً لأمراء الحرب قد بدأت، وأن رئاسة النظام غير راضية عن الفساد”.
من جانب آخر، أشار الكريم إلى محاولة النظام تحميل أزمة نقص المحروقات التي يعاني منها السوريون إلى “المهربين وأمراء الحرب”، وقال: “يريد النظام القول إن المحروقات المدعومة تُهرب للخارج، والدولة تعمل كل ما بوسعها لتوفير المشتقات النفطية وتخفيض أسعارها”.
وأخيراً، يريد النظام إرسال رسائل للدول العربية التي طبعت معه، مفادها أنه يحاول إعادة استقرار البلاد، وأنه يكافح الفساد، وأمراء الحرب بخطوات متسارعة.
إعادة تأميم
وعلى النسق ذاته، شكّك الصحفي السوري، محمد الشيخ بجدية النظام، وذلك رداً على التفسيرات التي اعتبرت أن الخطوة تؤشر إلى بدء النظام حملة على “أمراء الحرب”، وقال ” إن “ما يجري الآن هو إعادة تأميم، لأموال بعض أثرياء الحرب؛ وإن النظام السوري اعتاد على هذا الأسلوب حتى ما قبل الثورة، لكن على نطاق ضيق”.
ولا يمكن بحال من الأحوال، وفق الشيخ، وضع الخطوة في إطار “محاربة الفساد وأمراء الحرب”، مؤكداً أن “النظام يعيد ترتيب المشهد الاقتصادي، والقصة بدأت برجل الأعمال المقرب من آل الأسد رامي مخلوف، وطالت العديد من الشخصيات بعده مثل خضر علي طاهر، واليوم عند علداني، وكل هذه الأموال لا تذهب للخزينة السورية، وإنما لآل الأسد”.
وأوضح الصحفي أن كل هذه القرارات تصدر من “المكتب الاقتصادي” السري الذي تديره أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وقال: “انتهى دور هؤلاء، وبالتالي ملاحقتهم تخدم مصلحة النظام بالتخفيف من حدة الغضب الشعبي من جانب، ومن جانب آخر تظهر هذه الخطوات أن النظام يلاحق أمراء الحرب”.
ويستدل على ذلك، بعدم ملاحقة النظام لبعض الشخصيات المتورطة في الفساد، مثل عضو مجلس الشعب عامر خيتي المتورط بتجارة المخدرات، وأحد المشمولين بالعقوبات الأمريكية، وقال: “لم ينته دور خيتي لأن النظام يحتاج خدماته، وعندما ينتهي دوره سيكون بيد القضاء”.
وقال الشيخ، إن “مجلس الشعب لا يستطيع التحرك دون الضوء الأخضر من رأس النظام ومن المكتب السري في القصر الجمهوري، وتقديري أن رفع الحصانة الجزئي عن علداني يأتي لإفساح المجال أمام تسوية مالية معه، أي دفع المبلغ المطلوب مقابل انتهاء الملاحقة”.
أثرياء الحرب
وبحسب دراسة صادرة عن مركز “حرمون للدراسات”، فإن بداية ظهور أمراء الحرب تقاطعت مع حاجة النظام إلى إيجاد قنوات أكثر مرونة في الاقتصاد السوري، لتلبية متطلبات الانتقال إلى اقتصاد الحرب، بعد الثورة السورية.
وأضافت أنه مع استمرار الحرب تطوّرت المقايضة بينهم وبين النظام من صيغة “خدمات أمنية وعسكرية”، إلى “خدمات أمنية وعسكرية واقتصادية” تمثلت بحصولهم على حصص وشراكات في قطاعات مختلفة بنسب معينة.
كما أكدت الدراسة أنه “مع ظهور أمراء الحرب كشرط موضوعي، عمل النظام على صناعتهم وتهيئة الشروط اللازمة لنموهم المتزايد، وتجلى ذلك بمنحهم الرعاية والنفوذ اللازمين من الجهات الفاعلة فيه، وفي وقت لاحق من ظهورهم، سارع النظام إلى إدماجهم في الأطر السياسية، كمجلس الشعب”.
المقالة منشورة على موقع عربي21