الرئيسية » بعد سقوط نظام الأسد.. ما أهمية رفع العقوبات الدولية عن سوريا؟

بعد سقوط نظام الأسد.. ما أهمية رفع العقوبات الدولية عن سوريا؟

بواسطة osama

مصعب المجبل

فور سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 وتشكيل حكومة انتقالية في اليوم التالي، ركزت الإدارة الجديدة في سوريا على أهمية إعادة بناء الاقتصاد المدمر في المرحلة القادمة.

لكن هذا الطريق يشترك فيه المجتمع الدولي، حيث يبدأ تعافي الاقتصاد السوري عبر رفع العقوبات الغربية التي تراكمت على البلاد منذ عام 2011 لمعاقبة النظام السابق في قمع الثورة.

فقد استخدم نظام الأسد المخلوع كل مقدرات الدولة الاقتصادية في سبيل البقاء في السلطة، مستنزفا كل موارد الدولة بعد تكبيله بالعقوبات الدولية.

وأدت تلك العقوبات إلى إضعاف الليرة السورية وتراجع النمو وانتشار البطالة، كما أن التضخم بسوريا وصل إلى 170 بالمئة في يوليو/تموز 2023.

رفع العقوبات

واليوم يقول الخبراء إن الغرب يجب أن يخفف من الضوابط المالية المفروضة على سوريا لمساعدة الاقتصاد من جديد على النهوض.

وخلال لقاء أحمد الشرع قائد “إدارة العمليات العسكرية” بسوريا التي أطاحت ببشار الأسد، مع دبلوماسيين بريطانيين بالعاصمة دمشق في 17 ديسمبر 2024، شدد على ضرورة رفع العقوبات الدولية لتسهيل عودة اللاجئين، منوها إلى أن النظام المخلوع “دمر كل شيء حتى مؤسسات الدولة”.

وسخر نظام الأسد البائد كل إمكانيات الدولة السورية ومقدراتها لخدمة الآلة العسكرية لقمع الثورة واضطر كذلك إلى الاستعانة بإيران وروسيا لدعمه في مواجهة الشعب.

ويبلغ عدد سكان البلاد قرابة 25 مليون نسمة، منهم 15.3 مليون نازحون داخليا ومهجرون خارجيا، وقد بات 70 بالمئة من السوريين في الوقت الراهن بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.

ومنذ عام 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على العديد من أعضاء حكومة الأسد والجيش وأفراد المخابرات من خلال تجميد أصولهم، وحظر الواردات والتجارة مع شركات محددة؛ وذلك ردا على القمع السياسي للمتظاهرين.

وفي أغسطس/آب 2011، شددت الولايات المتحدة العقوبات ضد نظام الأسد لتشمل فرض قيود على الواردات إلى سوريا، وعلى بيع النفط السوري، وغير ذلك.

وعلى الرغم من أن العقوبات فشلت في وقف قتل السوريين على يد نظام الأسد البائد، فإن بقاءها مفروضة على سوريا بعد انهيار النظام يعيق تحقيق الانتعاش في العهد الجديد للبلاد، خاصة أن نظام الأسد المخلوع ترك خلفه خزائن خاوية من المال والنقد الأجنبي، فضلا عن اقتصاد منهك وأوضاع معيشية صعبة للشعب السوري.

واليوم يساوي الدولار الأميركي الواحد 12 ألف ليرة سورية، بعدما كان يعادل 50 ليرة عند اندلاع الثورة.

وحتى عام 2022 قدرت لجنة الأمم المتحدة “الإسكوا” وجامعة “سانت أندروز” في تقرير لها أن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها سوريا تجاوزت 442 مليار دولار أميركي.

كما أن وزير خارجية النظام البائد فيصل المقداد، قال خلال احتفال أقامته السفارة الصينية لدى سوريا بالذكرى الـ74 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في سبتمبر/أيلول 2023، إن خسائر قطاعي النفط والغاز بالبلاد بلغت قيمتها 115 مليار دولار.

وخلال زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق في 22 ديسمبر 2024 ولقائه أحمد الشرع في قصر الشعب، دعا إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا “في أسرع وقت ممكن”.

وقال فيدان “يجب على المجتمع الدولي أن يحشد كل جهوده حتى تنهض سوريا ويعود المهجرون إلى بلدهم. ويجب رفع العقوبات التي كانت المفروضة على النظام السابق في أسرع وقت ممكن حتى يتسنى تقديم الخدمات”.

