الرئيسية » من يرسم سياسة الإصلاح الإداري في سوريا؟

من يرسم سياسة الإصلاح الإداري في سوريا؟

بواسطة Younes
أحمد الكناني

مع اقتراب الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية في سوريا، تشير التقديرات إلى أن الإصلاح الإداري سيكون أحد أبرز المشكلات التي ستواجه هذه الحكومة. ويكرر بعض مسؤولي الإدارة الجديدة أنهم وجدوا أنفسهم أمام تحديات فاقت ما كان في حسبانهم: مؤسسات منهارة تمامًا، شركات قطاع عام خاسرة، فائض من العمالة مع انعدام في الفاعلية.

وتعمل الحكومة على ما تسميه “إصلاحات جذرية”، إذ بدأت بتسريح آلاف من العاملين، وإعطاء آلاف غيرهم إجازات مأجورة، دون الكشف عن الأسس المعتمدة لمثل هذه الإجراءات، ما يطرح العديد من التساؤلات حول معايير الإصلاح المعتمدة، والتحديات التي تواجه هذه العملية.

 حكومة بلا كفاءات

منذ سنوات طويلة بدأ العمل في قطاع الدولة يأخذ خطًا منحنيًا من حيث تدني دخل العاملين فيه، وانخفاض كفاءتهم الوظيفية، وحدوث هجرات كبيرة للعقول والكفاءات الشبابية، ما أسفر عن انخفاض واضح في الخبرات الأكاديمية التي تدير مؤسسات العمل الحكومي.

تشير الإحصاءات الرسمية في تقرير صادر عن المكتب المركزي للإحصاء لعام 2023 إلى أن أعداد الموظفين في الوزارات الحكومية وكذلك في “مجلس الشعب” بلغت (911955) موظفًا، تزيد فيها نسبة الإناث عن الذكور (440 ألف موظفة من العدد الكلي).

وثقت هذه الإحصاءات كافة الوزارات والمؤسسات والهيئات في الدولة، باستثناء العاملين في وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية، وكشفت أن نسبة (30.5%) فقط من الموظفين يحملون الإجازات الجامعية فما فوق، الأمر الذي يظهر خللًا واضحًا في ظل غياب الخبرات الأكاديمية في مؤسسات الدولة واعتماد الشهادات الأدنى في إدارة شؤون المؤسسات ومفاصلها.

يتحدث الباحث الاقتصادي يونس الكريم معلقًا على هذه النقطة التي يرى أنها “تؤثر بشكل كبير على التحول تجاه التكنولوجيا وتجعله أمرًا غير قابل للتطبيق بسبب انخفاض مستوى التعليم، إضافة إلى أنها نسبة ضئيلة تعبر عن ضعف مؤشر التنمية، وعدم القدرة على التطوير، وما يتبع ذلك من ضعف في إنتاجية مؤسسات الدولة”.

إجراءات وتحديات أمنية 

وفي ظل ما تعانيه الحكومة الحالية من نقص حاد في الخبرات الأكاديمية، يبدو أن ثمة فجوة كبيرة ما بين إجراءات التسريح ومنح الإجازات، وسياسات الإصلاح الإداري، إذ تكشف التصريحات الرسمية لوزير المالية محمد أبازيد أن 400 ألف موظف غير فاعلين في مؤسساتهم يتم استبعادهم، فيما تطبق على الأرض إجراءات مختلفة بين الوزارات لاستبعاد عدد كبير من الكفاءات والخبرات، وضمنهم أطباء ومهندسون، ما يطرح التساؤل حول المرجعية المعتمدة في مثل هذه الإجراءات.

يعتقد الباحث الاقتصادي مناف قومان أن “التفكك الإداري وضعف المؤسسات أحد أبرز التحديات التي تواجه الإصلاح الإداري في مؤسسات الدولة، يضاف إلى ذلك الأزمة المالية الحادة بسبب غياب النقد الأجنبي، والعملة المحلية التي فقدت قيمتها بشكل كبير”، لافتًا إلى “تدهور الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية”.

ويشير الباحث قومان في حديثه إلى أن “انتشار السلاح والتحديات الأمنية، بما في ذلك العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل وفقدان الثقة والقلق الاجتماعي، جميعها عوامل تؤثر في مسيرة الإصلاح والتي تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة الانتقالية القادمة، والتي ستتولى إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد”.

خطوات لازمة

في هذا السياق، يعتقد الباحث الاقتصادي يونس الكريم أنه من المفترض البدء في العديد من إجراءات الإصلاح الإداري “غير تلك المتعلقة بزيادة دخل الموظف الحكومي، واستقطاب الكفاءات وذلك بالعمل على تقديم الأنظمة التقنية لاختصار الوقت، وتلافي الأخطاء البشرية في تسيير شؤون المواطن”، مشددًا على أن تطوير المنظومة التقنية في المؤسسات الحكومية “يحتاج إلى بنية تحتية في الدرجة الأولى، وتدريب أمثل للكوادر البشرية على استخدامها في الدرجة الثانية”، لافتًا إلى ضرورة “دعم الكوادر البشرية وإعطائها مساحتها في اتخاذ القرار، عدا عن برنامج لمكافحة الفساد، وإيجاد هيكلية إدارية واضحة تعطي الموظف صلاحياته ولا تعرضه للخوف من اتخاذ أي قرار يلزم”.

وحول القطاعات الحكومية ذات الطبيعة الاقتصادية، يؤكد الكريم أنه “من الضروري التناغم بين الإصلاح الإداري والنظام الاقتصادي الذي ستنتهجه الدولة، إذ لا يمكن إجراء إصلاح إداري بطابع اشتراكي والنظام يتجه نحو الليبرالية، أو نحو النموذج الإسلامي”.

رسم السياسات الإصلاحية

تشير الإجراءات الحالية إلى غياب واضح في مرجعية السياسات الإصلاحية التي تتخذها الحكومة في الوقت الحالي، وفي هذا الإطار يشدد الخبير الاقتصادي مناف قومان على ضرورة “تشكيل هيئة إدارية خاصة لدراسة أوضاع القطاع العام، وإصدار القرارات، وإعادة هيكلة المنشآت الصناعية”.

وتتوقع بعض الأوساط السياسية أن الحكومة الجديدة ستأخذ شكل “التكنوقراط”، الأمر الذي سيجعل الإصلاح الإداري في سلم أولوياتها، فيما سيحدد شكل النظام الاقتصادي الجديد ملامح العمل في المؤسسات الحكومية، من حيث خصخصة القطاعات الحكومية ذات الشأن الاقتصادي، والتي يؤكد البعض أنها “تحولت إلى عبء حقيقي على الدولة دون تحقيق أي إنتاجية ربحية في عملها”.

المصدر:الترا سوريا

مقالات ذات صلة