منذ إعلان دمشق عن اتفاق نهائي أجرته مع قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، توجهت الأنظار إلى الأبعاد الاقتصادية الجديدة التي يرسمها الاتفاق، حتى وإن كان عموميًا في بنوده، إلا أن بند الاندماج في المؤسسات بما فيها المعابر، المطار، حقول النفط، والغاز، يرسم شكلًا اقتصاديًا للمرحلة القادمة.
وتشكل العلاقة الاقتصادية بين دمشق و”قسد” أحد أبرز النقاط التي جرى التفاوض عليها، ولا سيما أن “قسد” تسيطر على معظم مناطق الثروات السورية نفطًا وزراعة، وعليه يتوقع البعض أن يتيح الاتفاق توزيعًا عادلًا للثروات على كامل الأراضي السورية، بإشراف الحكومة المركزية، إلا أن ذلك يستدعي خطوات متتالية بالتنسيق مع الإدارة الذاتية.
ضبط المعابر والحدود
تمتد المناطق التابعة للإدارة الذاتية على أجزاء كبيرة من المحافظات السورية، وهي دير الزور، الرقة، والحسكة، وتقع داخل هذه الجغرافيا معظم حقول النفط السورية والتي كانت تنتج قبل اندلاع الثورة السورية 400 ألف برميل نفط يوميًا، وما نسبته 60 إلى 70% من إنتاج الغاز الطبيعي، ما يشكل تحديًا جديدًا أمام الحكومة السورية في إدارة هذه المقدرات.
يشير الباحث والصحفي الاقتصادي سامر الأحمد، والذي أجرى العديد من الدراسات الخاصة بالثروات في منطقة الجزيرة، إلى أهمية ضبط المعابر والحدود والتي جاءت في الاتفاق الأخير، إذ يوجد العديد من المعابر الحدودية كاليعربية مع العراق، ومعبر نصيبين، ورأس العين، وتل أبيض مع تركيا، إضافةً إلى معابر أخرى مثل سيمالكا مع إقليم كردستان العراق، وهي على امتداد مساحات جغرافية شاسعة، ومنها تنتج الإدارة الذاتية معظم النفط السوري، عدا عن الثروة الزراعية وتشكل قرابة 60% من إنتاج سوريا للقمح، و90% من إنتاج القطن.
الباحث الاقتصادي أشار إلى أن مناطق الإدارة الذاتية شكلت سوقًا نفطيًا لمقدرات المنطقة، وعملت على كسب الأموال من خلال تصديرها النفطي للعراق، وبيعه لمناطق شمال غرب الفرات ومحافظة إدلب، عدا عن حصة وقدرها 40 ألف برميل شهريًا عبر وساطة “شركات القاطرجي”، وعليه يشكل الاتفاق الأخير ضبطًا كبيرًا لعمليات التهريب وبيع مقدرات البلاد، وإدخالها في الاقتصاد الوطني.
توزيع الذهب الأسود
على الرغم من عدم وجود تصريحات رسمية حول الإنتاج اليومي للنفط في مناطق الإدارة الذاتية، يعتقد الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أسامة شيخ علي، وحسب دراسات أجراها أن الإدارة الذاتية تنتج كمية وسطية من النفط تتراوح بين 70 ــ 80 ألف برميل يوميًا، كان يباع لدمشق منها ما نسبته 70%.
الباحث في “مركز عمران” لفت إلى أن الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية أمني وعسكري بالدرجة الأولى، وستتبعه لاحقًا اتفاقيات سياسية واقتصادية أكثر تفصيلًا خاصة في مجال المعابر وحقول النفط والغاز، ولهذا السبب أعطي الاتفاق مهلة حتى نهاية العام الحالي، منوهًا إلى أن العوائد المادية بالنسبة لدمشق ستأخذ بعض الوقت.
دمج هيئة الطاقة
حول ضبط الثروات النفطية وإنتاجها وآلية التوزيع يؤكد الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم أن ما تسمى “هيئة الطاقة” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية هي الجهة الرسمية والمسؤولة عن ثروات النفط والغاز والكهرباء.
وأشار الكريم إلى أن “هيئة الطاقة” مسؤولة عن إنتاج وتكرير النفط في الحقول الواقعة تحت سيطرتها والتي تمثل 80% من النفط السوري، وتقوم ببيعه وتصديره عبر مندوبين، ويتم ذلك بموجب عقود رسمية تخضع للرقابة والمحاسبة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وعليه تضمن عملية الاندماج مع دمشق إعادة الإدارة الاقتصادية لمقدرات وثروات البلاد.
انعكاسات داخلية
وحول المنافع الاقتصادية على الداخل السوري يؤكد الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن وضع السلطة السورية يدها بشكل حقيقي على الثروات سيؤمن احتياجات البلاد من المحروقات، ويؤدي إلى تحسن ملحوظ في الواقع المعيشي من شأنه تخفيف الضغط الداخلي الناتج عن ارتفاع نسب البطالة.
ولفت إلى أن تنفيذ بنود الاتفاق سيحسن من كفاءة مؤسسات الدولة، وزيادة نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين، وتسريع عجلة إعادة الإعمار، والأهم تحسين العلاقات مع المؤسسات التمويلية الدولية المانحة للمساعدات.
وتشير التسريبات الصادرة عن شخصيات مطلعة بأن المحافظات الشرقية ستأخذ نسبة من عائدات النفط لصالح التنمية فيها، وأن العائدات لن تُسلم لـ”قسد”، بل ستذهب إلى ميزانية المحافظة، علمًا أن المنظمات الدولية بدأت بإيقاف دعمها للإدارة الذاتية.
وتسعى اللجان التنفيذية إلى تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي، ويُعتقد أنه خلال هذه الفترة ستعمل السلطات السورية على الدخول لمناطق الإدارة الذاتية، ودمج المؤسسات بشكل كامل مع المركز دمشق، وعليه تبدأ الانعكاسات الإيجابية على الوضع الاقتصادي في سوريا.
المصدر: الترا سوريا