أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي “جولي كوزاك”، اليوم الخميس 19/12/2024، أن الصندوق مستعد لمساعدة سوريا في إعادة الإعمار مع المجتمع الدولي، لكن الوضع على الأرض لا يزال متقلبًا. تحمل هذه الدعوة في مضمونها الموافقة المبدئية على التواصل مع حكومة تيسير الأعمال التي شكلتها هيئة تحرير الشام المعاقَبة أمريكياً، مما يعطيها زخمًا دولياً. هذه الموافقة ليست مطلقة، حيث ارتبطت باستتباب الأمن من خلال استخدام المتحدثة لعبارة “لا يزال الوضع على الأرض متقلباً”، أي أنهم يجدون أن سيطرتها على القرار الاقتصادي غير كاملة، ربما لأنها حددت عملها بثلاثة أشهر فقط.
الوصفة السحرية
ومنذ اليوم الأول لوصول حكومة تيسير الأعمال برئاسة محمد البشير، كانت تملك في جيبها الوصفة السحرية لكسب تأييد المنظمات المالية الدولية ومن خلفها حكوماتها. الوصفة هي “الاقتصاد الحر” الذي بدأ تنفيذه عبد الدردري عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في حكومة الأسد المخلوع عام 2007 و2008، والتي كانت تلك السياسات الاقتصادية أحد مسببات الثورة السورية في 2011. واستمر بمحاولة الضغط على حكومات الأسد المخلوع بعد ترك منصبه في 2011 وشغله منصب مدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في الإسكوا.
كان تصريح عبد الله الدردري مفاجئًا سواء من ناحية دعم التغيير في سورية، الذي يُعتبر موقفًا مبكرًا حيث لا ملامح واضحة بعد لحكومة انتقالية موسعة! وذلك عبر اللقاء الذي نقلته صحيفة الشرق الأوسط، أو لتحميل الأسد المخلوع المسؤولية رغم وجوده في ذات السلطة التي ينتقدها، عبر ذكره “أن الانهيار بدأ منذ أربعة وعشرين عامًا”.
وتابع عبدالله الدردري في تصريحه بأن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على دعم المؤسسات السورية والقطاع الخاص، وأوضح أن تحسين الاقتصاد السوري بدأ بالفعل بعد إعلان الحكومة المؤقتة عن تبني اقتصاد السوق الحر، مما أدى إلى تحسن كبير في سعر صرف الليرة.
دعم المؤسسات الدولة في الاقتصاد الحر
ولا بد من معرفة ماذا يعني دعم مؤسسات الدولة و ماهو الأقتصاد الحر؟
الاقتصاد الحر يعني تقليل تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، وبيع مؤسساتها الاقتصادية، ورفع الدعم عن المواطنين وتقليص العمالة فيما تبقى لديها من مؤسسات… إلخ. والإبقاء على دور خدمات لها في القضاء والحماية، الذي بات للقطاع الخاص دور فيه ايضاً مع نسخ متطورة من مفهوم الاقتصاد الحر “نيو حر”.
الاقتصاد الحر هو أول ما صرحت به حكومة محمد البشير قبل أن تستلم زمام السلطة من الحكومة السابقة برئاسة محمد غازي جلالي!، حيث بدأ رئيس الحكومة بتنفيذ تصريحه من خلال الإعلان عن حرية الاستيراد والتصدير دون خطة لترتيب الأولويات في الاستيراد، على الأقل حتى لا تقع حكومته في عجز للدولارات لأجل استيراد السلع الأساسية، وهو الذي أدلى بتصريحات على وسائل الإعلام بأن البنك المركزي لا يحوي سوى العملة السورية!.
كما يقوم الاقتصاد الحر على تقليص العمالة عبر هيكلة مؤسسات الدولة، وهو ما تقوم به حكومة محمد البشير عبر ما يسمى بمكافحة الفساد الذي يقصد منه العمالة الفائضة وليس العقود لصالح طغمة الاسد أو الهدر، وهيكلة نشاط هذه المؤسسات لدمجها مع مؤسسات إدلب.
فعلى سبيل المثال، صرح وزير الصحة ماهر الشرع أنه يوجد أكثر من 82 ألف موظف في الوزارة، أغلبهم لا يحملون شهادات صحية.
ويتوسع التناغم ما بين الاقتصاد الحر “حسب مفهوم البنك الدولي” و نشاط حكومة محمد البشير في تقليص الدعم عبر إلغاء البطاقة الذكية التي كانت بديلًا للبونات لتوزيع الدعم، دون ذكر آلية أخرى لكيفية توزيع الدعم، بحجة توفير هذه السلع، ويتم التسعير السلع وفق آلية سوق بغض النظر عن القدرة الشرائية للرواتب أي وفق السوق السوداء كما كان في عهد الاسد المخلوع، حتى الرواتب التي ذكرت الحكومة أنها ستقوم برفعها بنسبة 400%، وهي وصفة ذاتها من البنك الدولي.
لكن الأخطر في الاقتصاد الحر الذي يصر عليه البنك الدولي هو مطالبته الدائمة بخصخصة مؤسسات الدولة، أي بيع مؤسساتها للقطاع الخاص وللمستثمرين الدوليين .
هذا الأمر بدأ تنفيذه الأسد منذ عام 2015، لكنه كان محصورًا بحلفائه أو لصنع حُلفاء له، دون مناقصات أو حتى خطة لاستفادة الدولة من هذه الخصخصة .
فهل سوف تقوم حكومة محمد البشير بالخصخة ؟، ما النموذج الحر الذي تريده حكومة محمد البشير تنفيذه ومدى تطابقه مع رؤية البنك الدولي؟ وهل الشعب السوري قادر على تحمل كلفة الاقتصاد الحر؟ وهل يقايض السوريون قبول تطبيقه مقابل الأمن؟ هل ستكون إعادة الإعمار نصيب الشركات المستثمرة في الاقتصاد الحر؟ أم أن الأمر سيترك لحكومة سورية تقرر شكل الاقتصاد وخطط إعادة الإعمار بعد كتابة دستور جديد؟
الأيام كفيلة بالإجابة.