في حوار حصري مع د.عبدالناصر سكرية رئيس التجمع الثقافي العربي في لبنان حول القضايا الهامة في سوريا مؤخرا وكيفية التعامل الاقتصاي في سوريا
– كيف ترى الوضع الأقتصادي الراهن في سورية..؟
– من المؤسف القول ان سورية تعاني وضعا اقتصاديا مترديا حاليا ، الامر ليس بمستغرب إذا ما عرفنا الاسباب..معروف ان النظام الساقط قد حول اقتصاد سورية عموما الى منافع متبادلة محصورة بيد حفنة من كبار رجالات العائلة والسلطة ومعهم حفنة ممن يسمون رجال أعمال فاسدين ومرتهنين لأجهزة أمنية محلية وخارجية..فكانت المحصلة انهاك الشعب السوري اقتصاديا واجتماعيا وتكدس الثروة الوطنية بيد ما لا يزيد عن واحد بالمئة من السوريين..وفوق هذا قامت ر”وس النظام المنهار بسرقة اموال الخزينة وتحويلها للخارج.الأمر الذي ترك سورية عمليا في وضع المفلس..
– هل تمتلك سورية حاليا خطة لمعالجة الوضع الاقتصادي ؟
– الوضع الاقتصادي مرتبط بشكل وثيق بالوضع الامني والوضع السياسي العام..السلطة الجديدة ورثت إنهيارات متعددة في مختلف المجالات..ولا شك انها في وضع صعب..فهي تحتاج الى معالجة ملفات كثيرة في وقت واحد واولها الوضع الامني الذي يشهد توترات كثيرة وانتهاكات وتجاوزات متنوعة تنذر بتفجير الوضع الداخلي ودفع الامور باتجاه مشاريع انفصالية وكيانات مذهبية خاصة وان المشاريع الدولية المتدخلة في سورية تعمل باتجاه تقسيمها وتقاسمها رغما عن ارادة الشعب السوري…ما لم تلجا السلطة الجديدة ألى الاستعانة بالكفاءات الوطنية المخلصة والمتحررة من الرهانات والمشاريع الطائفية والدولية ؛ فإنها لن تتمكن من توفير مقومات معالجة الاوضاع الاقتصادية وقبلها الامنية والسياسية..ومما يبدو فإنها لا تستعين الا بالمنتمين لفصائلها العسكرية والحزبية ممن لا تتوفر لهم امكانيات معالجة الوضع المتازم والمعقد والمتشابك..
– هل ترى ان هناك محاولات دولية جادة لمساعدة سورية اقتصاديا ؟
– واضح أن التدخلات الدولية تعمل لخدمة مصالحها الذاتية في سورية ..لا بل تستخدم نفوذها وامتداداتها المحلية لإحكام حصارها لسورية وإحكام قبضتها عليها..والواضح ان التوجهات الدولية لا تريد خيرا للشعب السوري ولا تشجع تعافيها لا أمنيا ولا سياسيا ولا امنيا بالتالي..وكل ما صدر حتى الان من اجراءات دولية تتعلق برفع الحصار او العقوبات او بتقديم المساعدة لا يبشر بالتفاؤل ..يبدو انها تصب في مزيد من الحصار لمزيد من الإستيعاب والدفع نحو هاوية وانحدار وتآكل شامل..
– ما ذا عن الدور العربي في مساعدة سورية اقتصاديا وهل يمكنه انقاذ اقتصادها من واقعه الراهن ؟؟
– حتى الآن يلدو أن الأفق الوحيد الممكن أو المتاح لمساعدة سورية هو تعاون الدول العربية معها ومساعدتها..وهو دور مطلوب وواجب بحكم المصلحة العربية المشتركة في انجاح التغيير في نظام الحكم لبداية تعافي سورية مما تعانيه ، ومن ثم بحكم الحاجة العربية لاستقرار سورية امنيا واجتماعيا على اعتبار ان استمرار الأخطار وبقاء التصدعات المجتمعية يهدد أمن المنطقة العربية كلها لا سيما في ظل تهديدات صهيونية ودولية واقليمية تنذر بتوسيع دائرة الفلتان الأمني والتقوقع المذهبي وصولا الى حروب وفتن أهلية عربية تدمر الجميع ولا توفر أحدا…وعلى ما يبدو فقد ابدت الدول العربية استعدادها لمساعدة سورية في مجال اعادة اعمار ما دمرته الحرب وما تسبب به النظام من خراب ودمار وتآكل..الامر يحتاج الى برنامج انقاذ مفصل محدد الخطوات والمهمات والاهداف وفق تصور زمني واضح وهو ما لم تقدم علية السلطة الجديدة بعد..
