الرئيسية » الاقتصاد التدميري: هل تسلك الحكومة السورية هذا المسار

الاقتصاد التدميري: هل تسلك الحكومة السورية هذا المسار

بواسطة Younes
يُستخدم مصطلح “الاقتصاد التدميري” للدلالة على سياسات اقتصادية تعمد إلى تفكيك الهياكل التقليدية للدولة بهدف جذب الاستثمارات أو تحقيق مكاسب سياسية سريعة، دون الاهتمام الكافي بالعواقب طويلة المدى على الاستقرار والتنمية. وعلى الرغم من أن هذه السياسات قد تبدو مغرية على المدى القصير، فإنها غالبًا ما تترك آثارًا مدمرة على الاقتصاد الوطني والمجتمع. وفي سوريا، تتردد تساؤلات حول مدى اقتراب السياسات الحالية من هذا النموذج

الاقتصاد التدميري في سوريا

تعتمد الحكومة السورية الحالية على سياسات غير واضحة تُثير الشكوك بأنها تتجه نحو الاقتصاد التدميري. فمن خلال تقديم تسهيلات واسعة للمستثمرين الأجانب، واستخدام شخصيات سورية ودولية ذات علاقات واسعة لجذب أولئك المستثمرين ، وتفاوض لمنحها فرصًا للاستحواذ على مؤسسات الدولة مقابل مزايا سياسية، مثل رفع العقوبات الدولية وتعويم النظام ومباركته. يبدو أن الأولوية تُمنح لجذب رؤوس الأموال على حساب تحقيق طموحات الشعب وبناء اقتصاد مستدام.

على سبيل المثال، تم طرح عدد من مؤسسات القطاع العام للخصخصة أو المشاركة مع مستثمرين خارجيين، من قطاع الصحة والكهرباء والمواصلات.

 وتشير التقارير إلى أن بعض هذه العروض قدمت لشركات من روسيا والصين وتركيا ودول عربية أخرى تسعى لتعزيز مصالحها السياسية والأمنية في المنطقة؛ إذ احتفظت شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية باحتفاظها بامتيازاتها في قطاع الفوسفات السوري، مما يُعد خطوة ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تحويل الموارد الوطنية إلى أدوات تفاوضية. كما تجري مفاوضات مع شركات صينية بشأن مشاريع بناء الطرق، وتطوير قطاع الكهرباء، وتوسيع ميناء اللاذقية.

تجارب دولية في ظل الاقتصاد التدميري

لتوضيح تداعيات مثل هذه السياسات، يمكن النظر إلى عدة تجارب دولية:

  1. الأرجنتين وأزمة الخصخصة: خلال تسعينيات القرن الماضي، اضطرت الأرجنتين إلى بيع العديد من أصولها الوطنية تحت ضغوط من المؤسسات المالية الدولية. على سبيل المثال، تمت خصخصة شركة الطيران الوطنية “Aerolíneas Argentinas” والتي انتقلت ملكيتها إلى شركة إسبانية، مما أدى إلى تدهور جودة الخدمات وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية جسيمة وانهيار السيطرة على قطاعات استراتيجية.
  2. العراق بعد الغزو الأمريكي: بعد الغزو في عام 2003، فُتحت أبواب الاقتصاد العراقي أمام الشركات متعددة الجنسيات. من الأمثلة البارزة، حصلت شركة “Halliburton” الأمريكية على عقود ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية لنظام النفط، إلا أن تلك المشاريع لم تحقق الفائدة المرجوة للمجتمع العراقي. بل أدت إلى تفاقم مستويات الفساد وانهيار الاقتصاد المحلي نتيجة الاعتماد المفرط على التدخلات الخارجية.
  3. اليونان وأزمة الديون الأوروبية: خلال أزمة الديون في العقد الماضي، فرضت مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي سياسات تقشفية صارمة أدت إلى خصخصة بعض الموانئ والمطارات. فقد استحوذت شركة “COSCO” الصينية على جزء من ميناء بيرايوس، مما أسفر عن فقدان الدولة لإيرادات كبيرة وتقليص فرص العمل للعمال المحليين.