وسبق للمبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون أن قال خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي في 18 ديسمبر إن رفع العقوبات أساسي لمساعدة هذا البلد.

ويظل الاقتصاد السوري مقيدا بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حين تسعى القوى الغربية جاهدة لتحديد كيفية التعامل مع القيادة الجديدة في سوريا.

فعندما سئل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر عما إذا كان سيشجع على رفع العقوبات عن سوريا، قال في 16 ديسمبر “إن الأمر مازال مبكرا للغاية”.

وقال فليتشر “إن كل هذا يتوقف على ما إذا كان لدينا هذا الشعور بالحوار المفتوح والرغبة في توسيع نطاق الشراكة حقا”.

وأوضح “إنها فترة متقلبة للغاية. فالأمور في حركة مستمرة وعلينا أن نتحلى بالسرعة والإبداع والمرونة”.

بدورها دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة على سوريا في أعقاب انهيار نظام الأسد.

وأكدت خلال بيان لها في 16 ديسمبر أن العقوبات التي فرضت في البداية بهدف محاسبة النظام على الجرائم ضد الإنسانية، أصبحت الآن تهدد بعرقلة جهود التعافي في سوريا.

وأشارت إلى الحاجة الملحة لإعادة بناء البنية التحتية، واستعادة الخدمات الأساسية، وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين داخليا.

وحثت المنظمة الحقوقية المجتمع الدولي على ربط رفع العقوبات عن مؤسسات الدولة بآليات مراقبة شفافة، وضمان عدم إساءة استخدام الأموال من قبل الكيانات الفاسدة.

وتشمل التوصيات إصلاح المؤسسات المالية، والدعم الدولي لإعادة الإعمار، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني لتعزيز الشفافية والعدالة.

وشددت مجموعة المراقبة المستقلة، التي لطالما دعمت معاقبة الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، إلى الإبقاء على القيود المفروضة على نحو 300 شخصية من النظام السابق، بما في ذلك بشار الأسد ومعاونوه الرئيسون.

وهناك دعوات سورية لإلغاء قانون “قيصر” الأميركي الذي أقرته واشنطن في 2020 لحماية المدنيين في سوريا، وفرضت بموجبه عقوبات على نظام الأسد المخلوع حينها، وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات.

ضرورة مرحلة

وضمن هذه الجزئية، يؤكد مدير موقع “اقتصادي” السوري، يونس الكريم، أن “رفع العقوبات عن سوريا له إيجابيات أولها سهولة التدفق المالي إلى الحكومة وهذا من شأنه أن يساعد على الاستقرار النقدي في البلاد فضلا عن تعزيز الاستقرار الأمني”.

وأضاف ، أن “رفع العقوبات يساعد سوريا على الحصول على المعدات وقطع الغيار لقطاع النفط والطيران مما يساعد على  تحريك عجلة الاقتصاد”.

وأردف الباحث السوري: “كذلك يشجع لعودة التعاون مع الدول العربية لتطوير شبكات الطرق مما يسهل التنقل بين المحافظات السورية”.

إضافة إلى “عودة سوريا لهيئات النقل العربية والعالمية مما يسهل تطوير قطاع الطيران”.

ونوه إلى أن “رفع العقوبات يسهل عمليات الاستيراد والتجارة وتحقيق المعروض السلعي من خلال تفعيل عمل البنوك والحصول على اعتمادات مستندية علاوة على أنه سيجذب الاستثمارات الأجنبية ويسمح للمستثمرين باتخاذ سوريا وجهة جديدة”.

وتخضع الهيئة العامة السورية للنقل البحري، والسفن التي تمتلكها لعقوبات أميركية منذ عام 2015 لدورها في دعم الآلة العسكرية في قمع الشعب السوري.

كما تضرر قطاع الطيران السوري نتيجة غياب حركة المرور ضمن الأجواء السورية، فضلا عن العقوبات الغربية على قطاع الطيران الحكومي المستمر.

وبقاء العقوبات الغربية والأميركية على مؤسسة الطيران المدني السوري تعيق إصلاح التجهيزات الملاحية وتأمين اللوازم واللوجستيات المرتبطة.

وبما أن مؤسسة الطيران المدني السوري ما تزال تحت قبضة العقوبات، فإن هذا القطاع يعتمد على النقل الخاص وعلى السماح للطائرات الأجنبية بالمرور فوق الأجواء السورية لا سيما العربية منها.

