الرئيسية » صندوق النقد يتواصل مع سورية: الفرص المحتملة وثمنها

صندوق النقد يتواصل مع سورية: الفرص المحتملة وثمنها

بواسطة Younes

جلنار العلي 

بعد انقطاع دام لمدة 16 عاماً بين سورية وصندوق النقد الدولي، برزت إلى الواجهة عودة المؤسسة المالية الدولية للتواصل مع دمشق. ويأتي ذلك في ظل توقعات بحصول سورية على دعم يمكّن من بناء قدرات المؤسسات حتى تؤدي بكفاءة ما يفيد الاقتصاد والشعب، وذلك وفقاً لما جاء على لسان مديرة الصندوق كريستالينا غورغييفا في إحدى المقابلات الصحافية قبل أيام.
ويبدو أن دمشق تتجه إلى اللجوء لصندوق النقد من أجل الحصول على المال الذي يساعدها في إعادة إعمار ما خربه النظام السابق، ولكن في المقابل يتخوف اقتصاديون سوريون من تحول دعم الصندوق إلى فخ للاقتصاد في المستقبل في ظل تجارب غير ناجحة للمؤسسة الدولية مع العديد من دول المنطقة ومنها مصر وتونس.

واليوم يعد الاقتصاد السوري شبه مدمر بالكامل، حيث تشير بعض التقديرات الاقتصادية إلى أن كلفة إعادة الإعمار تصل إلى أكثر من 400 مليار دولار، فيما اعتبر تقرير أممي أن الاقتصاد السوري يحتاج 55 عاماً ليعود إلى المستوى الذي كان عليه في عام 2010، وذلك اعتماداً على معدل النمو الحالي الذي يقدّر بـ1.3 سنوياً. وأشار التقرير إلى أن ربع السكان اليوم عاطلون عن العمل، ويعاني تسعة من كل عشرة سوريين من الفقر.

المال أولاً

الباحث والأكاديمي الاقتصادي خالد التركاوي يرى في تصريح لـه، أن أبرز ما تحتاجه سورية من صندوق النقد الدولي هو المال، لأن مرحلة إعادة الإعمار يلزمها مبالغ كبيرة، يمتلكها ثلاثة أطراف رئيسية قادرة على ضخ أموال تقدر بمليار دولار فما فوق، وأول هذه الأطراف هي دول الخليج، إضافة إلى القوى الغربية المتمثلة بالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر، أما ثالث الأطراف فهي المؤسسات الدولية التي تتلقى الدعم من أكثر من طرف. ولفت إلى أن دول الاتحاد الأوروبي هي المرشح الأكبر لدعم الاقتصاد السوري، إضافة إلى صندوق النقد والبنك الدوليين.

وحسب معلومات الباحث الاقتصادي، فإن المناقشات داخل صندوق النقد الدولي لم تكتمل حتى اليوم، إذ يجري تداول ثلاث نقاط متمثلة بماهية أدوات التدخل فيما إذا كانت تقتصر على المشورات الفنية، أما النقطة الثانية عن كيفية التشابك والتفاعل مع الحكومة السورية، فهل سيكون ذلك من خلال مصرف سورية المركزي، أم مع وزارة المالية أو الخارجية وغير ذلك، إضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني في هذا الإطار، لأن الصندوق عادة عندما يتدخل في دولة ما، يحاول إشراك أكبر عدد من الأطراف، بغاية أهداف متعددة اقتصادية ومجتمعية إلى جانب الإنعاش الاقتصادي.

وأشار إلى أنه من المتوقع الانتهاء من أعمال التقييم والمناقشات في شهر يونيو/ حزيران القادم على أقل تقدير، وذلك ريثما يكون الصندوق قد شكل صورة كاملة عن الاقتصاد السوري وماهية التدخل فيه. وأكدت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، في تصريحات مؤخرا، استعداد الصندوق لدعم سورية، مشيرة إلى أن التواصل بدأ بالفعل بين موظفي الصندوق والمسؤولين السوريين لفهم احتياجات المؤسسات الرئيسية، مثل مصرف سورية المركزي.

شروط تدخل صندوق النقد

ولفت التركاوي إلى أن صندوق النقد الدولي يتدخل عادة عندما لا تستطيع الحكومات الحصول على دعم من جهة ثانية، فمثلاً في حال حصل الجانب السوري على دعم من الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج فإن تدخل الصندوق سيقتصر على تقديم المشورات الفنية. وأوضح أن الوصفة العامة المعتادة لتدخل الصندوق في دولة ما هي تخفيض عدد الموظفين الحكوميين قدر الإمكان وحجم الدعم الاجتماعي، وتخفيض النفقات الحكومية ورفع جانب الضرائب، وفتح باب الاستثمارات من ناحية تخصيص تسهيلات للمستثمرين الأجانب وتشريع قوانين تنافسية يتساوى بها المستثمر الأجنبي بالمحلي، والانخراط بمنظمات المجتمع الدولي بشكل سليم، وهذا ما تقوم به الحكومة منذ بداية تسلمها.