– كيف تؤثر الاحداث الاخيرة على تعافي سورية اقتصاديا واجتماعيا ؟
– يعاني المجتمع السوري من مظاهر كثيرة لما يمكن ان يكون نوعا من التشرذم والتشتت والتوهان..وهذا متوقع قياسا على تسلط النظام السابق واجرامه وفساده وارتهانه للخارج واستباحته للمجتمع والدولة واباحتها لكل انواع الفتن وللتدخل الخارجي التخريبي..فضلا عن انهيار اقتصادي ، تأتي الاحداث الأخيرة وما صاحبها من مجازر مشبوهة ومدانة ومرفوضة بحق المدنيين والابرياء وما حصل فيها من اعمال ثأرية وانتقامية خطيرة ومخربة لمسيرة بناء دولة وطنية ديمقراطية عادلة يتساوى فيها الجميع امام القانون ؛ لتزيد في احتمالات عرقلة مسيرة التعافي والبناء ومن ضمنها التعافي الاقتصادي..ان معالجة جدية للوضع الاقتصادي والاجتماعي تتطلب اوسع مشاركة شعبية فاعلة وايجابية في كل مراحل التغيير والتعافي والبناء..فالاستقرار الامني والسياسي مدخل ضروري ولازم لمعالجة التحديات الاقتصادية..من هنا نرى ان المشاريع الدولية بتسليطها الأضواء الباهرة على الاحداث الاخيرة واستخدامها غطاء لتصعيد تدخلاتها ومطالباتها بحماية ما يسمى الاقليات كمبرر لدفع الامور باتجاه التقسيم والتكين الانفصالي بعد ان تكون انعدمت الثقة بين ابناء المجتمع السوري ..وهذا ما يؤكد عدم مصداقية اية مواقف دولية تتحدث عن تقديم مساعدات لسورية..
– في ظل هذه الظروف المتشابكة هل يملك الشعب السوري امكانية معالجة مشكلاته الاقتصادية بالإعتماد على قواه وموارده الذاتية ؟؟
– نعم يمكنه ذلك ولكن في فترة زمنية طويلة نسبيا..سورية بلد غني ولديه الكثير من الموارد الطبيعية وفي أولها النفط والغاز والفوسفات وغيرها الكثير..المشكلة هنا تكمن في امرين :
– الأول : ان معظم موارد سورية من النفط كمصدر اساسي للدخل الوطني يقع في الجزيرة شرق سورية ..وهي المنطقة التي تحتلها امريكا وتؤمر عليها ما يسمى بقسد اي قوات سورية الكردية..وهي مجموعة انفصالية تحركها وتديرها امريكا وتحميها لتبقى مسيطرة على انتاج وتجارة النفط الذي تسخره لمزيد من تسلطها الميليشيوي الانفصالي عن الدولة المركزية..ولا يبدو ان امريكا قد تتخلى عن هذا الكيان الانفصالي وعن استيلائها على موارد سورية..
– الثاني : أن السلطة الجديدة لا تبدو قادرة على وضع برنامج عمل وطني يعتمد على القوى الشعبية وما فيها من عقول نظيفة وارادات حرة وكفاءات علمية متقدمة..واذا ما بقيت تعتمد في ادارة البلاد على قادة الفصائل الميليشيوية وكوادرها رغم كل ارتكاباتها المشينة ومشاركاتها السلبية المنغلقة المنكفئة على فكر متقوقع محدود الرؤية قصير النظر فئوي الأداء ، ورغم ارتهان معظمها لقوى النفوذ الخارجي مما يفقدها القدرة على التفكير الحر والتصرف السليم المقبول وطنيا ؛ فإنها لن تتمكن من بلوغ مرحلة التعافي وإزالة آثار المرحلة السابقة التي ينبغي ان تسقط لا كأفراد فقط بل كعقلية وممارسات ونهج ورؤية فئوية ضيقة قاصرة عاجزة..
– هل من نداء او نصيحة توجهه للشعب السوري ؟؟
إن إلتزام هدف ” ازالة آثار النظام الساقط ” في كل المجالات العملانية ؛ كفيل بوضع سورية في طريق التعافي..كما أن ضمان مشاركة شعبية حقيقية وفاعلة كفيل بمنع تكرار أي من المقومات السلبية المدمرة من المرحلة السابقة وكفيل بحماية مسيرة التغيير نحو الأفضل إذ ليس كل تغيير يحمل تقدما الى الأمام ، فقد يحمل تراجعا الى الوراء وهو ما لا يريده الا كل اعداء الشعب السوري في الداخل والخارج..
فليكن كل سوري حر شريف رقيبا وحسيبا ونسيبا على ما يحصل وليتحمل نصيبا من كل المسؤوليات الوطنية المطلوبة واللازمة..على السلطة الجديدة تقع مسؤولية تأمين قنوات حقيقية لهذه المشاركة الشعبية بما يحمي المسيرة والا فلن تكون النتائج مرضية إن لم نكن تنذر بالأسوأ..

د.عبدالناصر سكرية : الوضع الاقتصادي مرتبط بشكل وثيق بالوضع الامني والوضع السياسي بسوريا
7