الرئيسية » العقوبات الاقتصادية والسياسية في سوريا: واقع معقد وإصلاحات جذرية

العقوبات الاقتصادية والسياسية في سوريا: واقع معقد وإصلاحات جذرية

بواسطة Younes

في ظل تطلع الشعب السوري إلى رفع العقوبات الدولية بعد سقوط نظام الأسد، يظهر مشهد متشابك من التحديات السياسية والاقتصادية. تتعارض الآمال المعلنة مع واقع معقد يسوده الجمود السياسي. وبينما تم تعليق بعض العقوبات تحت بند “إزالة المخاطر الإنسانية”، متغافلة أن رفع العقوبات (الاقتصادية_ السياسية) عن سوريا ليس أمراً يتحقق بالتصريحات الاستعراضية ،بل يتطلب اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية تؤكد جدية الحكومة في معالجة القضايا الأساسية.

ليبقى رفعها هدفًا بعيد المنال ما لم تُتخذ خطوات إصلاحية جذرية تثبت جدية الحكومة في معالجة القضايا الأساسية.

هذا المشهد السوري يشكّل واقعًا مترديًا يعاكس أحلام الشعب الذي لطالما تمنّى تجاوز الإنهاك الذي خلفه نظام الأسد. ورغم التصريحات الاستعراضية التي أعقبت سقوطه، وخلال مقابلات مع وفود أجنبية في قصر الشعب، لم يتحقق رفع العقوبات كما كان متوقعًا. وبينما تُطبَّق العقوبات – وإن كانت بعضها معلقة جزئيًا وبشكل مؤقت – يظل السؤال قائمًا: هل تساهم هذه الإجراءات في تعزيز العدالة والديمقراطية، أم أنها مجرد أدوات للضغط السياسي الخارجي، الا تعدو كونها شكلًا من أشكال الابتزاز السياسي؟

تأثير العقوبات وتداعياتها

منذ البداية كان من الضروري أن تُظهر الحكومة السورية التزامًا بإحداث تغييرات هيكلية شاملة، مع التركيز على العدالة الانتقالية كركيزة أساسية لاستقرار البلاد سياسيًا واقتصاديًا. إلا أن الإهمال في هذا الجانب أدى إلى تعقيد الأمور، حيث لا يزال بعض من عناصر النظام السابق وشخصيات اخرى – سواء كمستشارين للحكومة الحالية وموظفين  أو من نخب الفنادق الفاخرة مثل “فورسيزن” و”الشيراتون” – يشكلون عائقًا أمام تحقيق انطلاق مسار الاصلاح والعدالة الانتقالية ، رغم العقوبات الدولية التي تطال كثير منهم مثل “لوائح قيصر” والعقوبات الأوروبية والأممية .

وهم رفع العقوبات

يطرح واقع رفع العقوبات تساؤلات حول مصداقية الإصلاح السياسي. كيف يمكن رفع العقوبات في حين تظل الحكومة تظهر بنمط أحادي وتواجه اتهامات بالإرهاب؟

تم تصميم العقوبات أساسًا لتعزيز العدالة والديمقراطية، وهو الدافع الأساسي لفرضها على نظام الأسد البائد. لكن رؤى الغرب تشير إلى أن سوريا ما زالت تعاني من فوضى تجعل العقوبات أداة تصحيح للمسار أو حتى وسيلة للتراجع عن الانخراط معها كما حدث في دول كالصومال وأفغانستان.

مسارات خاطئة ومبادرات مشبوهة

الغرب يرى أن سوريا تعيش حالة من الفوضى، لكنه يتجنب الصدام المباشر مع الحكومة الحالية، مفضلاً منحها الفرصة تلو الأخرى لتصحيح المسار، مع مراعاة وضع سيناريوهات متعددة في الحسبان.”

في حين يحاول بعض الفاعلين على الصعيد الداخلي التقرب من الحكومة للحصول على مناصب أو الاستفادة من سخاء الرئيس الحالي. يتجلى ذلك في ترويج مزاعم غير دقيقة بشأن رفع العقوبات واستغلال  تفسير لتحالفات إقليمية و التقارب معها  مثل  تركيا وقطر ، او التقارب مع قوى دولية كانت تسبيح دماء السوريين وتقف عائق اما الاطاحة بالاسد ونظامه ، لنجد اليوم تحول التدريجي لسوريا من جديد لتكون قاعدة ارتكاز عسكرية لهم.

بل ان زيفهم بات يشيع ان مبادرات رمزية عبر لقاء رجال دين مسيحيين كفيلة باظهار  صورة اعتدال للحكومة  على حساب مواجهة واقع معقد يغرق بتنميط المجتمع وفق مفاهيم  التيار السلفي الجهادي. من جهة أخرى، يروج بعض مستشاري النظام السابق والمستفيدين  لفكرة التقارب مع إسرائيل كجزء من استراتيجية لخلق إمكانيات رفع العقوبات، متجاهلين تجارب مشابهة في دول أخرى مثل مصر والأردن.

حتى الدول العربية التي سعت جاهدة لدعم الحكومة والشعب السوري تجد أن نصائحها تُغض الطرف عنها لصالح أفراد ذوي خلفيات تكتوكية أو إعلامية تفتقر إلى الخبرة في الشؤون الاقتصادية. وتشير التسريبات إلى أن محاولات الدول العربية، مثل قطر والسعودية، لتقديم المساعدة للشعب السوري باتت تصطدم بممارسات هؤلاء الأفراد الذين يُسمح لهم بالعمل داخل سوريا دون وجود ضوابط واضحة.”

كيفية الخروج من الأزمة

رغم أن العقوبات تُوصف بالاقتصادية، إلا أنها تحمل بُعدًا سياسيًا يتمثل في تحقيق دولة قائمة على العدالة وسيادة القانون بعيدًا عن السلطوية والعائلية وحتى التياراتية. يكمن الحل للخروج من عنق الزجاجة  في تطبيق العدالة الانتقالية بحزم، مع محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وإبعادهم عن مراكز السلطة من كل الاطراف ، وتشكيل حكومة تعكس التنوع السياسي. كما يجب إعادة النظر في سياسة الامتيازات التي يُقدّمها الرئيس للمقربين، لأنها تعيق الإصلاح وتضعف المصداقية.

تُعد المرحلة الحالية في سوريا وقتًا حساسًا يتطلب اتخاذ خطوات جريئة نحو الإصلاح. رفع العقوبات لا يتحقق بتصريحات عامة أو مبادرات رمزية، بل عبر إصلاحات فعلية تُعيد بناء الثقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع الدولي. التحدي الأكبر يكمن في تحقيق توازن بين الإصلاح السياسي والهيكلي والضغط الدولي لإقامة دولة قائمة على القانون تحقق تطلعات الشعب.

مقالات ذات صلة