الرئيسية » من قطر عبر سوريا إلى أوروبا لعبة الجغرافيا السياسية وإعادة تشكيل للهيمنة على خريطة الطاقة

من قطر عبر سوريا إلى أوروبا لعبة الجغرافيا السياسية وإعادة تشكيل للهيمنة على خريطة الطاقة

بواسطة يونس الكريم

حسن المروان حراج

في سياق التنافس الدولي والإقليمي، ومع انهيار دكتاتورية الإبادة الأسدية في سوريا بعد 61 عامًا من الحكم الاستبدادي، عاد مشروع “خط الغاز الطبيعي بين قطر وتركيا ” إلى الواجهة كأحد المشاريع الاستراتيجية التي كانت قد تعرضت للرفض القاطع من النظام المخلوع في عام 2009، يمثل هذا المشروع اليوم فرصة لإحداث تحولات جذرية في موازين الطاقة الإقليمية، حيث يُتوقع أن يلعب دورًا محوريًا في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة.

يمتد خط الغاز القطري الذي يبلغ طوله 1500 كيلومتر من قطر ثم السعودية، الإمارات العربية، تركيا ، سوريا كنقاط عبور إلى البحر الأبيض المتوسط وصولًا إلى أوروبا، بتكلفة تقدر بحوالي 10 مليارات دولار، ويعد هذا الخط من المشاريع الضخمة التي تتداخل مع مصالح اقتصادية معقدة وحسابات سياسية متعددة، ما يجعله نقطة محورية في صراعات النفوذ الإقليمي والدولي. يشكل هذا المشروع خطوة مهمة نحو إعادة توزيع مراكز الهيمنة الطاقوية، لا سيما في ظل تراجع نفوذ حليفَي الأسد البارزَين، إيران وروسيا، ما يفتح المجال لتحالفات جديدة وتعاون إقليمي قد يعيد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي في المنطقة.

تلبية الطموحات الأوروبية والشرق أوسطية:

يعد مشروع خط الغاز القطري من المشاريع الاستراتيجية التي تحمل أهمية بالغة لأوروبا وتركيا وقطر على حد سواء، حيث يلبي عدة أهداف اقتصادية ودبلوماسية وطاقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، يمثل هذا الخط خطوة مهمة في تزويد الأسواق الأوروبية بمصادر طاقة بديلة، حيث يهدف إلى تعويض العجز الذي نتج عن تقليص روسيا لإمدادات الغاز إلى أوروبا في أعقاب النزاع في أوكرانيا. وبذلك يسهم الخط في تقليل اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي، مما يعزز أمن الطاقة في أوروبا ويزيد من تنوع مصادرها، تشير الدراسات إلى أن الاتحاد الأوروبي كان يعتمد على روسيا بنسبة 40% من إجمالي احتياجاته من الغاز قبل الحرب الأوكرانية، وبالتالي فإن استبدال جزء من هذا الإمداد عبر خط الغاز القطري سيسهم في تقليل هذه النسبة بشكل ملحوظ، مما يوفر بدائل موثوقة.

من جهة أخرى، تسعى تركيا من خلال هذا المشروع إلى تعزيز مكانتها كمركز رئيسي للطاقة في المنطقة، وذلك من خلال ربطها بمصادر الطاقة الجديدة مثل الغاز القطري، ستتمكن تركيا من أن تصبح نقطة عبور رئيسية للغاز القطري إلى أوروبا، مما يعزز من دورها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط ، وبذلك تصبح تركيا محط عبور رئيسي للغاز القطري، ما يزيد من قدرتها على توسيع شبكة البنية التحتية للطاقة وتطوير قطاعها اللوجستي، هذا الدور المتزايد سيجعل من تركيا مركزًا رئيسيًا للطاقة في المنطقة، وبالتالي سيزيد من تأثيرها في المعادلات الجيوسياسية الدولية.