تداعيات الاقتصاد التدميري على سوريا

تسلط التجارب الدولية الضوء على عدة آثار سلبية تنتج عن تطبيق نمط الاقتصاد التدميري، منها:

  1. تآكل السيادة الوطنية: يؤدي استحواذ الشركات الأجنبية على القطاعات الحيوية إلى تراجع قدرة الدولة على التحكم بمواردها الوطنية، حيث تصبح قراراتها الاقتصادية خاضعة لمصالح جهات خارجية.
  2. ارتفاع معدلات الفقر والبطالة: يترافق هذا النهج بتفكيك المؤسسات الوطنية وتسريح الموظفين، الذي بدأ بعملية تسريح آلاف العاملين بمبررات غير دقيقة، ما يزيد من معدلات البطالة وانتشار الفقر، إضافة الى ان هذا النهج في سبيل إجبار المجتمع على التكيف مع تغيرات أولوياته الاقتصادية التدميري الى اتخاذ قرارات بالصدمة مثل حبس السيولة التي يتبعها البنك المركزي.
  3. الاعتماد المفرط على الأطراف الخارجية: بدلاً من العمل على بناء اقتصاد داخلي قوي ومستقل، يصبح النظام معتمدًا بشكل كبير على قرارات وإرادات المستثمرين الأجانب، مما يضع مستقبل الموارد الوطنية في موقف هش.

التحول من الاقتصاد الإسلامي إلى اقتصاد تدميري مقنع بالليبرالية

كان من المتوقع أن تتبنى الحكومة نهجًا اقتصاديًا إسلاميًا يتماشى مع الخلفية الثقافية والدينية للحكومة الحالية، يعتمد حسب تصريحات على العدالة الاجتماعية والتكافل. ومع ذلك، ثم جاء تصريح الحكومة مع الاعلام الدولي  بالاعتماد النموذج الليبرالي ليُفهم على أنه محاولة لاسترضاء الغرب، خاصةً في إطار رفع العقوبات الاقتصادية، حيث إن النهج الليبرالي غالبًا ما يُصاحب بالديمقراطية وفصل السلطات وحرية السوق للجميع.

لكن مع كل قرار جديد يصدر وسط ضباب التريندات اليومية التي أصبحت جزءًا من حياة السوريين، يتضح أن  ما يحدث فعليًا هو انحرف عن هذا المسار؛ فبدلاً من تطبيق مبادئ الاقتصاد الليبرالي، اتخذت الممارسات نهجًا اقتصاديًا تدميريًا. هذا النهج يتجسد في تفكيك المؤسسات الاقتصادية القائمة وإعادة هيكلتها بشكل يخدم مجموعة محددة من الأشخاص يحاولون بناء نفوذ لهم خلال بناء مستقبل سوريا، مما أدى إلى تركيز السيطرة الاقتصادية بين أيديهم بدلاً من تحرير السوق للجميع.

هذه الاستراتيجية لم تحقق التوازن المطلوب بين الحرية الاقتصادية والحوكمة الديمقراطية، بل عززت الفجوة الاجتماعية وقللت من الشفافية، مما يثير تساؤلات حول الكلفة السياسية والاجتماعية لهذا التحول. يبدو أن الحاجة ماسة إلى رؤية أكثر شمولًا واستدامة تضمن مصلحة الشعب ككل.

علاوة على ذلك، النهج الاقتصادي التدميري لم يتوقف عند تفكيك المؤسسات الاقتصادية السابقة، بل استمر في تكريسها كأدوات لخدمة قوى محددة، مما يضاعف من تعقيد المشهد الاقتصادي ويخلق شبكة من المصالح الضيقة التي تعيق تحقيق التغيير الفعلي والتنمية المستدامة. وبدلاً من تحقيق العدالة الاقتصادية للجميع، أدى هذا النهج إلى ترسيخ عدم المساواة وزيادة الفجوة بين مختلف فئات المجتمع.

مفترق طرق بين الطموحات الخارجية والتفكيك الداخلي

تستلزم السياسات الحالية التي يتبناها النظام السوري دراسة معمقة لتفادي السير في مسارات مماثلة لتلك التجارب الدولية التي عانت من آثار الاقتصاد التدميري. فمن خلال استغلال الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة كذريعة لفتح الاقتصاد أمام الشركات الأجنبية، ينطوي هذا التوجه على مخاطرة كبيرة بتعريض الموارد الوطنية وسيادتها لأضرار بعيدة المدى.

يكمن التحدي الأكبر في إيجاد توازن دقيق بين استقطاب الاستثمارات الخارجية والحفاظ على مصالح الشعب السوري، وضمان أن يتحول الاقتصاد إلى أداة لتحقيق التنمية المستدامة بدلاً من أن يكون وسيلة للتفكيك الدائم للمؤسسات القائمة. وتعتبر تجارب الأرجنتين والعراق واليونان دروسًا قيمة ينبغي الاستفادة منها لتجنب تكرار الأخطاء الكارثية وبناء نموذج تنموي يحفظ الموارد الوطنية ويعزز الاستقلال الاقتصادي.

في نهاية المطاف، يعتمد مستقبل الاقتصاد السوري على قدرة السياسات المُتبناة على حماية الهوية والموارد الوطنية وتحويل التحديات إلى فرص إ

مقالات ذات صلة