واليوم من المهم تكثيف حركة المرور عبر الأجواء السورية، لتحصل الدولة الجديدة على العقود من شركات خاصة لتشغيل طيرانها في ظل نقص الطائرات وقطع الغيار.

ويشير الكريم خلال حديثه كذلك إلى “ضرورة ألا يشمل رفع العقوبات الشخصيات وأمراء الحرب التابعين لنظام الأسد البائد كي لا تسهل عليهم عمليات نقل أموالهم ولعدم حرمان الاقتصاد السوري الجديد من هذه الأموال المنهوبة على مدى سنوات وعقود”.

ورأى أن “رفع العقوبات مرتبط بسير العملية السياسية في سوريا والتأكد من عدم استفراد الإدارة الحالية الجديدة بمقاليد السلطة”.

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو قال في 18 ديسمبر 2024 إن رفع العقوبات عن سوريا وتقديم مساعدات إعادة الإعمار لها يجب أن يتوقفا على التزامات سياسية وأمنية واضحة من جانب الإدارة الجديدة لدمشق.

“رسالة طمأنة”

وفي الوقت الراهن تعد احتياطيات البنك المركزي السوري من العملات الأجنبية شبه معدومة، وهي لازمة لشراء الضروريات مثل الغذاء والوقود وقطع الغيار.

فقبل عام 2011 كان النفط يشكل ثلثي صادرات سوريا، وكانت الزراعة تشكل ما يقرب من ربع النشاط الاقتصادي، لكن بعدها، اعتمد بشار الأسد على إيران وروسيا في دعمه.

إذ تكشف وثائق مسربة أن الديون الإيرانية على نظام الأسد المخلوع تتوزع بين دعم نقدي مباشر وآخر عسكري وكذلك صادرات نفطية.

وتشير المعطيات إلى أن روسيا من أكبر الدول الدائنة للنظام السوري. وليس من المعروف حجم هذه الديون، التي عادت إلى التراكم بعد عام 2011.

لكن تلك الديون توصف بأنها “كريهة” ويعني هذا المصطلح أن النظام البائد استدانها لاستخدامها في أغراض غير مشروعة مثل قمع الشعب وسرقتها عبر تحويلها إلى حسابات عائلته الشخصية، من دون أن تنعكس على الاقتصاد والبنى التحتية وغيرها من الملفات الداخلية.

في هذا الإطار، يؤكد رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، أسامة القاضي، أنه “يجب إزالة العقوبات الاقتصادية، خاصة على البنك المركزي، وإعادة نظام منظومة سويفت للتحويلات المالية الدولية وإزالة العقوبات عن منظومة الحكومة السورية بعد سقوط الأسد”.

وأضاف القاضي، أن “رفع العقوبات يطمئن المستثمرين العرب والغربيين ورجال الأعمال السوريين في الخارج”.

فعلى سبيل المثال، “إذا أرادت أي حكومة عربية شقيقة أو أجنبية أن ترسل وديعة إلى المصرف المركزي السوري الآن، فيجب ألا يكون الأخير تحت العقوبات الاقتصادية لأن المساعدات يجرى تحويلها أصولا من مصرف إلى آخر”.

ولفت القاضي إلى أن “المستثمرين الغربيين والآسيويين متحمسون لإعادة إعمار سوريا، خاصة أن هذا البلد بِكر ولم يستثمر في كل قطاعاته سواء الصناعية أو السياحية أو الزراعية أو حتى في التعليم والنفط بشكل جيد”.

و”لذلك، إزالة العقوبات ترسل رسالة سياسية للعالم بأن دولة وحكومة سوريا باتت صديقة لكل شعوب الأرض”.

وينوه الباحث إلى أن “القطاع الخاص يمثل قاطرة التنمية الاقتصادية في سوريا، فهو الذي يمسك بزمام الإنعاش الاقتصادي شرط عدم الاحتكار ومراقبة الأسعار من قبل الحكومة وفق آليات العرض والطلب كما هو معمول به في 180 دولة”.

ولذلك رأى أن على القطاع الخاص أن يقود التنمية الاقتصادية، بينما يترك النشاط الخدمي مثل الجيش والشرطة والتعليم والبريد والصحة وغيره للقطاع العام.

مقالات ذات صلة