أما بالنسبة لقطر، فإنها تركز على تعزيز قدرتها الإنتاجية من الغاز المسال بشكل كبير حيث تخطط قطر لزيادة إنتاجها من 77 مليون طن سنويًا إلى 142 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، مما يجعلها واحدة من أكبر المصدرين للطاقة في العالم، هذا التوسع في الإنتاج سيساعد في ضمان تنويع أسواقها وزيادة عوائدها الاقتصادية على وجه الخصوص من خلال تأمين عقود طويلة الأجل مع دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، التي تعد من أكبر مستهلكي الغاز في العالم، مما يساهم في ضمان استقرار صادراتها وقد أظهرت التقارير أن قطر تمتلك أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، حيث تقدر بنحو 25.8 تريليون متر مكعب، مما يعزز قدرتها على الاستمرار في زيادة الإنتاج والتصدير.

مصالح متشابكة وعراقيل أمنية ولوجستية متناقضة

سيواجه افتتاح ممر الغاز القطري مجموعة من العقبات التي تتعلق بالجوانب السياسية، الاقتصادية، والتقنية، بالإضافة إلى التحديات الجيوسياسية التي قد تؤثر بشكل كبير على تنفيذ المشروع، تتمثل هذه العقبات في عدة محاور رئيسية أهمها  التحديات السياسية والجيوسياسية تمثل أحد أكبر العوائق أمام تنفيذ خط الغاز القطري، يعتبر النزاع السياسي المستمر في سوريا من أبرز المشاكل، حيث يشكل الوضع الأمني غير المستقر في البلاد تهديدًا كبيرًا للمشروع، رغم التغيرات السياسية الإقليمية التي قد تفتح مجالًا للتعاون، فإن التوترات بين القوى الإقليمية والدولية قد تؤدي إلى تعقيد مسار المشروع، كما أن وجود قوى إقليمية مثل روسيا، التي تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة، يشكل عائقًا أمام هذا المشروع، حيث يتداخل مع مصالحها الاستراتيجية في البحر بالإضافة لوجود تباين في المواقف بين الدول التي تشارك في هذا المشروع مثل السعودية وتركيا، مما يسبب صعوبة في الوصول إلى توافق سياسي أو قد تواجه تركيا ضغوطًا من حلفائها الغربيين بشأن علاقاتها مع بعض الأطراف الإقليمية، خاصة في ظل التوجه الأوروبي لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.

أما في الجانب التقني واللوجستي، فإن بناء خط الغاز الذي يمتد لمسافة 1500 كيلومتر عبر أراضٍ متباينة، بعضها غير مستقر أمنيًا مثل سوريا، يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب تأمين المسار ومنع أي تعطيلات محتملة من الحكومة التسيير الأعمال الجديدة ” نتيجة للأحداث إضافة إلى ذلك، ستكون هناك تكاليف ضخمة في البنية التحتية كونها مدمرة بالكامل بسوريا لضمان سلامة نقل الغاز، مما يزيد من تعقيد المشروع ويؤثر على سرعة تنفيذه.

وأخيرًا، فإن التنافس مع مشاريع طاقة أخرى يعد من التحديات المستمرة على سبيل المثال، هناك مشاريع نقل غاز عبر خطوط أخرى من إيران وروسيا، مما يزيد من المنافسة على أسواق الطاقة في المنطقة، كما أن تزايد الاهتمام الأوروبي بمصادر الطاقة المتجددة قد يقلل من الاهتمام بمشاريع الغاز التقليدية، ما قد يؤثر على الجدوى الاقتصادية لمشروع خط الغاز القطري في المستقبل، يبقى تنفيذ مشروع خط الغاز القطري تحديًا معقدًا يتطلب توافقًا سياسيًا واسعًا، استثمارات ضخمة، واستقرارًا أمنيًا في المنطقة لضمان النجاح الطويل الأمد لهذا المشروع.

اترك تعليق

مقالات ذات صلة