انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تشرد الأطفال في الشوارع والأسواق بشكل ملحوظ في سوريا، وهي نتيجة حتمية لحالات الفقد والنزوح التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
هؤلاء الأطفال، الذين يمثلون شريحة هشة في المجتمع، لم يكن تشردهم وليد اللحظة، بل هو نتاج مجموعة معقدة من الأسباب العائلية والاجتماعية التي ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة ويواجهون تحديات هائلة نتيجة سنوات النزاع المستمر ، فأكثر من 7.5 مليون طفل بحاجة إلى المساعدة الإنسانية بسبب النزوح الجماعي، الفقر، وتدمير البنية التحتية.
فالتحديات امام الدولة السورية و المجتمع المدني تتمثل :
- سوء التغذية: يعاني مئات الآلاف من الأطفال من سوء التغذية المزمن، مما يؤثر على نموهم الجسدي والعقلي.
- التسرب المدرسي: حوالي 2.4 مليون طفل خارج المدرسة، مما يهدد مستقبلهم التعليمي.
- الصحة النفسية: العديد من الأطفال يعانون من صدمات نفسية نتيجة العنف والنزوح.
- الاستغلال: الأطفال معرضون لخطر عمالة الأطفال والزواج المبكر.
من جانبها أكدت د. فاطمة الريس الباحثة في الشؤون النفسية أنه تم تناول الظاهرة والحديث عن دور التفكك الأسري في دفع الأطفال نحو الشوارع، حيث تزداد هذه الحالات نتيجة الطلاق والانفصال بين الوالدين زادت نسبها بسبب تردي الواقع المعيشي والتي زادت عن ٤٠% و١١٥ حالة يوميا ، إذ غالباً ما يعاني الأطفال من اثارها باشكال مختلفة اهمها الإهمال، حيث يفقدون الرعاية اللازمة من كلا الطرفين، مما يجعل الشارع ملاذاً لهم ،إلى جانب ذلك، تعد القسوة الأسرية سبباً آخر يدفع الأطفال إلى الشوارع، حيث يهربون من البيوت التي تتسم بأسلوب تربية متشدد وقاسٍ من قبل الوالدين، ما يدفعهم للبحث عن الأمان بعيداً عن الأسرة.
وأشارت د. فاطمة الريس إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه العديد من العائلات السورية هو الاخر يزيد من تعقيد المشكلة، فكثير من الأسر غير قادرة على تأمين احتياجات أطفالها الأساسية مثل الطعام والملابس والمأوى المناسب، مما يدفع الأطفال للعمل في الشوارع لتوفير ما يعجز عنه الوالدان ،يضاف إلى ذلك سوء البيئة المحيطة، التي تساهم بشكل غير مباشر في انحراف الأطفال ودفعهم إلى الشوارع، حيث يجدون في هذه البيئة سلوكيات منحرفة تؤثر عليهم وتجذبهم بعيداً عن التعليم والحياة المستقرة.
وأضافت د. فاطمة الريس إن أحد أخطر الأسباب التي تساهم في انتشار ظاهرة أطفال الشوارع، وهو التسرب المدرسي نتيجة عدم توفر المدارس والضغط في الصفوف عدى الكلف المالية الغير متوفرة وضعف تدخل المجتمع المدني للمساعدة ، ما يؤدي إلى انقطاع الأطفال عن الدراسة وانخراطهم في العمل في ظروف غير مناسبة لأعمارهم، مما يعزز وجودهم في الشوارع .
هناك العديد من الدول التي عالجت مشاكل مشابهة تتعلق بالأطفال المشردين واستغلالهم، وأحرزت تقدمًا من خلال استراتيجيات شاملة. على سبيل المثال:
– البرازيل: عانت البرازيل من ظاهرة الأطفال المشردين في الشوارع، لكن الحكومة أطلقت برامج مثل “Bolsa Família”، الذي يقدم دعمًا ماليًا للأسر الفقيرة بشرط إبقاء أطفالهم في المدارس وضمان حصولهم على الرعاية الصحية.
– الهند: أطلقت الهند برامج لحماية الأطفال من العمالة والاستغلال، مثل “Right to Education Act” الذي يجعل التعليم الأساسي إلزاميًا ومجانيًا للأطفال، إلى جانب تشديد القوانين ضد عمالة الأطفال.
– السويد: تعتمد السويد على نظام قوي للضمان الاجتماعي والتعليم المجاني، مما يقلل من ظاهرة الأطفال المشردين أو المستغلين. التركيز على تقديم دعم نفسي واجتماعي للأسر الهشة كان جزءًا مهمًا من نجاحها.
– جنوب إفريقيا: تبنت جنوب إفريقيا برامج لإعادة تأهيل الأطفال الذين يعملون في الشوارع، مع توفير التدريب المهني والدعم النفسي لضمان إعادة دمجهم في المجتمع.
يمكن لسوريا أن تستفيد من دراسة هذه النماذج وتكييفها بما يتناسب مع التحديات المحلية ، وإلا لا يمكن تنبئ بان الحرب قد انتهت ، وان سوريا اصبحت دولة امنة داخليا وعلى المستوى الاقليمي و الدولي.