وأضاف: أعلنت الإدارة الجديدة أن هوية الاقتصاد السوري تتمثل في اقتصاد السوق الحر وقامت بتسريح قسم كبير من الموظفين، بغض النظر عن الأسباب التي دفعتها لذلك سواء كانت متعلقة بالأمور الأمنية أم نتيجة لوجود فساد، ولكن المقصود أن هذه الإجراءات تتوافق مع شروط تدخل صندوق النقد. وحول مدى كفاية صندوق النقد لتحقيق احتياجات الاقتصاد السوري، أشار إلى أن الصندوق قادر على تأمين الدفعة الأولى للحكومة، فمثلاً حصلت تونس من الصندوق على ما بين 5 و6 مليارات دولار، وهي أصغر من سورية شعباً وجغرافية، معتبراً أن هذا المبلغ رغم أنه ليس كبيراً بالنسبة للحالة السورية، ولكن عندما يدخل الأسواق فإنه سينشّط الحركة الاقتصادية نوعاً ما، أما في ما يخص إعادة الإعمار فيمكن أن يتدخل البنك الدولي كونه متخصصاً بالتدخل بمشاريع طويلة الأمد.

الفوائد المحققة من التدخل

أما الخبير الاقتصادي يونس الكريم، فيعتبر أن الاقتصاد السوري لا يحتاج من صندوق النقد تمويلا مباشرا، لأن الخدمات والقروض التي يقدمها لا تناسب الحالة السورية، بينما يناسبها البنك الدولي ومؤسسات التمويل الأخرى، ولكن تأتي فائدة المناقشات التي تجري حالياً في الصندوق والتي تصب بالتدخل لدعم سورية من ناحيتين، الأولى: أن إعطاء قرض للحكومة السورية أياً كانت قيمته، سيدفع مؤسسات التمويل الأخرى إلى السير في ذات الاتجاه، كون صندوق النقد هو الرائد بين تلك المؤسسات، وهذا ما سيسمح للحكومة السورية بالحصول على قروض ميسّرة، ووفق معايير دولية، وليس نتيجة تفاوض دولتين، وبالتالي تكون أقل تكلفة على الحكومة.

ويضيف: أما الناحية الثانية فهي أن الصندوق يمتلك وصفة لكيفية خروج العملة من الأزمات التي تعصف بها، كما لديه علاقات واسعة مع الدول التي تتعامل مع الاقتصاد السوري لإنجاح تلك الوصفة، وبالتالي فإن دمشق تحتاج إلى هذين الأمرين من الصندوق.

كما يعد تدخل الصندوق خطوة جيّدة في تماشي سورية مع القوانين الغربية، وسهولة دخول الاستثمارات إليها وفق تلك القوانين، وليس وفق قوانين التفاوض الشخصي للشركات الراغبة بالاستثمار مع الجانب السوري، وفقاً للخبير الاقتصادي، لذلك فإن إدارة الصندوق كانت مهتمة بسورية منذ بداية التحرير لضمان أن التعامل مع الحكومة السورية ودخول المؤسسات الغربية للاستثمار، سيكون بسهولة اقتصادية تؤسس لعمل مشترك لسنين قادمة طويلة جداً.

ويعتبر أن مقابلة الرئيس السوري أحمد الشرع مع الأمين العام المساعد للأمم المتحدة عبد الله الدردري، جاءت للتأكيد على ضرورة مساعدة الحكومة السورية للحصول على قروض عن طريق الدعم الدولي، على أن يلتزم الجانب السوري بعدة خطوات، منها: إصلاح الاقتصاد الكلي في سورية، وهذا الأمر يتطلب استقرارا ماليا ونقديا، من خلال وجود مؤسسات دولة وقانون وعدالة انتقالية، وحكومة انتقالية تحظى بتأييد الشارع السوري، لأن هذا النمط يتماشى مع الاقتصاد الغربي، كما يجب على الحكومة التعهد بالعمل على اقتصاد السوق الحر.

الأعباء المترتبة

عن الأعباء المترتبة على الحكومة السورية، في حال جرى الاتفاق على منح قروض لها، يرى الكريم أن ذلك يتوقف على نقاط عدة منها شروط التفاوض، والأمور التي تعهد بها المسؤولون بالحكومة السورية، لأن الصندوق عندما يرى أن الطرف الآخر ضعيف فإنه سيغالي بالطلب، إضافة إلى مقدار خدمة الدَّين التي يتوجب على السوريين تحملها، كي لا تغرق البلاد بمزيد من الديون.

ومن جهة أخرى، يعتبر الكريم أن التقديرات الأممية بأن الاقتصاد السوري يحتاج 55 عاماً ليعود إلى المستوى الذي كان عليه في عام 2010، هي تقديرات غير واقعية، وتعتمد على سنة 2010 نقطةَ أساس في الناتج المحلي الإجمالي ومعدل النمو، ولكن الذي شرّع هذه المدة نسي أن الأسباب الاقتصادية في ذلك العام، كانت المحرك الأساسي لقيام الثورة السورية في عام 2011، وبالتالي لا يمكن اعتبار تلك السنة أنها سنة معيارية.

ويقول الخبير الاقتصادي: كان هناك اقتصاد ظل بنسبة 70-80%، لذلك فإن هذه المدة هي مدة تعجيزية للإشارة إلى أن البلاد تغرق في ديون وضعف وحالة يرثى لها، ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك، كما أن هذه التقديرات تهمل مساندة الدول لبعضها عندما تجد إصرارا من الدولة لبناء اقتصاد حقيقي، فمدة 55 عاماً جعلت الكثير من الدول رائدة اقتصادياً على مستوى العالم كقطر والإمارات، فالمدة الحقيقية لانتعاش الاقتصاد السوري تتحدد بأول ثلاثة أعوام من التحرير، لتبيان حجم الإرادة الحقيقية ومكافحة الفساد وغير ذلك.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة