دمشق
قالت الإدارة السورية الجديدة إنها سترفع رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 400% اعتباراً من شهر فبراير المقبل، وسط تساؤلات بشأن مصادر تمويل هذه الزيادات، وإمكانية معالجتها للأزمة الاقتصادية الحالية في سوريا.
وتأتي هذه الزيادة المرتقبة في رواتب موظفي القطاع العام، بعد سنوات من أزمة اقتصادية تسببت في تآكل القدرة الشرائية للسوريين.
وقال وزير المالية في الإدارة السورية الجديدة محمد أبازيد في وقت سابق من هذا الشهر، إنه سيجري تمويل الزيادة عبر خزينة الدولة، بالإضافة إلى مساعدات إقليمية واستثمارات جديدة، وكذلك من خلال فك تجميد الأصول السورية في الخارج.
وأوضح أن هذه الزيادة ستكلّف الخزينة نحو 1.65 تريليون ليرة سورية (نحو 127 مليون دولار).
“إنعاش الليرة وضبط الموارد المالية”
الزيادة المقررة بداية من فبراير المقبل تُعد أحد الإجراءات الإصلاحية في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة في سوريا، لكن تثار بعض المخاوف بشأن إمكانية تسبب هذه الزيادة المعتبرة في تفاقم مشكلة التضخم.
وأفاد مصدر خاص في وزارة المالية السورية بأن “عملية حصر الاحتياطيات لا تزال مستمرة”، مشيراً إلى أن “الأولوية الحالية تركز على إنعاش الليرة السورية وتحقيق استقرار اقتصادي في ظل الظروف الراهنة”.
وقال المصدر لـ”الشرق”، إن “الوزارة تعمل على ضبط الموارد المالية، وتوجيهها بشكل فعّال نحو الخزينة العامة، لضمان تأمين التمويل اللازم للموازنة الحكومية”.
وأضاف المصدر أن “الحكومة تواصل جهودها في ملاحقة الأموال المجمدة في الخارج وإعادتها إلى سوريا، بالإضافة إلى سعيها لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المحلية، وهو جزء من خطة شاملة لتأمين مصادر مستدامة لتمويل الزيادة في رواتب موظفي القطاع العام”.
وفيما يتعلّق بالتمويل من دول أخرى، قال المصدر إن “المحادثات مع دولة قطر بشأن تمويل رواتب موظفي الحكومة السورية ما تزال جارية، لكن لم يتم التوصل إلى أي نتائج نهائية حتى الآن، وفي الوقت ذاته، لا يمكن تأكيد أي تمويل خارجي للزيادة في الرواتب حتى هذه اللحظة”.
ولفت المصدر إلى ما وصفه بـ”أهمية هذه الخطوة لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين”، مشيراً إلى أن “وزارة المالية تعمل على توفير التمويل اللازم من خلال مجموعة من الآليات المدروسة بعناية، مثل تحسين كفاءة التحصيل الضريبي وتقليص الفساد، واستعادة الأموال المجمدة، كما تلتزم الوزارة باتخاذ خطوات ملموسة لضبط التضخم، وتحقيق استقرار اقتصادي بعيد المدى”.
وأضاف المصدر أن “الحكومة الحالية تسعى أيضاً إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وضمان استدامة هذه الزيادة من خلال دعم القطاع الخاص وتحفيز النشاط الاقتصادي في السوق المحلية”. وتابع: “نحن ملتزمون بتحقيق استقرار اقتصادي تدريجي ومستدام يتماشى مع احتياجات المواطنين في سوريا الجديدة”.
“خطر التضخم”
ورغم التأثير الإيجابي الذي قد تحققه الزيادة في الدخل لبعض الموظفين، هناك مخاوف اقتصادية تتعلّق بالتضخم، الذي قد تتسبب فيه هذه الزيادة.
واعتبر الخبير الاقتصادي يونس الكريم أن زيادة الرواتب بنسبة 400% “خطوة مثيرة للجدل”، خصوصاً في ظل “التقارير المتضاربة بشأن عدد الموظفين الذين سيستفيدون منها”.
وقال الكريم في حديث لـ”الشرق”، إن “الحكومة أعلنت عن خطط لإقالة الموظفين الوهميين، الذين يُقدّر عددهم بنحو 30% من العاملين في القطاع العام، وهو ما قد يسهم في تقليص الأعباء المالية”.
وأشار إلى أن زيادة الرواتب “ربما تؤدي إلى ارتفاع الطلب على السلع الأساسية، ما سيدفع أسعارها إلى الارتفاع”، وأضاف: “هذا بدوره سيزيد من الطلب على الدولار، خاصة أن العديد من السلع مستوردة من الخارج، وبالتالي، من المتوقع أن تواجه الحكومة ضغوطاً إضافية، مما قد يزيد من العجز المالي”.